حظر تعليق الصليب في المدارس يحيي الجدل في ألمانيا حول الحجاب وعلمانية التعليم
٧ نوفمبر ٢٠٠٩ارتفعت في ألمانيا الأصوات المنتقدة لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمنع تعليق الصليب في فصول المدارس، وأعرب مجمع الأساقفة الكاثوليك في بيان للمجمع صدر من بون، عن "خيبة أمله الكبيرة" جراء الحكم الذي صدر عن محكمة ستراسبورغ، معتبرا انه "حكم متحيز وان الصليب ليس فقط رمزا دينيا بل هو أيضا سمة ثقافية". وقال هانز لانغندورفر أمين مجمع الأساقفة الكاثوليك في ألمانيا إن حكم المحكمة رغم انه يهدف لخدمة حرية التدين فإنه يتجاوز الوضع في إيطاليا ويتجاهل الأهمية الحقيقية للصليب في المجتمع.
من جهته وصف يوهانز زينغهامر، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي لشؤون الأسرة، ، حكم المحكمة الأوروبية بالـ"المجحف والتقليدي". وأضاف بأن "الصليب يمثل رمزا مرئيا لتوجه قيمي واضح وهو حماية كرامة البشر بغض النظر عن أصلهم أو جنسهم أو معتقداتهم الدينية".
وكانت المحكمة الأوروبية قد قضت يوم الثلاثاء الماضي بأن تعليق الصلبان المسيحية في فصول إحدى المدارس الحكومية بإيطاليا يعد انتهاكا لحرية التدين لدى التلاميذ ويحرم الآباء من حرية تربية أبنائهم حسب قناعاتهم الفلسفية. وجاء في تبرير المحكمة لهذا الحكم التاريخي أن وضع الصلبان في الفصول الدراسية يمكن أن يجعل التلاميذ يفسرون ذلك بسهولة على أنه رمز ديني في حين أن حرية عدم الانتماء لدين تحتاج لحماية خاصة. ودفع ذلك قضاة المحكمة إلى اعتبار وضع الصلبان في الفصول المدرسية انتهاكا للميثاق الأوروبي لحماية حقوق الإنسان.
قرار المحكمة الأوروبية أثار مخاوف الكاثوليك في بافاريا
وجاءت ردود الفعل الأكثر حدة من ولاية بافاريا (جنوب ألمانيا)، فقد انتقد الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري قرار المحكمة. وقال لودفيغ شبيلنه وزير التعليم بالولاية، إنه يعتزم الإبقاء على الصلبان المعلقة في الفصول بمدارس الولاية. وأوضح الوزير أن ولايته لها وضع قانوني خاص وهي تمتلك منذ عام 1995 آلية قانونية لحل مثل هذه القضايا الخلافية، موضحا انه في حالة شعور أي تلميذ أو مدرس بأنه متضرر من هذا الوضع القانوني وتقديم ما يثبت أنه يعاني من الاضطهاد فإن على المدرسة المعنية اتخاذ قرار بشأن إزالة الصلبان من فصول المدرسة أو الإبقاء عليها.
وكانت المحكمة الدستورية في ألمانيا قد اتخذت عام 1995، قرارا مشابها للقرار الحالي الذي اتخذته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وأكدت المحكمة الدستورية آنذاك أن" بنودا معينة في نظام التعليم العام في ولاية بافاريا غير دستورية وتتعارض مع قانون حرية الديانة وحياد الدولة دينيا". وينص القانون المنظم للتعليم في بافاريا على ضرورة رفع الصليب في الفصول المدرسية. يذكر ان الدستور الألماني يمنح البرلمانات المحلية في الولايات صلاحيات سن القوانين المنظمة للتعليم.
وفي ردها على سؤال دويتشه فيله حول تفسيرها لحدة رد الفعل في ولاية بافاريا قالت ايرينا هايدر الصحافية في قسم الأديان والكنيسة بالإذاعة البفارية، ان قرار المحكمة الأوروبية أعاد للأذهان الجدل الكبير الذي وقع في الولاية إثر قرار المحكمة الدستورية الألمانية عام 1995 الخاص بمسألة وضع الصليب في المدارس، في ولاية معروفة بحضور قوي للكاثوليكية فيها. وأوضحت ايرينا ان رفض القرار في بافاريا "ربما هو نابع من مخاوف لدى الكنيسة الكاثوليكية هنا وكذلك لدى الحزب المسيحي الاجتماعي ذو النفوذ القوي في الولاية، بأن الثقافة المسيحية المترسخة في الولاية ربما تتعرض للتهديد بسبب هذا القرار أو ربما قرارات أخرى، وبالتالي قد يهدد ذلك شرعية ومكانة التقاليد المسيحية".
بين التشبث بالرموز الدينية والإصرار على الهوية العلمانية
يرصد المتتبع لردود الفعل على قرار المحكمة الأوروبية في الولايات الألمانية اختلافا في النظرة للموضوع، فبخلاف ولاية بافاريا، لا تتقيد المدارس في شمال البلاد وشرقها حيث أغلبية بروتستانتية، بقاعدة وضع الصليب في الفصول، كما توضح دنيا القرشي رئيسة جمعية للتبادل الثقافي في هامبورغ، قائلة: " ان قرار المحكمة الأوروبية ليس له تأثير على المدارس في هامبورغ لأن أغلبية المدارس بالمدينة لا تدرس فيها مادة الأديان بشكل إلزامي، وهي اختيارية بالنسبة للتلاميذ وأوليائهم. ولذلك فإن سكان المدينة هنا ليس لهم نفس التشبث بالرموز الدينية في المدارس بخلاف ما يبديه الكاثوليك مثلا في ولايات ألمانية أخرى".
