تراجع دور الكنيسة في ألمانيا رغم تأثير الدين في تشكيل هوية البلاد الثقافية
٢٢ مايو ٢٠٠٩تعتبر ألمانيا جزءاً من العالم المسيحي الغربي، كما أنها تعتبر مهد انبثاق المذهب البروتستانتي على يد المصلح الديني مارتن لوثر في القرن السادس عشر. وعلى عكس عدد من الدول الأوروبية، على غرار فرنسا، فإن تأثير الدّين المسيحي في ألمانيا لا يقتصر على الكنائس ودور العبادة فحسب، وإنما ترك بصماته أيضا على الحياة السياسية، حتى أن بعض الأحزاب السياسية في ألمانيا مثل حزبي الائتلاف الحاكم: الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي يؤكّدان على انتمائهما إلى الدين المسيحي على الأقل من خلال صفة "المسيحي" في أسمائهما.
كما تلعب الكنيسة دورا في صياغة الدروس الدينية في المدارس الألمانية، و كذلك في الإرشاد الروحي للجنود الألمان في ثكناتهم العسكرية وكذلك خلال مهماتهم الخارجية. وتوجد مدارس وجامعات مرتبطة بهذه الكنيسة أو تلك، كما توجد دور حضانة وبيوت رعاية اجتماعية تابعة للكنائس المختلفة.
تراجع تأثير الكنيسة منذ الخمسينات
لكن رغم الدور الذي لعبه الدين المسيحي في تشكيل هوية المجتمع الألماني، إلا أن تأثير الكنيسة بدأ في التراجع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فخلال الخمسينيات كانت الأغلبية السّاحقة للشعب الألماني تنتمي إلى الدين المسيحي، حيث كان 50 بالمائة من الألمان ينتمون إلى الكنيسة الإنجيلية، بينما كان 45 بالمائة منهم من الكاثوليك. وعقب تأسيس جمهورية ألمانية الديمقراطية الاشتراكية عام 1949 في شرق ألمانيا تراجع عدد المنتمين إلى الكنيسة،تماشياً مع الفكر الاشتراكي الرافض للتأثير الكنسي على الدولة والمجتمع. بيد أن تراجع التأثير الديني على المجتمع لم يقتصر فقط على ألمانيا الشرقية تحت الحكم الاشتراكي، بل أن ظاهرة ابتعاد الألمان عن الدين قد تمت ملاحظتها - ولو بصفة أقلّ - في ألمانيا الغربية. وشهد خاصة عدد المنتمين للكنيسة الإنجيلية، الذي يتركز معظمهم في شرق ألمانيا، خلال هذه الفترة تراجعا بشكل كبير.
الدين الإسلامي وجد لنفسه مكانا في ألمانيا
وفي عام 1987 ارتفع عدد اللادينيين، أي الذين لا يعتنقون أي دين، في ألمانيا الغربية ليصل إلى 11 بالمائة، في حين بلغت نسبتهم 70 بالمائة من سكان ألمانيا الشرقية حتى عام 1987. ومع توافد عدد كبير من المهاجرين القادمين من دول إسلامية؛ خاصة من تركيا والدول العربية زادت نسبة المسلمين في ألمانيا الغربية، حيث بلغت في نهاية الثمانينات نحو ثلاثة بالمائة من إجمالي السكّان. وبعد سقوط جدار برلين وإعادة توحيد شطري البلاد عام 1990، بلغت نسبة اللادينيين 22 بالمائة من إجمالي سكّان ألمانيا، في حين بلغت نسبة الكاثوليك 31 بالمائة، كما تراجعت نسبة البروتسانت لتصل أيضاً إلى 31 بالمائة من إجمالي السكان. وشهدت التسعينات ارتفاع نسبة اللادينيين إلى 32.5 بالمائة، وكذلك ارتفاع نسبة المسلمين إلى أربعة بالمائة؛ أي ما يعادل ثلاثة ملايين ونصف المليون، بحسب بعض التقديرات الرسمية. في حين يقدّر عدد اليهود في ألمانيا بمائتي ألف شخص، أي (0.12 في المائة) من عدد السكان.
ضرائب للكنيسة
ويرتبط الانتماء إلى الكنسية بضرائب إضافية، تسمى ضريبة الكنيسة، تتراوح نسبتها بين 8 و9 بالمائة من الضرائب المفروضة في ألمانيا. وتُحوّل السّلطات المختصة هذه الضرائب مباشرة إلى حساب الكنائس الكاثوليكية أو البروتستانتية، التي ينتمي إليها دافع الضرائب. وحسب إحصائيات يعود تاريخها إلى عام 2007 حصلت الكنسية الكاثوليكية على 4.8 مليارات يورو والكنيسة البروتستانتية على 4.2 مليار يورو من عائدات الضرائب. وتفرض المادة 140 من الدستور الألماني على أتباع الكنسيتين الكاثوليكية والبروتستانتية دفع هذه الضريبة - كل حسب الكنيسة التي ينتمي لها.
علاقة الانتماء إلى الكنسية بالإيمان والتدين
بيد أن تراجع الانتماء إلى كنيسة معينة لا يعكس بالضرورة مدى إيمان الشخص أو تدينه، فحسب دراسة للكنيسة البروتستانتية لعام 2006 أدلى 25 بالمائة من اللادينيين بأنهم يصلّون على الأقل أحيانا، في حين أدلى نحو 35 بالمائة من أتباع الكنيسة بأنهم لا يصلون إطلاقا. وفي الوقت الذي كان يداوم فيه نحو 52 بالمائة من الكاثوليك و13 بالمائة من البروتستانت خلال الخمسينات على الذهاب إلى الكنيسة للصلاة، تراجع عددهم بشكل ملحوظ، بحيث يحرص فقط 23 بالمائة من الكاثوليك وثمانية بالمائة من البروتستانت على الذهاب بصفة منتظمة إلى القداس الكنسي. وأصبحت زيارة العديد من الألمان للكنائس تقتصر على عدد من المناسبات على غرار التعميد والتثبيت والزواج والتأبين.
الكاتب: يوخن فوك / شمس العياري
تحرير: عبده جميل المخلافي