Southern Sudan fears
٥ يونيو ٢٠١١سيطرت القوات الشمالية على منطقة ابيي، الواقعة على الحدود بين شمال السودان وجنوبه، في أواخر أيار/ مايو الماضي في أعقاب اشتباكات مع القوات الجنوبية السودانية، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 22 جندياً. الخرطوم من جانبها أعلنت مجموعة من خمسة مقترحات لوضع حد للأزمة في ابيي يوم الثلاثاء الماضي، لكن حكومة جنوب السودان رفضتها.
وأكدت الدوريات التابعة لبعثة الأمم المتحدة في السودان أن الكثير من القرى الواقعة إلى جنوب ابيي تعاني من "دمار هائل" بسبب المعارك، كما قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في بيان له الثلاثاء الماضي. وقدرت الأمم المتحدة أن نحو 60 ألف شخص فروا من منازلهم في الأسابيع الأخيرة واصفة الوضع في ابيي المتنازع عليها بأنه بات يهدد الانتقال السلمي إلى استقلال جنوب السودان.
وبعد التصويت لصالح الاستقلال في استفتاء كانون الثاني/ يناير، يستعد جنوب السودان لإعلان انفصاله في 9 تموز/يوليو. لكن أبيي ليست الجزء الوحيد من السودان، الذي يشهد تصاعداً في التوترات، فإلى الجنوب تعصف صراعات قبلية بالمنطقة في ظل الغارات المستمر التي يشنها متمردو جماعة "جيش الرب للمقاومة". وتتخذ جماعة "جيش الرب للمقاومة" بقيادة جوزيف كونى، من شمال أوغندا معقلاً لها، وتجوب الحدود الفاصلة بين أوغندا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ولأكثر من 20 عاماً قام "جيش الرب للمقاومة" بتهديد أمن القرى الواقعة هنا وإرهابها من خلال النهب والقتل والاغتصاب وخطف النساء إلى ما يُسمى بـ"زوجات الأدغال"، وإجبار الأطفال على حمل السلاح والقتال في صفوفه، كما تقول المنظمات المعنية.
وتم إصدار مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية على كوني وعدد من كبار قادة "جيش الرب للمقاومة"، فمنذ عام 2008 قتلت هذه المنظمة المسلحة أكثر من 2400 من المدنيين، واختطفوا أكثر من 3400 شخصاً من بينهم العديد من الأطفال، وتسبب في تشريد أكثر من 400 ألف شخص من منازلهم، وفقاً لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان.
ممارسات وحشية
اعتاد تشارلز، البالغ من العمر 13 عاماً، أن يرمي بدلو كبير في حفرة ضحلة ليعود إلى المنزل بمياه مالحة تُستخدم لأغراض الغسيل. عمل روتيني يقوم به تشالز يومياً لمساعدة عائلته الساكنة في قرية قريبة جداً من الغابات الكثيفة على طول حدود جنوب السودان مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي أحد أيام كانون الثاني/ يناير من العام الماضي اُختطف تشارلز مع خمسة آخرين من قبل "جيش الرب للمقاومة"، حينما كان منشغلاً بالعناية بالمحاصيل الزراعية العائدة لأسرته. عن ذلك يقول تشالز: "قيدوني بحبل وضربوني. عندما حاولت الهرب، ضربوني مجدداً على ظهري بساطور". ويتذكر تشالز صور جنود "جيش الرب للمقاومة" الذين أسروه، وهم يسوقون أمامهم أفواج النساء في الأدغال. في نهاية المطاف تمكن تشالز من الفرار مع الصبي آخر، بعد أن احتجز لأكثر من ثلاث سنوات. "كنت سعيداً جدا لرؤية والدتي مجدداً" يقول تشارلز مضيفاً: "عندما شاهدتني والدتي ركضت نحوي وعانقني. شكرت الله على حمايته لي".
أُحضرت الصغير تشالز في البدء إلى مركز العناية بالأطفال الذين اختطفوا في يامبيو عاصمة ولاية غرب الاستوائية، والعاصمة الإدارية لدولة جنوب السودان. ويقدم المركز العناية بهؤلاء الأطفال مع تقديم المشورة والرعاية الطبية المتخصصة، ومن هناك أيضاً يبدأ البحث عن أسر المفقودين.
والكثير من الأطفال، الذين عانوا تجربة الاختطاف على أيدي جيش الرب، يعودون بصدمة نفسية كبيرة، بسبب ضربهم والاعتداء عليها جنسياً أو إرغامهم على قتل أفراد أسرهم. ويقول جاستين إيبر، الذي يدير المركز: "إنهم يقتلون أي قريب مباشر مثل الأب أو الأخ أو الأم لتخويف الآخرين حتى من التفكير في الهرب"، ويضيف إيبر "بمثل هذه الممارسات يجبر جيش الرب هؤلاء الأطفال على الفرار من مجتمعهم ويقطعون الطريق أمام عودتهم مرة أخرى إلى مجتمعهم".
اختطف تحت تهديد السلاح
في قرية لا تبعد كثيراً عن يامبيو، كانت غريس (12 عاماً) تساعد أمها في غسل الأطباق في كوخهم الطيني الصغير بجانب شجرة المانجو الكبيرة. وعلى الرغم من أنها كانت تعيش في كنف عائلتها إلا أنها كانت تعيش في خوف دائم من الاختطاف. وفي يوم من أيام 2009 تم اختطافها بالفعل مع أشخاص آخرين في قريتها تحت تهديد السلاح من قبل "جيش الرب للمقاومة". وبعد أن ساروا طويلاً عبر الأدغال، قام مقاتلو جيش الرب بقتل الرجال البالغين.
"واصلنا المشي وسمعنا طلقات نارية، وقالوا إذا حاولنا الهروب سيقتلوننا" تروي غريس عن تجربتها التي بقيت بعيدة عن الأسر لمدة عام تقريباً، أُجبرت خلاله على نقل الأحمال الثقيلة والتعرض للضرب وسوء المعاملة. أصيبت بأعيرة نارية في ساقها عندما هاجم الجنود الأوغنديين مخيماً لـ"جيش الرب للمقاومة". وكانت غريس غير قادرة على الهرب، وأُنقذت من قبل الجنود الأوغنديين وجُمع شملها في نهاية المطاف مع عائلتها. وعلى الرغم من شفاء جرحها، إلا أن والدتها إيستر تشعر بالقلق من تفاقم الوضع النفسي لابنتها. عن ذلك تقول إيستر: "أصبحت عصبية المزاج للغاية، وأحياناً تغط في صمت طويل ولا تبدي رغبة في المساعدة في أعمال المنزل. ولا تحب أن اسألها عما حدث مع جيش الرب للمقاومة".
التهديد المستمر من الهجمات التي يشنها "جيش الرب للمقاومة" في هذا الجزء من جنوب السودان لا يزال سبباً في تهجير عشرات الآلاف من الناس. والكثير من القرويين باتوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم أو العناية بمحاصيلهم. وأصبحوا يعتمدون تماماً على الدعم المقدم من المنظمات غير الحكومية الدولية في مخيم مؤقت.
غي ديغين/ عماد غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي