تهديد للزراعة والشرب.. إلى أين تتجه أزمة المياه في المغرب؟
١٩ يناير ٢٠٢٤أزمة المياه في المغرب هي جزء من النقاش العمومي منذ سنوات، منذ تأكيد أن المملكة تعاني من إشكالية كبيرة تهدّد الزراعة وحتى ماء الشرب. توالي سنوات الجفاف، واستنزاف الخزانات الجوفية بعدة مناطق، وعدم وقوع تقدم كبير في مشاريع "المياه البديلة"، هي أركان رئيسية من أزمة يتخوف المغاربة أن تتحول نحو الأسوأ.
وسجلت المملكة عجزاً في التساقطات المطرية خلال الموسم الزراعي الجاري بنسبة 70 في المئة مقارنة مع المعدل، كما تراجعت نسبة ملء السدود إلى 23.2 في المئة مقابل 31.5 بالمئة بينما تراجعت حصة الفرد من الموارد المائية من "2560 متر مكعب سنويا في سنة 1960 إلى 620 متر مكعب في سنة 2020"، وفق معطيات وزارة التجهيز والماء.
لكن حتى في الموسم الماضي كانت الأوضاع كارثية، وشهدت المملكة خلالها موجة جفاف غير مسبوقة منذ أربعة عقود. ويعوّل المغرب بشكل كبير على السدود، وهي استراتيجية لمواجهة مواسم الجفاف، لكن تواليها باستمرار خفّض نسبة ملء السدود بشكل واضح.
"الوضعية المائية في المغرب هي خطيرة جدا ولا توجد أيّ مبالغة في هذا الوصف، فشح المياه واضح"، يقول جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)، لـDW عربية، مشدداً أن ضعف ملء السدود وتوالي الجفاف يدق ناقوس الخطر، خصوصاً ما يتعلق بانقطاع المياه عن السكان، وكذلك ما يخصّ أوضاع المزارعين المغاربة.
وتشهد بعض مناطق المغرب انقطاعات في تزويد السكان بالمياه، وهو خيار تشير تقارير وسائل إعلام مغربية أنه متعمد لأجل دفع السكان إلى مزيد من ترشيد المياه، خصوصاً في المناطق التي تشهد ضغطا كبيرا على الموارد المائية.
وتعاني مناطق في وسط وجنوب المغرب بشكل كبير من أزمة مياه الشرب، ومنها أكادير الكبير، التي تأثرت بتراجع كبير في مياه السدود وسط ندرة تامة للتساقطات المطرية، وكذلك جهة درعة تافيلالت، التي نبهت عدة تقارير إلى أنها مهددة بأزمة عطش.
ويشير خبراء كثر إلى أن الأزمة سببها التقلبات المناخية، خصوصا ارتفاع درجة الحرارة، إذ تشهد بعض المناطق مناخا حاراً على طول العام، وتوالي سنوات الجفاف، وكذلك النمو السكاني، وعدم ترشيد الاستخدام، خصوصا في مجال السقي.
اختلالات ساهمت في الوضعية
وفي الوقت الذي تراجعت فيه المياه السطحية بسبب الجفاف، تتعرض المياه الجوفية لاستنزاف كبير نتيجة الاستعانة بها لتوفير مياه الشرب، أو للنشاط الزراعي المكثف، خصوصا بعض الزراعات التي تستنزف المياه. وتشير تقارير رسمية أن 88 بالمئة من المياه في المملكة تستخدم في السقي.
ويبرز جواد الخراز أن المغرب يتوفر على قوانين وخطط استراتيجية مهمة في حكامة المياه، لكن المشكل كذلك هو في عدم تطبيقها، معطيا المثال بـ" الترخيص لمزارعين كبار استغلوا أراضي شاسعة وأسرفوا في استغلال المياه الجوفية"، وكذلك دعم تطبيق القانون الخاص بـ"عقد الفرشة المائية" الذي يلزم المزارعين بإدارة مياه الخزانات الجوفية.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، (مؤسسة استشارية) قد حذر، في منشور له، من أن المياه تتعرض للاستهلاك المفرط وللهدر رغم ندرتها في المغرب. وأشار إلى وجود ضعف في فعالية آليات المراقبة، وإلى لجوء بعض المدن إلى استخدام مياه الشرب لسقي المساحات الخضراء وللمشاريع السياحية رغم معاناة سكان في مناطق أخرى من العطش، لافتاً كذلك إلى استمرار زراعات تستهلك الماء بكثرة.
جلسة عمل لدراسة الأزمة
ويؤكد ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خاصة بدراسة أزمة المياه بداية هذا الأسبوع، مدى التحدي الذي تجتازه المملكة. ومن أهداف الاجتماع، طرح المخطط الاستعجالي لإيصال المياه إلى المناطق التي يتهددها خطر شح المياه.
ومن إجراءات المخطط، "تعبئة السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة"، وكذلك "تقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك"، فضلا عن تسريع أوراش استراتيجية كالسدود ومشاريع الربط بين الأحواض المائية، واستخدام المياه العادمة المعالجة، حسب بلاغ للديوان الملكي.
وأعلن المغرب عن عدة إجراءات، في إطار برنامج يمتد من 2020 إلى 2027، لضمان وصول مياه الشرب والسقي إلى عدد من المناطق، كمحور الرباط- سلا الذي استفاد من تحويل فائض مياه حوض نهر سبو إلى حوض نهر أبي رقراق، وكذلك البدء في تشغيل محطات لتحلية مياه البحر، في مدينتي أكادير وآسفي.
ويرى جواد الخراز، وهو كذلك عضو في مجلس إدارة الجمعية الأوروبية لتحلية المياه، أن كل هذه الإجراءات مهمة للغاية ومطلوبة، ولكن الحاجة ماسة لإجراءات أكبر، لافتاً أنه يجب مساءلة نموذج تصدير منتجات زراعية تستهلك المياه بكثرة كالأفوكادو والبطيخ الأحمر والطماطم، تنقل "المياه الافتراضية" إلى الخارج، وهو نموذج مربح اقتصاديا على المدى القصير للشركات، لكنه مدمر للبيئة.
كما يطالب الخبير بالاستثمار، سواء العمومي أو الخاص، في توفير المياه غير التقليدية، سواء المياه العادمة، أو تحلية المياه التي لم تعد مكلفة كما كانت، خصوصا مع التوجه لجعلها مستدامة باستخدام الطاقات المتجددة.
ويقترح كذلك البحث عن التمويل العالمي للمشاريع الجديدة، وسن تشريعات جديدة تردع المبذرين وتخفض الأثر البيئي لتحلية المياه، ودعم البحث العلمي في الجامعات، المتعلق باستدامة الزراعة والمياه.