"ثروة الجزائر نعمة على النخبة الحاكمة ونقمة على عامة الشعب"
٨ يناير ٢٠١١دويتشه فيله: منذ يوم الأربعاء (5 يناير/ كانون ثاني 2011) يتظاهر كثير من الجزائريين احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز والوقود. هل تشكل هذه الاحتجاجات مفاجأة لكم، وما هي أسبابها من وجهة نظركم؟
البروفيسور فيرنر روف: أعتقد أن سبب هذه الاحتجاجات يرتبط بما حدث في تونس من احتجاجات في الأسبوع الأخير من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه الاحتجاجات تتكرر في الجزائر منذ عدة سنوات في أكثر من مدينة. وتندلع في غالب الأحيان بسبب مناسبات وأحداث على غرار مباراة لكرة القدم أو حادث سير أو موت إنسان بسبب تعرضه للتعذيب في أحد مراكز الشرطة.
لكن هناك حقيقة واقعة وهي أن الظروف الاجتماعية في الجزائر تزداد سوءا وشناعة، وبالذات في الأسابيع الأخيرة ارتفعت مجددا وبشدة أسعار المواد الغذائية، والناس تشعر بهذا ويزيد من شعورهم بها كون أغلبية الجزائريين يعيشون في فقر وبطالة. وبكل بساطة لا توجد لعامة المواطنيين فرصة للعيش حتى حياة نصف كريمة.
لكن المرء يتساءل، ماذا تفعل النخب الجزائرية الحاكمة بعائدات النفط والغاز المرتفعة جدا، خاصة وأن الجزائر شهدت ازدهارا اقتصاديا ملموسا في العام الماضي؟
الجزائر لم تشهد ازدهارا اقتصاديا وإنما كان ازدهارا في العائدات. فوفقا للتقديرات القائمة الآن حصلت الجزائر في عام 2010 على حوالي 56 وحتى 57 مليار دولار جاءت فقط من عائدات تصدير النفط والغاز، لكن في الواقع لم يصل من هذه العائدات شيء للناس. وما يزيد الطين بلة هو أن الاقتصاد الريعي يشل الحركة الاقتصادية في الجزائر، لأنه يعني على أرض الواقع العيش على عائدات أشياء ليست مصنعة، فالغاز والنفط لا يتم تصنيعهما في الجزائر، وإنما يتم تصديرهما كمواد خام، وهذا يؤدي إلى انهيار اقتصاد الدولة المعنية، بسبب الاعتقاد في إمكانية استيراد كل شيء. لذلك فإن الشيء المدهش هو أنه على العكس من العائدات الضخمة المتزايدة هذه، لا توجد عائدات من الضرائب لأنه لا توجد أنشطة اقتصادية من الأساس في هذا البلد.
لماذا لا يتم على سبيل المثال الاستثمار في البنية التحتية وفي فروع الاقتصاد الأخرى من أجل تقليل الاعتماد على العائدات الخارجية؟
في الواقع هذا سؤال بسيط ومنطقي. لكن الإجابة عليه ليست سهلة إلى حد ما، إلا أنها منطقية بنفس القدر: الجزائر بلد ينخر الفساد فيه والنخب الحاكمة تضع هذه العائدات الضخمة في جيوبها الخاصة، أو يتم بها شراء أشياء ليس لها أية قيمة إنتاجية مثل كميات كبيرة من الأسلحة. فعلى سبيل المثال وقعت الجزائر مع روسيا قبل عامين عقودا ضخمة بلغ حجمها 23 مليار دولار ودفعت عمولات تبلغ على الأقل مقدار المبلغ الذي سجل دفعه في هذه الصفقة (المسجل على الأوراق).
ونظرا لأن التيار المؤيد لروسيا في القيادة الجزائرية كان محرك هذه الصفقة، كانت هناك احتجاجات قوية من قبل الولايات المتحدة والتيار المؤيد لها داخل القيادة الجزائرية وهو ما أدى إلى إلغاء الصفقة وإعادة هذه الطائرات إلى روسيا بحجة أنها لا تفيد في شيء، ثم جرى عقد نفس الصفقة مع الولايات المتحدة وقبض العمولة أيضا، وهو تصرف شنيع. وجرى أخيرا إقالة وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل، لكن الفساد لا يزال ينخر في شركة النفط الجزائرية سوناتراك، التي تعد عاشر أكبر شركة في العالم.
هل يمكن لهذه الاحتجاجات أن يتسع نطاقها وتشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار النظام الحاكم في الجزائر؟
يراهن بعض المراقبين على أنه قد يحدث الآن ما حدث في أكتوبر عام 1988 حينما وقع تمرد فعلي امتد إلى جميع أنحاء الجزائر. وبسبب الأوضاع القائمة ربما يحدث هذا حاليا لأن المحتجين موجودون في كل الجوانب وليس فقط في المدن الوسطى والقرى، إذ وصلت الاضطرابات إلى وهران ثاني أكبر مدن الجزائر، وكذلك إلى باب الواد أحد أفقر أحياء العاصمة الجزائرية. والوضع يتخذ بعدا يبدو خطيرا فعلا ويمكن أن يشتعل لو حدث شيء في تونس، ذلك البلد البوليسي الهادئ نسبيا. والجزائريون بسبب تاريخهم لديهم استعداد أكبر للعنف، كما أن الأمور في الجزائر فيما يخص الفقر والغني تعد أكبر جسامة بكثير مما هو في تونس.
هل يمكن أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا معينا في الجزائر في المرحلة الحالية؟ أم أن نفوذه محدود؟
أعتقد أن الاتحاد الأوروبي لديه مصلحة في أن يعم الهدوء والاستقرار على الجانب الآخر من البحر المتوسط، لكن الاتحاد الأوروبي ليس بريئا من الأوضاع القائمة في شمال إفريقيا وخصوصا في تونس. فتونس دخلت منطقة التجارة الحرة، لأن لديها اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى تدمير كامل للشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة التي كانت في طريقها للتطور، لأن المنتجات الصناعية رخيصة الثمن، التي تصدر من الاتحاد الأوروبي إلى بلاد شمال إفريقيا لا يمكن أن تنافسها منتجات هذه البلاد. لذلك لا يمكن أن تنشأ صناعة محلية، لأن منتجاتها – برغم الأجور المتدنية- تبقى أغلى من البضائع الأوروبية بالغة الرخص.
هذه هي المشكلة الرئيسية، وهي في تونس أصعب كثيرا منها في الجزائر، التي ليس لديها بنية اقتصادية حقيقية، إذ إنها تعتمد على الواردات فقط. وقد زادت أسعار القمح بشكل طاغ ولاسيما في الشهور الأخيرة لدرجة أن ما يتبقى من العائدات الضخمة للنفط والغاز بعد خصم ما يجري وضعه في الجيوب الخاصة للنخب الحاكمة لا يكفي لإمداد الشعب باحتياجاته الضرورية.
أجري المقابلة: لؤي المدهون
ترجمة: صلاح شرارة
مراجعة: طارق أنكاي