أزمة أبيي هل تهدد فرص السلام بين دولة جنوب السودان الناشئة والشمال؟
٢٣ مايو ٢٠١١أدان مجلس الأمن الدولي سيطرة الجيش السوداني الشمالي على أبيي واعتبره "خرقا خطيرا "لاتفاق السلام الموقع عام 2005، ودعا إلى "انسحاب فوري للجيش السوداني من المناطق التي سيطر عليها"، كما حث مجلس الأمن "كل الأطراف إلى العمل على إعادة الهدوء على الفور والتقيد باتفاق السلام والعمل على التوصل إلى حل سياسي يتم التفاوض عليه حول منطقة أبيي".
وبرأي دوغلاس جونسن الكاتب والخبير البريطاني المتخصص في الشؤون السودانية فان "تطبيقا دقيقا للاتفاقية الموقعة حول تنظيم الاستفتاء في منطقة أبيي كفيل بحل المشاكل القائمة الآن". وقال جونسن في حوار مع دويتشه فيله إن المشكل الأساسي يكمن في التوصل لاتفاق بين الطرفين المتنازعين حول الهيئة الناخبة في الاستفتاء المزمع تنظيمه في المنطقة.
لكن فؤاد حكمت خبير الشؤون السودانية لدى مجموعة الأزمات الدولية(مقرها بروكسيل) رأى في حوار مع دويتشه فيله، أن الأزمة الحالية في منطقة أبيي تظهر أن "الاتفاقيتين المرجعيتين لنزاع أبيي وهما اتفاقية السلام 2005 واتفاقية كادوقلي 2011 غير كافيتين لحل النزاع ويتعين البحث عن توافق بين الأطراف حول الترتيبات الأمنية الجديدة في المنطقة، ومسألة الهيئة الناخبة وتقاسم الثورة البترولية وغيرها"، محذرا من تداعيات استمرار هذا المشكل على الملفات العالقة الأخرى والمتعلقة منها بمحادثات ما بعد الاستفتاء وقيام دولة الجنوب وعلاقاتها مع الشمال. مشيرا بأن التوصل إلى حلول لهذه المشاكل قد يصبح "أكثر استعصاءً بعد قيام دولة الجنوب".
اتهامات متبادلة
ويرى الخبراء أن التطور المسلح للنزاع حول أبيي يكشف إلى أي حد يكتسي النزاع تعقيدات في هذه المنطقة التي تم تأجيل الاستفتاء فيها عندما جرى استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان. وحول خلفيات الخطوة التي أقدمت عليها حكومة الخرطوم، قال خبير الشؤون السودانية فؤاد حكمت، إنها"جاءت فيما يبدو ردا على عملية مسلحة قامت بها قوات جنوبية"، وأضاف أن "الهدف من وراء هذه الخطوة إرضاء قبائل المسيرية العربية في أبيي وردا على هجوم قامت به قوات جيش الحركة الشعبية الجنوبية ضد قوات شمالية تابعة للقوات المشتركة في المنطقة".
وقال حكمت إن الخرطوم تتهم الحركة الشعبية بخرق اتفاقية كادوقلي عبر إدخال قوات جنوبية "أكثر مما يجب" للمنطقة. إذ تقتضي اتفاقية كادوقلي خضوع أبيي لإدارة قوات مشتركة (شمالية وجنوبية) في المنطقة وقوات شرطة محلية(جنوبية) في المدينة إلى حين تنظيم الاستفتاء فيها.
وقد رفض مجلس الأمن الدولي ما وصفه بمحاولات الخرطوم "خلق وضع جديد" في المنطقة عبر حل إدارة أبيي ودعا إلى إعادتها، ومن جهتها تقول السلطات السودانية إن إقدام الجيش السوداني على سيطرته على أبيي كان بهدف منع الحركة الشعبية من فرض "أمر واقع" على أبيي قبل إعلان دولة الجنوب في التاسع من يوليو/ تموز المقبل.
تعقيدات قبلية
وحول احتمالات تطور النزاع في أبيي إلى حرب شاملة قد تقوض فرص السلام بين دولة جنوب السودان الناشئة وشقيقتها الشمالية، استبعد فؤاد حكمت هذا السيناريو معللا رأيه بأن الطرفين الأساسيين أي الحكومة السودانية والحركة الشعبية في جنوب السودان "ليس واردا لديهما الدخول في حرب شاملة قد تقوض كل الأمور". لكن الخبير في مجموعة الأزمات الدولية يعتقد أن عودة التوتر المسلح إلى أبيي يؤشر إلى "وضع خطير يتجاوز الاتفاقية الموقعة"، ولذلك فإنه يتعين إيجاد تسوية للمشاكل القائمة عبر مفاوضات بين الطرفين الجنوبي والشمالي بمشاركة الأطراف المحلية سواء منها قبائل نغوك دينكا الجنوبية أو قبائل المسيرية العربية.
وأشار حكمت إلى أن تعقيدات أزمة أبيي مردها أيضا إلى التركيبة القبلية المعقدة وولاءات القبائل لمركزي الحكم في الشمال والجنوب. وقد أقرت اتفاقية السلام آلية لتشكيل هيئة ناخبة تشارك في الاستفتاء لكن تلك الآلية تثير خلافات بين الجانبين. ويقترح الخبير حكمت إضافة مقتضيات جديدة على الاتفاقية الموقعة تأخذ بعين الاعتبار المشاكل القائمة والتعقيدات الموجودة في الواقع.
نزاع على منابع الثروة
ويكتسي النزاع في منطقة أبيي أبعادا اقتصادية واجتماعية تساهم في تعقيد الأزمة وبرأي الكاتب البريطاني دوغلاس جونسن فإن "القسم الأكبر من سكان منطقة أبيي، هم قبائل نغوك دينكا، هم من الجنوب لكن المنطقة تخضع لإدارة الشمال" مضيفا أن "اندلاع النزاع حول أبيي يغذيه عاملان أولهما الزراعة التي تعتبر قبائل نغوك ديناكا المالكة الأكبر للأراضي ومصادر المياه مقابل قبائل المسيرية العربية التي تستخدم الأراضي موسميا وكرعاة للمواشي". وأضاف الخبير البريطاني أن المنطقة تتميز أيضا بإنتاج البترول وفيها أكبر نسبة من البترول توجد خارج جنوب السودان.
لكن الخبير فؤاد حكمت يقلل من أهمية عامل النفط مشيرا بأن إنتاجه محدود وتفيد بعض الدراسات، حسب حكمت، بأن احتياطي النفط في المنطقة محدود وربما ينتهي في غضون سنوات قليلة. معتبرا أن العنصر الأهم هو مسألة الأراضي التي تعود ملكيتها تاريخيا لمشايخ نغوك دينكا ولا يوجد خلاف حول هذه المسألة. لكن انحدار عدد من قيادات الحركة الشعبية من منطقة أبيي يضفي على المشكل مزيدا من التعقيدات السياسية، فهم (قيادات جنوبية) يحاولون تأكيد انتماء أبيي إلى دولة الجنوب ويسعون لتحقيق ذلك قبل قيام الدولة الناشئة. ومقابل ذلك تعتبر قبائل المسيرية أن هذه الأراضي الزراعية والرعوية تابعة لهم. وهو أمر يقوم حوله خلاف كبير بين الطرفين، ورغم صدور حكم من المحكمة الدولية في لاهاي وقد قبلت به حكومة الخرطوم والحركة الشعبية، لكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم قام بتغيير موقفه مما أضفى صعوبات جديدة على القضية.
منصف السليمي
مراجعة: يوسف بوفيجلين