أفريقيا ـ القارة الأقل تسببا في تغير المناخ والأكثر تضررا
٧ ديسمبر ٢٠٢٣تتسبب أفريقيا بحوالي 4 في المائة فقط من الانبعاثات الكربونية العالمية ما يشكل أقل قدر في ظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية والصين. ورغم ذلك، فإن القارة السمراء تعد الأكثر تضررا من تداعيات تغير المناخ حيث تعاني بلدان جنوب الصحراء الكبرى من موجات جفاف قاسية وفيضانات وأعاصير عارمة وغيرها من كوارث ناجمة عن التغير المناخي.
وعلى وقع ذلك، طالب عدد من شباب القارة الأفريقية باتخاذ إجراءات حاسمة وذلك خلال تجمع حوالي 150 شابا وشابة من جميع أنحاء القارة في عاصمة الكاميرون، ياوندي، في افتتاح المنتدى الشبابي لتمويل التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا، الذي عقد مؤخرا.
ويأمل المشاركون في أن يكون المنتدى بمثابة "لحظة تاريخية" لدفع الشباب للانخراط في العمل المناخي، حيث دعا شباب أفريقيا الدول المتقدمة إلى توفير المزيد من الأموال لمساعدة القارة على التكيف مع تداعيات تغير المناخ خاصة ظواهر الطقس المتطرفة التي باتت تضرب القارة السمراء.
أفريقيا: القارة الضحية
ويقول مراقبون إن قضية تخفيف آثار الاحتباس الحراري تشكل مهمة شاقة وصعبة بشكل خاص في أفريقيا مع ارتفاع درجات الحرارة في عدد من بلدان القارة الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ بسبب مواقعها الجغرافية.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير "حالة المناخ في أفريقيا" عام 2022 عن أن معدل الزيادات في درجات الحرارة في أفريقيا قد ارتفع بشكل كبير في العقود الأخيرة، مع تفاقم وتيرة المخاطر المرتبطة بالطقس والمناخ سنويا.
وقال التقرير إنه بحلول عام 2040، يمكن أن تواجه الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ أكثر من ستين يوما تتجاوز خلالها درجات الحرارة عتبة 35 درجة في المتوسط أي ما يمثل أربعة أضعاف ما تواجه البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم.
ويأتي ذلك بالتزامن مع اعتماد العديد من الحكومات الأفريقية على المساعدات لتوفير ابسط الخدمات لمواطنيها فيما يبدو أن مكافحة تغير المناخ لا تتصدر الأولويات.
النقص الحاد في تمويل مشاريع التكيف
وفي ظل هذه المعطيات، باتت قضية تمويل مشاريع التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا تتصدر أولويات الشباب في أفريقيا مع تسليط الضوء على المشاريع التي من شأنها أن تساعد سكان القارة السمراء على الصمود والبقاء في ظل طقس شديد الحرارة.
بيد أن خبراء يقولون إن النقص الكبير في تمويل مشاريع التكيف يثقل كاهل بلدان أفريقيا ويعيق مساعيها في التكيف مع آثار تغير المناخ.
وخلال المنتدى الشبابي لتمويل التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا الذي استمر ليومين، دعا المشاركون إلى زيادة تمويل مشاريع التكيف مع تغير المناخ مع حث المجتمع الدولي على "الالتزام بما هو أكثر من مضاعفة تمويل التكيف في أفريقيا".
حلول أفريقية
ومن ناحية أخرى، قال المشاركون في المنتدى إن القارة الأفريقية لا تقف صامتة حيال تفاقم ظاهرة تغير المناخ حيث اقترحت مشاريع للتكيف مع التغيرات المناخية.
ففي الكاميرون، يعمل مبونج كيمبي، الناشط في منظمة "التحالف الأفريقي للطاقة المستدامة والوصول إليها"، مع فئات المجتمع الزراعي لمساعدة المزارعين على التكيف مع ندرة سقوط الأمطار وما ينجم عن ذلك من تدهور للأراضي الزراعية.
