حرب روسيا على أوكرانيا .. متى يعم السلام؟
٢٦ فبراير ٢٠٢٣عشرات الآلاف من الجنود سقطوا من الجانبين، وآلاف القتلى من المدنيين الأوكرانيين، ومدن لا حصر لها دمرت. أضف إلى ذلك النقص العالمي في الطاقة، وارتفاع نسب التضخم والمجاعة في العديد من البلدان النامية، هذه هي حصيلة عام من الحرب. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل في تحقيق هدفه المتمثل في احتلال أوكرانيا بالكامل. لكن روسيا تحتل حوالي خمس مساحة البلاد.
الوضع على الجبهة الطويلة لا يتحرك منذ شهور، فقد توقفت عمليات استعادة الجيش الأوكراني المذهلة لأراضي البلاد المحتلة. روسيا تشن هجمات جديدة وتقوم بعمليات حفر خنادق على الخطوط الأمامية في شرق وجنوب أوكرانيا، وحرب المواقع والاستنزاف مستمرة.
رغم ذلك، لا يُبدي أي من الطرفين رغبة جادة في الانخراط في مفاوضات سلام في الوقت الحالي. يبدو أن روسيا تعتقد أن لها القدرة على الصمود والانتصار على المدى الطويل. أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فقد قال مرارا إنه سيتم استعادة جميع الأراضي التي تحتلها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. ويريد الغرب المؤيد لأوكرانيا أن يترك لها قرار متى وكيف تتفاوض.
الخوف من حرب عالمية جديدة
لكن الضغط من أجل مفاوضات السلام يرتفع في الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا، بما في ذلك ألمانيا. في أحدث استطلاع أجرته قناة ARD الألمانية في 9 شباط/ فبراير، يعتقد 58 في المائة من الذين تم استجوابهم أن الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب لم تكن كافية، وهي النسبة الأعلى منذ اندلاع الحرب.
السياسية اليسارية سارا فاغنكنيخت والناشطة في مجال حقوق المرأة أليس شفارتسر قدمتا التماسا لإجراء مفاوضات سلام فورية ووقف تسليم الأسلحة. الالتماس يحذر من حرب عالمية جديدة وكتب فيه: "يمكن لأوكرانيا بالفعل أن تكسب بعض المعارك - بدعم من الغرب. لكنها لا تستطيع النصر في حرب ضد أكبر قوة نووية في العالم". وقع على العريضة العديد من الفنانين، وأيضا عدد من رجال الدين والسياسة.
من جانبه فإن السفير الأوكراني في برلين، أوليكسي ماكييف، فقد صرح لموقع "تي أونلاين" الإخباري إنه لا يستطيع فهم الخوف في الغرب من التصعيد إلى حرب عالمية ثالثة، ويشرح بالقول: "أوكرانيا في الحرب العالمية الثالثة بالفعل. روسيا تشن حرب إبادة ضدنا".
أوكرانيا واستعادة جميع الأراضي المحتلة
في مقابلة أجرتها معه DW في الخريف الماضي، رفض الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ جميع أفكار تحركات السلام الأحادية لأنه: "إذا توقفت أوكرانيا عن القتال، فسوف تتوقف عن الوجود كدولة مستقلة". لذلك يجب أن "تكسب" الحرب.
ولضمان حفاظ أوكرانيا على حريتها، واصلت الدول الغربية زيادة مساعداتها في مجال الأسلحة. في وقت سابق من هذا العام وبعد تردد كبير، وافق المستشار أولاف شولتس على تزويد أوكرانيا بالدبابات القتالية الألمانية، بعد أن تعهدت الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى أيضا بدبابات قتالية. يرى خبراء عسكريون أن دبابات Leopard 2 الألمانية يمكن أن تساعد أوكرانيا على وجه الخصوص في "التعويض عن الفارق بالقوة الواضح في ساحة المعركة"، كما كتب السياسي والعقيد السابق في الاتحاد الديمقراطي المسيحي رودريتش كيسفيتر لـ DW ، وقال: "تعتمد قدرة الأوكرانيين على تغيير الأمور في ساحة المعركة على عدد ووقت التسليم واستمرارية تسليم الدبابات".
ومع الحصول على الدبابات، تأمل أوكرانيا ألا تكون قادرة فقط على صد الهجمات الروسية. إذ يعتقد الخبير الأمني نيكو لانغ أن "الفرص العسكرية لأوكرانيا لاستعادة المنطقة المحتلة بالكامل وبالتالي استعادة السلام واقعية"، كما قال لـ DW. ويعتقد لانغ أن "بوتين لن يكون مستعدا للتفاوض إلا عندما يكون الوضع العسكري في صالح أوكرانيا لدرجة أنه يدرك أنه لا يمكنه تحقيق أي مكاسب من هذه الحرب العدوانية".
سيناريوهان عسكريان
الجنرال الألماني السابق هيلموت غانسر لا يشارك هذا الرأي. في مجلة "السياسة الدولية والمجتمع" الصادرة في أوائل شباط/ فبراير2023، رسم سيناريوهين لهجوم أوكراني جنوبا باتجاه بحر آزوف باستخدام الدبابات الغربية. السيناريو الأول: في حالة ما ربما تتوقف الدبابات أمام الدفاعات الروسية القوية. في هذه الحالة، يحذر غانسر مما يمكن ان يشاهده الرأي العام الغربي: "صور دبابات ليوبارد تم إطلاق النار عليها تنتشر على الإنترنت".
وفي الثاني من شباط / فبراير 2023، في الذكرى الثمانين لمعركة ستالينغراد الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية، بين القوات السوفيتية من جهة وقوات ألمانيا النازية من جهة أخرى، رسم بوتين أوجه تشابه مع الحرب العالمية الثانية حين قال: "مرة أخرى، نتعرض للتهديد من دبابات ليوبارد الألمانية التي تحمل الصليب (الشعار الوطني الألماني)، يشار إلى أن الدبابات التي سترسلها ألمانيا إلى أوكرانيا لن تحمل الشعار الوطني الألماني ولن تهدد روسيا، لكنها ستمنح لأوكرانيا للدفاع عن النفس.
ومع ذلك، يرى الجنرال غانسر أن السيناريو الأكثر تفاؤلاً أكثر خطورة: عندما تندفع التشكيلات المدرعة إلى بحر آزوف وتواجه شبه جزيرة القرم. يعتقد غانسر أن بوتين سوف يوسع بعد ذلك "منطقة الحرب بأكملها لتشمل أراضي الدول الداعمة الغربية" ويحذر: "يتزايد خطر الانزلاق البطيء غير المقصود في الواقع إلى أكبر كارثة لأوروبا بأكملها".
وفي أكتوبر تشرين أول الماضي، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من "هرمجدون"(حرب نهاية العالم( نووي. لكن نيكو لانغ يرى أن التهديد النووي الروسي هو "أداة حرب نفسية"، فهو لا يعتبر فقط إعادة احتلال شبه جزيرة القرم أمرا ممكنا "تصوره عسكريا"، بل أن "المحاولة ضرورية أيضا لأسباب تتعلق بسياسة السلام: فاستعادة القرم المحتملة من قبل أوكرانيا تعني خسارة كبيرة لبوتين، وهي طريقة للدفع بروسيا للدخول في مفاوضات سلام".
أين يوجد الخط الأحمر؟
تختلف الآراء حول ما إذا كان الضغط العسكري يزيد من رغبة روسيا في التفاوض أو يزيد من خطر نشوب حرب نووية عالمية. المستشار شولتس أكد مرارا أنه لا ينبغي أن تصبح ألمانيا طرفا في الحرب تحت أي ظرف من الظروف. ومن هنا كان التردد الطويل بشأن دبابات القتال ليوبارد. وحول أرسال طائرات مقاتلة لأوكرانيا لا يرغب المستشار في سماع هذا الأمر. من ناحية أخرى، فإن رودريش كيسفتر العضو في حزب CDU المعارض "لن يرسم أي خطوط حمراء فيما يتعلق بأنظمة أسلحة معينة". "ففي القانون الدولي" يصبح المرء طرفا في الحرب فقط إذا أرسل جنودا، وهو ما يستبعده كيسفتر.
أما الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس فيرى خطورة ديناميكية عسكرية. في مقال له في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الصادرة يوم 15 شباط /فبراير 2023، كتب: أنه كلما زاد عدد الأسلحة والجنود الذين يلقيهم بوتين في المعركة، كلما زاد الدعم الذي سيقدمه الغرب. وإذا ما حققت روسيا نجاحات أكبر، فإن الغرب سيكون بمواجهة حالتين "إما الاستسلام أو أن يصبح طرفًا في الحرب". وبالنسبة له، فإن هذا لا يعني أنه يجب وقف مساعدات الأسلحة، ولكن أيضا الالتزام ببدء مفاوضات السلام على الفور بهدف التوصل إلى "حل وسط يحفظ ماء الوجه للطرفين".
أهداف سلام غير متوافقة
"التسوية" هي إحدى الكلمات الرئيسية في النقاش حول نهاية محتملة للحرب. لكن في أوكرانيا نفسها، لا يوجد أي مؤشر تقريبا على أي استعداد لتقديم تنازلات، وفقا لرومان غونشارينكو المحرر بالقسم الأوكراني في DW : "في الأسابيع القليلة الأولى بعد الغزو، كانت كييف على استعداد لتقديم تنازلات، مثل الحياد بدلاً من العضوية في الناتو. لكن وحشية الجيش الروسي وضم المزيد من المناطق جعلت البحث عن حل وسط شبه مستحيل. أظهر استطلاع بتكليف من مؤتمر ميونخ للأمن العالمي أن 93 في المائة من الأوكرانيين يرون الانسحاب الكامل لروسيا، بما في ذلك من شبه جزيرة القرم، كشرط مسبق لوقف إطلاق النار".
لكن لن يكون هناك أي سلام من دون تنازلات، كما يعتقد الباحث في الشؤون السياسية يوهانس فارويك في جامعة هاله الألمانية، أيضا فيما يتعلق بعضوية التحالف: "في جميع الاحتمالات، ستكون هناك في النهاية أوكرانيا المحايدة التي لا تندرج بوضوح في النفوذ الغربي أو الروسي". فارويك يدفع باتجاه مبادرة تفاوضية ويشرح بالقول: "إذا كانت النتيجة نفسها في نهاية حرب طويلة أو تصعيدية، فلن يكون من المنطقي الاستمرار في القتال مع عشرات الآلاف من القتلى والمصابين بصدمات نفسية".
السفارة الروسية في برلين كتبت في تغريدة في 14 شباط / فبراير: "أي عمليات قتالية ستنتهي بالمفاوضات، نحن مستعدون لها. لكن المفاوضات فقط دون شروط مسبقة، انطلاقا من الواقع السائد وفيما يتعلق بالأهداف التي أعلنا عنها علنا". لكن هذا ليس استعدادا لتقديم تنازلات. "الواقع الفعلي" يعني الاحتلال الروسي لنحو خمس البلاد، في حين أن أحد "الأهداف" كان هو إلغاء الدولة الأوكرانية بأكملها.
انتصار عسكري أو تسوية سلمية
كتب أستاذ الاقتصاد والسياسة الأمريكي جيفري ساكس في مجلة "إيكونوميست" البريطانية في كانون الثاني/ يناير الماضي، أن ما هو مهم بالنسبة لسلام "موثوق" هو أن "أهم المصالح الأمنية لكلا الجانبين تكون مصونة. ويجب ضمان سيادة وأمن أوكرانيا، بينما سيتعين على الناتو أن يتعهد بأنه لن يتوسع شرقا".
يعتقد ساكس أن التنازلات بشأن وضع شبه جزيرة القرم و الدونباس ضرورية. وعندما يتعلق الأمر بفرض اتفاقية سلام، يعلق ساكس آمالًا كبيرة على "الدول المحايدة" مثل البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا، التي رفضت إدانة روسيا في مجلس الأمن. وقال ساكس: "هذه الدول لا تكره روسيا ولا تكره أوكرانيا. إنهم لا يريدون لروسيا أن تغزو أوكرانيا، ولا يريدون أن يتوسع الناتو شرقًا". اقترح الرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا تأسيس "نادي سلام" أوكراني، لكن هذا الاقتراح لم يلق سوى القليل من الآذان الصاغية..
وقد حذر السياسي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، رودريش كيسفتر من تقديم تنازلات لموسكو: "إنها فكرة خاطئة مفادها أنه يتعين عليك فقط منح روسيا بعض الأراضي، ومن ثم سيتم إرضاء جوع روسيا للإبادة. وبدلاً من ذلك، فإن أي مكاسب للأراضي من جانب روسيا ستكون بمثابة مخطط لدول استبدادية أخرى تحت درع الابتزاز النووي والتهديد بإعادة رسم الحدود العسكرية في المستقبل". ويعتقد أن الصين على وجه الخصوص تعتبر أوروبا بالفعل "حقل اختبار" فيما يتعلق بسيادة تايوان، يعتقد كيسفتر.
بعد عام من الحرب، تتصادم مدرستان فكريتان مختلفتان: هل يمكن أن يكون الحل الوحيد هو انتصار عسكري على روسيا، أم يجب على أوكرانيا وأنصارها الغربيين تقديم تنازلات؟ ومثل الحرب نفسها، لم يحسم النقاش بعد مرور عام.
كريستوف هاسلباخ/ ع.خ