وعن تعليقها كأم مسلمة(ألمانية من أصل مغربي) لها طفلتان تدرسان في مدرسة عامة في هامبورغ، على قرار المحكمة ، قالت قرشي لدويتشه فيله، إنها تعتبره "قرارا إيجابيا، وإذا كان مؤيدو رفع الصليب في المدارس يقولون بأنه أمر يدخل في إطار تقاليد أوروبية، فإنه يمكن الإقرار بذلك، لكن ليس بشكل مطلق، ولاسيما بعد أن أصبحت المدارس الأوروبية تضم أيضا أطفالا مسلمين". وأعربت القرشي عن اعتقادها بأن " الصليب ورغم ان الفاتيكان يقول بأنه رمز ثقافي فهو أساسا رمز ديني ويضفي رفعه في المدرسة طابعا كاثوليكيا على نظام التربية فيها".
أما ريغينا ميلشيرت، وهي سيدة ألمانية من مدينة بون، فتقول بأنها كمتشبعة بالأفكار البروتستانتية، تعتقد ان الجدل حول هذه القضية يتعلق في جوهره بحضور الدين في برامج التربية في المدارس. وتضيف بأنها تحرص على أن يتلقى أبناؤها في المدرسة الألمانية دروسا حول الديانة المسيحية، كما تعتبر ان "تدريس مادة عن الدين الإسلامي في المدارس الألمانية أمرا مهما"، معتبرة أن تدريس مادة الديانات في المدارس يساهم في تعميق الحوار بين المسيحيين والمسلمين، "وهو أمر مطلوب تكثيفه".
من جهتها ارينيا هيدر الصحافية الألمانية من بايرن ، بأن رفض المؤسسات الكنسية والحكومية في ولاية بافاريا لقرار المحكمة الأوروبية نابع من تمسكها بالقيم والتقاليد المسيحية في نظامهم التعليمي والثقافي، "وهم يعتبرون ذلك غير متعارض مع مبدأ حرية الأديان ". أما حسن خضر، وهو كاتب فلسطيني مقيم في برلين، فهو يقول انه يؤيد قرار المحكمة الأوروبية من منطلق إيمانه بضرورة وأهمية الحفاظ على الطابع العلماني للمدارس ومؤسسات الدولة بشكل عام. وقال خضر ان "المبدأ الأساسي الذي يستند إليه قرار المحكمة الأوروبية هو الحفاظ على هذا الطابع.
منع الصليب من المدارس يقوي حجة دعاة منع الحجاب
ويبدو ان قرار المحكمة الأوروبية الخاص بمنع رفع الصليب في المدارس يثير ردود فعل متباينة بين المسلمين في ألمانيا، ولاسيما عند مقارنته بحظر ارتداء المدرسات المسلمات للحجاب في المدارس في بعض الولايات الألمانية.
فبالنسبة لـ القرشي، فهي تعتبر "ان الأمرين مختلفان تماما، فارتداء الحجاب مسألة شخصية وليس له انعكاسات على نظام التربية في المدرسة. والفتاة المسلمة عندما ترتدي الحجاب فهي تقوم بذلك كسلوك نابع من عقيدتها الدينية الشخصية أما رفع الصليب في فصول المدرسة فهو يرمز إلى إخضاع نظام المدرسة للطابع الكاثوليكي المسيحي".
أما حسن خضر، المدافع عن فكرة علمانية نظام التعليم، فيعتبر ان " التعامل مع مسألة الحجاب باعتبارها قضية شخصية أمر غير صحيح ، لأن ارتداء الحجاب مثل رفع الصليب مسألة دينية". واعتبر خضر في حديث لدويتشه فيله أن التعامل مع الحجاب باعتباره قضية شخصية "يهدف لإرغام الآخرين على قبوله في مؤسسات ذات طبيعة علمانية، وهو موقف غير صحيح واعتبره كيلا بمكيالين".
ويرى مراقبون بأن قرار منع الصليب في المدارس قد يساهم في تقوية جانب دعاة علمانية نظام التعليم ومؤسسات الدولة، الداعين أيضا إلى توسيع منع الحجاب في المؤسسات التعليمية وخصوصا بالنسبة للمدرسات.
من جهتها التزمت معظم الهيئات الإسلامية في ألمانيا الصمت إزاء قرار المحكمة الأوروبية بمنع الصليب في المدارس، بينما كانت عشرات الهيئات الإسلامية قد قامت في السنوات القليلة الأخيرة بحملات إعلامية واسعة في ألمانيا لمعارضة إجراءات منع الحجاب في المدارس. كما صدر في عام 1998 قرار من حكومة ولاية باد فونتمبيرغ بمنع سيدة مسلمة من الحصول على منصب وظيفة مدرسة بسبب ارتدائها للحجاب واستند القرار إلى مبدأ علمانية نظام التعليم.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي