تغيرات جوهرية في التعاطي الأوروبي مع الهجرة غير الشرعية
على الرغم من ان ظاهرة الهجرة من الدول الفقيرة الى الدول الغنية ليست جديدة، الا ان الاهتمام بها إعلاميا وسياسيا تزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وزاد من هذا الاهتمام الحوادث المأسوية التي تتعرض لها القوارب التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الموعودة عبر البحر الأبيض المتوسط، والتي يُطلق عليها قوارب الموت. ويجري ذلك في الوقت الذي تحولت فيه الهجرة الى هاجس يستحوذ على عقول قسم كبير من الشباب في معظم البلاد النامية الذين يحلمون بظروف حياة أفضل. ويسود الاعتقاد في الغرب أن دوافع المهاجرين لترك بلدانهم ليست سياسية بقدر ما هي ذات طابع اقتصادي بحت.
صعوبة تحقيق الحلم
لعل من ابرز نتائج اتفاقية شنغن لعام 1990 أنها حدت بقوة من منح تأشيرات الدخول الى أوروبا، الأمر الذي ترك في أوساط الراغبين في الهجرة اليها شعوراً بالإحباط. وقد أدى ذلك إلى تنشيط حركة الهجرة غير الشرعية الى القارة الأوروبية عبر وجهات مختلفة مثل البوابة الشرقية المتمثلة ببولندا وروسيا واكرانيا وبوابة البلقان وصولا الى الخيار المفضل لدى العديد من الأفارقة والمتمثل بالبوابة الأسبانية- المغربية عبر مضيق جبل طارق. ويعتبر الوصول إلى أوروبا عبر البوابة الأخيرة مغامرة بالغة الخطورة، لاسيما وأن العبور إلى السواحل الأوروبية يتم بواسطة قوارب مطاطية صغيرة أو مراكب صيد ضعيفة أمام تحدي مخاطر الإبحار. ويزيد من حدة المشكلة سلوكها طرقاً أطول من أجل تجنب المراقبة المتزايدة التي يخضع لها المضيق من قبل شرطة خفر السواحل.وترى السلطات الأسبانية أن المهاجرين يأتون من مناطق مختلفة من العالم، لكنها تؤكد أن 80 في المئة منهم مغاربة. ويقع هؤلاء ضحايا لعصابات التهريب التي تنقلهم الى أماكن إيواء مؤقتة حتى تحين الفرصة المناسبة للعبور مقابل مبالغ مالية باهظة. وعلى عكس الذين يختارون القوارب تكون فرص الذين يسافرون بالشاحنات والحافلات أو الطائرات عبر اليونان أكثر أماناً. كما أنها تنجح في الكثير من الحالات وخاصة في حال وجود أشخاص متواطئين في المراكز الحدودية مع عصابات التهريب.
تباين التعاطي مع الهجرة غير الشرعية
بحلول عام 2015 ستصل نسبة المتقاعدين في أوروبا الى 22 في المئة من عدد السكان، الامر الذي يعني انخفاض أعداد الأيدي العاملة والمساهمة في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي والشيخوخة. وسيكون لذلك بالطبع مشاكل اجتماعية واقتصادية لا بد لها ان تتفاقم في حال عدم إدراك "القارة العجوز" للأبعاد الحقيقة لهذا التطور. وفي الاونة الأخيرة بدأت الكثير من الدول الأوروبية في تبني استراتجيات عمل جديدة للتعاطي البناء مع هذه الظاهرة. فقامت كل من ايطاليا و اليونان و أسبانيا بتطبيق اجراءات قانونية جديدة لإعطاء صبغة شرعية على إقامة آلاف المهاجرين غير الشرعيين في هذه البلاد. ويرى المراقبون ان من شأن هذه االقوانين توفير الملايين من عائدات الضرائب الضائعة في الأسواق السوداء. علاوة على توفير أيدي عاملة شابة ومؤهلة. الا ان ارتفاع معدل البطالة في كثير من الدول الأوروبية مثل المانيا و فرنسا يجعل من الصعب على صانعي القرار السياسي تمرير قوانين جديدة تفتح المجال أمام أفواج من المهاجرين الجدد الى أراضيها. لكن السؤال المطروح هو كيف سيوفق هؤلاء بين تزايد نسبة المسنين وتراجع نسبة الولادات دون استقبال مثل هذه الأفواج.
تنسيق بين ضفتي المتوسط
ومن اجل مواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية اتفقت دول أوروبية مثل أسبانيا و ايطاليا مع المغرب و ليبيا على تنسيق الجهود من أجل الحد من تفاقمها. فعلى سبيل المثال تحلق مروحيات أسبانية بشكل مستمر فوق المعابر التي تستخدمها عصابات تهريب البشر لنقل المهاجرين، وذلك وفقا لاتفاق تعاون خاص بين مدريد و الرباط. هذا و أدت الاتصالات السياسية بين روما و الرباط الى التوصل الى اتفاق يتم بمقتضاه تشكيل فرق مشتركة من المحققين لمكافحة المنظمات التي تقوم بالاتجار بالبشر نحو أوروبا.