احتجاجات الجزائر – مطالب بإلغاء الاحتكار وتحديد سقف الأسعار
٧ يناير ٢٠١١انتهى اجتماع وزير التجارة الجزائري مصطفى بن بادة مع 20 رجل أعمال وصناعي بقرار حكومي يصفه سيد علي عزوني، مدير مكتب دراسات في العاصمة الجزائرية، "بالغريب". ويتساءل غريب في تصريح خاص لدويشته فيله: "لماذا لم تحمل الدولة هؤلاء الـ 20 مسؤولية ما حدث، عوض أن تجتمع بهم وتنقاد لمطالبهم؟". ويضيف بالقول: "لقد انقادت الحكومة لـ 20 رجل فرضوا عليها تغيير قانون كتب في الجريدة الرسمية". أما رجل الأعمال خليفي مروان، من منطقة بومرداس 50 كلم شرق العاصمة، فيرى أن "على الدولة أن تلغي الاحتكار أو أن تحدد سقفا للأسعار، إذ ليست هناك طريقة أخرى، لضبط السوق وخوف الرجال الـ 20مرده إلى عدم رغبتهم في الكشف عن أرباحهم أو في دفع الضرائب المترتبة عليهم".
لم تكن هذه المعلومات على خطورتها واضحة لدى الكثير من الجزائريين، بل اتضحت في الساعات الأخيرة فقط، وكان غضب الشارع منصبا على الحكومة في المقام الأول، إلا أن لقاء وزير التجارة برجال الأعمال، أظهر أن المتسبب لم يكن إلا شخصا مستقلا عن الحكومة، كاد أن يشعل فتيل أزمة اجتماعية لا تعرف عواقبها.
شباب غاضب وعمليات سطو وشغب
من ناحية أخرى، أظهرت الاضطرابات التي عمت شرق البلاد وغربها، أن القاعدة النفسية التي يجمع عليها خبراء علم الاجتماع في الجزائر، قابلة للتأكيد، وهي كما يصفها الدكتور ناصر جابي من جامعة الجزائر: "الدورة الطبيعية لغضب الشبان الجزائريين، فمنذ الاستقلال يثور شبان في العشرين من عمرهم ضد النظام القائم". وهذا ما حدث بالفعل، لقد ثار شبان في العشرين من عمرهم وهاجموا مقرات الأمن وممتلكات الدولة والأغنياء من الناس، كما أحرقوا كل ما وقع في أيديهم. لكن اللصوص الذين اندسوا وسطهم أخذوا ولم يحرقوا رغم أن الجميع ردد شعارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة مثل: "دولة إسلامية دون انتخابات" أو "لا إله إلا الله عليها وعليها نموت وفي سبليها نجاهد وعليها نلقى الله".
وعلق الشاب عبد الرحمان من حي عين النعجة الشعبي أعالي العاصمة على هذه الشعارات بقوله: "شعارات إسلامية تقال من قبل شباب، الكثير منه لا يصلي، بل وسرقوا ممتلكات الآخرين، لقد هاجموا مؤسسات سامسونغ و"إل جي" وشركة رونو للسيارات و بنك سوسيتي جنرال الفرنسي". أما في حي بلكور الشعبي، فقد هاج الشباب الغاضب وحرق مقر قدماء المجاهدين وحاول مهاجمة الدائرة السابعة للشرطة إلا أن قوات الأمن نجحت في التصدي لتلك المحاولات مع وصل تعزيزات أمنية كبيرة إلى حي بلكور.
"احتجاجات بدون مطالب وآراء سياسية معينة"
كما طالب الشباب الغاضب الحكومة، بالإفراج على عائدات النفط الضخمة وتوزيعها عليهم، مثل الشاب أحمد الذي يقول في تصريح لدويتشه فيله: "يجب أن تصرف علينا الحكومة مائة يورو في الشهر، لأننا نحن البطالين في أمس الحاجة إليها". لكن الشاب إبراهيم يرد عليه: "هل سيصرف هذا المال لشراء السكر والزيت لعائلتك، أم لشراء التبغ وما تحتاج إليه أنت شخصيا، أعتقد أن على الحكومة دعم السكر والمواد الأساسية من مداخيل النفط، وعندما ينتهي النفط، سنرى بعدها ما يحدث...".
أما إسكندر مرادي، أحد شباب حي بلكور الشعبي فيقول: "لقد وصل الغاز المسيل للدموع إلى الدور التاسع حيث أسكن وانضم شباب غاضب من أحياء العقيبة والمدنية المجاورين لحي بلكور وانضموا إلى شباب المنطقة واشتبكوا مع قوات الأمن إلى غاية ساعة متأخرة من الليل". ويضيف إسكندر: "لكني لاحظت أن عمليات السطو والتكسير كانت " A La Carte " فمحلات أبناء الحي لم تكسر، أما من كان غريبا على الحي وفتح فيه محلا تجاريا، دمره الشباب الغاضب وهذا غير معقول".
ربما تفسر ملاحظة الشاب إسكندر من حي بلكور ما ذهب إليه الكثير من المراقبين، من أن غضب الشباب الذي يعبر عن رأي ذويهم إلى حد ما، لا يتضمن مطالب أو آراء سياسية معينة، وإنما تفسيرا وتنفيسا على وضع اجتماعي مزري ليس إلا. في حين يرى المحلل السياسي فيصل مطاوي، أن العنف الذي شهدته المدن الجزائرية في الأيام الماضية، إنما يخفي خلافات سياسية كبيرة داخل النظام الجزائري، وهو ما ردت عليه طريقة تفاوض وزير التجارة، مع رجال الأعمال في قطاعات السكر وزيت المائدة، إذ أنها كشفت أن الاحتكار هو سبب الأزمة الحالية، وبأنه قد يؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي، إذا لم منعه في أسرع وقت ممكن.
تعامل الأمن الجزائري مع الاحتجاجات
أخيرا وبالرغم من توسع الاحتجاجات من تبسة في أقصى شرق البلاد إلى وهران في الغرب، إلا أن مصالح الأمن قد أظهرت هدوءا و ضبطا للأعصاب غير مسبوق، يرجعه البعض إلى كاميرات التصوير المنتشرة في الأمكان العامة، رغم أن المتظاهرين قد كسروا الكثير منها، فيما يرجعه البعض الآخر إلى احترافية كسبتها قوات الأمن مع مرور الوقت.
لكن المؤكد أن الدولة التي تملك سيولة نقدية هائلا، لا تملكها دول غربية كثيرة، قد رأت أنها غير مسؤولة بشكل مباشر على الأزمة الحالية، ولذا فإن عليها عدم تحميل نفسها أكثر مما تطيق، وبأن الأشهر القادمة ستعرف تغيرات كثيرة في طريقة تحصيل وجمع الضرائب ومراقبة الاحتكار، وحينها سيدفع المتسبب الحقيقي للأزمة الحالية ثمن التكسير والحرق.
هيثم رباني - الجزائر
مراجعة: طارق أنكاي