وفي ذلك، قال "نعلم المزارعين كيفية إنتاج الأسمدة الحيوية وطرق الرش الحيوي وكيفية استخدام هذه الطرق بشكل صحيح لأن الأسمدة الحيوية تحتوي على العديد من المواد الكيميائية التي من شأنها أن تساعد التربة وبالتالي تزيد من انتاجية المحاصيل".
وأضاف "حققت المرحلة التجريبية للبرنامج العام الماضي نتائج جيدة وسوف نشرع في المرحلة التالية، لكن نقص التمويل يعد إحدى المشاكل التي نواجهها".
ويتفق في هذا الرأي أوغستين نجامنشي، المدير التنفيذي للمنظمة، قائلا إن أفريقيا سوف تحتاج إلى أكثر من 50 مليار دولار (45.5 مليار يورو) سنويا حتى عام 2030 للتعامل بشكل كاف مع تحديات التكيف مع أثار تغير المناخ.
ورغم ذلك، فإن القارة حصلت إجمالا على 11.4 مليار دولار فقط بين عامي 2019 و 2020 فيما أشار نجامنشي إلى أن "فجوة تمويل التكيف الحالية الآن تتراوح ما بين 194 مليار إلى 366 مليار دولار سنويا".
الجفاف والفيضانات تضرب أفريقيا
وفي أنحاء القارة السمراء، يمكن رصد أثار النقص الكبير في مشاريع التكيف مع تزايد وتيرة وضراوة ظواهر الطقس المتطرفة إذ أفاد صندوق النقد الدولي بأن الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ في الجنوب العالمي تعاني من صدمات مناخية أكثر من البلدان الأخرى.
وقال الصندوق "يتأثر ما يزيد عن ثلاثة أضعاف السكان في هذه الدول بالكوارث الطبيعية سنويا مع تشريد أكثر من ضعف عدد سكانها بسبب ظواهر الطقس المتطرفة."
بدروها، تسرد الناشطة في مجال البيئة في كينيا آنا شامبي قصة معاناة الكينيين مع ظاهرة تغير المناخ، قائلة: "عاصرنا ستة مواسم بلا أمطار. وهذا يعني أن الرعاة يفقدون ماشيتهم كل عام، وهذه الماشية تعد مصدر رزقهم".
وأضافت أن هناك حاجة ماسة إلى مشاريع لمساعدة هذه المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية الكارثية، مشيرة إلى أن هناك نقصا في المبادرات الحكومية ذات الصلة.
وحذرت الناشطة من أن الصراع على الموارد قد ينذر بوقوع اشتباكات بين المجتمعات الزراعية والرعوية على الموارد، مضيفة "في أي وقت تسقط الأمطار، فإنها تسقط بغزارة شديدة ما يعني حدوث فيضانات".
وقالت "إذا حدث جفاف، فإنه يكون قاسيا وإذا سقطت الأمطار، فإنها تكون بغزارة شديدة ما يشكل خطرا لأن معظم منازلنا مؤقتة، لذلك ينتهي الأمر بجرفها".
الكفاح من أجل البقاء
ما تسرده شامبي ليس سوى غيض من فيض لقصص لا تعد ولا تحصى من معاناة أفريقيا مع تفاقم ظاهرة تغير المناخ فيما يضاعف نقص التمويل من معاناة بلدان القارة السمراء، لكنها قالت إن بصيص أمل بات يظهر في آخر النفق مع قيام 11 دولة أفريقية بتخصيص خمسة أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية للتكيف مع تغير المناخ.
لكن حجم هذا الإنفاق لا يشكل سوى قطرة في محيط وهو ما دفع المشاركون في المنتدى إلى القول بأن مؤتمر الأطراف بشأن التغير المناخي "كوب 28" المنعقد حاليا في دبي يتعين أن يعالج الفجوة في تمويل مشاريع التكيف في القارة الأفريقية التي تعد الأقل مسؤولية عن تفاقم ظاهرة التغير المناخي، لكنها الأكثر عرضة لتداعياتها.
أعده للعربية: محمد فرحان