تصنيف الدول المغاربية كآمنة.. هل تنجح حكومة ميركل هذه المرة؟
١٨ يوليو ٢٠١٨اتفقت أطراف الائتلاف الحاكم في برلين اليوم الأربعاء (18 تموز/يوليو 2018) على مشروع قانون جديد ينص على تصنيف تونس والجزائر والمغرب وجورجيا "دولا آمنة". التصنيف يسمح بالإسراع في إجراءات البت بطلبات اللجوء وترحيل المرفوضة طلباتهم بسرعة وبسلاسة. ويستثني مشروع القرار، وبحسب بيانات مجموعة "دويتشلاند" الألمانية الإعلامية، من شرع بالعمل أو بدأ تدريباً مهنياً. وحسب المتابعين فإن مشروع القرار يعني في حين تحوله لقرار نافذ رفض معظم طلبات اللجوء المقدمة من مواطني تلك البلدان.
ترحيل "سامي أ." يعطي النقاش زخما
التطور هذا يأتي في وسط جدل بعد ترحيل السلطات الألمانية "سامي أ"، الذي يشتبه بأنه كان حارساً شخصياً سابقاً لأسامة بن لادن، يوم الجمعة الماضي إلى بلده تونس، وذلك على الرغم من مخاوف سابقة باحتمال تعرضه للتعذيب لدى عودته لبلاده ورغم حكم أصدرته المحكمة الإدارية في مدينة غلزنكيرشن قبل يوم من ترحيله.
وأشار متحدث قضائي تونسي إلى أن التعامل مع ملف الموقوف يجري بحسب قانون مكافحة الإرهاب الذي يخول السلطات ملاحقة تونسيين ارتكبوا جرائم إرهابية خارج حدود الوطن، مشيراً إلى صعوبة إعادة تسليم "سامي أ." لألمانيا لأن ذلك "يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة ولأنه تتعلق به شبهة إرهاب".
وتستند الحكومة الألمانية في مشروع القانون إلى عدم وجود حرب أو أي تعذيب "ممنهج" في تلك البلدان. وبجانب دول الاتحاد الأوروبي، تصنف ألمانيا غانا والسنغال والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا ومونتنيغرو وألبانيا وكوسوفو دولا آمنة.
لاجئون "اقتصاديون" أم "مضطهدون"؟
وطالب نائب رئيس كتلة التحالف المسيحي في البرلمان الألماني شتيفان هابرت حزب الخضر بالتخلي عن معارضته لتصنيف الدول المغاربية على قائمة الدول الآمنة: "العامل الاقتصادي، على الأغلب، هو الدافع وراء طلبات اللجوء من تلك الدول".
وعلى الطرف المقابل انتقد ساسة في المعارضة مشروع القانون، حيث قال زعيم الخضر روبرت هابيك إن الدول المغاربية ليست آمنة لكثير من الناس، موضحاً في تصريحات لصحف مجموعة "دويتشلاند" أن الصحافيين والأقليات والمثليين جنسياً ليسوا في مأمن من الاضطهاد والاعتقال في تلك الدول. وحسب هابيك، فإنه "إذا كان الهدف من مشروع القرار التسريع بالترحيل، فإن ذلك يتطلب برامج ترحيل فعالة، أما إذا كان الأمر يتعلق بمكافحة الجريمة في ألمانيا، فنحن بحاجة إلى جهاز شرطة فعّال".
ومن جهتها قالت متحدثة شؤون اللجوء في حزب الخضر لويزا أمتسبرغ: "نعتقد أن التصنيف لن يسمح بدراسة غير متحيزة للطلبات"، مطالبة بالبت في الطلبات كل على حدة وبشكل فردي.
اليسار يتهم الحكومة بـ"الكذب"
وكان طرفا الائتلاف الحاكم في ألمانيا، التحالف المسيحي بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، اتفقا في معاهدة الائتلاف على تصنيف الدول التي يقل في العادة معدل الاعتراف بطلبات لجوء مواطنيها عن 5 بالمئة على أنها بلدان آمنة.
وفي العام الماضي (2017) تقدم 8700 مواطن من الدول المغاربية الثلاث بطلبات لجوء. وحصل 4.3 بالمئة من المتقدمين الجزائريين و4.4 بالمئة من المغاربة و0.7 بالمئة من التوانسة على حق اللجوء، حسب وكالة الأنباء الألمانية. أما فرانس برس فقد أوردت للعام نفسه نسبا مئوية مختلفة: 2 للجزائريين و4.1 للمغاربة و2.7 للتوانسة.
واليوم بعد تمرير الحكومة مشروع القرار ذكرت المتحدثة للشؤون الداخلية باسم حزب اليسار في البرلمان الاتحادي، أولي يلبكه، أنه في الربع الأول من العام الحالي، حسب وزارة الداخلية، بلغت النسب المئوية كالتالي: 6.8 للجزائريين و10.2 للمغاربة و5.5 للتوانسة. واتهمت السياسية اليسارية الحكومة بـ"الكذب على الرأي العام".
انتقادات حقوقية
ومن جانبها تخشى المنظمات الحقوقية تعرض طالب اللجوء المرحلين إلى تلك البلدان للتعذيب وغيرها من الممارسات اللاإنسانية، مركزة على الخطر المحدق بالمثليين الجنسيين في البلدان الثلاثة. ففي 12 من الشهر الجاري أصدر فرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا بياناً حذر فيه من "العواقب الخطيرة" لمشروع القانون. وتطرق البيان إلى الوضع في تونس: "لا تحمي الدولة المثليين بشكل كاف وحتى أنهم يتعرضون هناك للملاحقة القضائية. وقد يعزز قانون مكافحة الإرهاب انتهاكات حقوق الإنسان".
كما نوّه البيان إلى ممارسة السلطات المغربية بحق ناشطي "الصحراء الغربية والمتظاهرين". ورفض البيان "تبريرات" الحكومة في مسودة القانون الذي تحدثت عن "عدم وجود قمع من جانب الدولة الجزائرية بناء على انتماء لعرق أو قومية أو دين أو مجموعة اجتماعية".
وبلهجة تحذيرية انتقدت منظمة "برو ازول"، المدافعة عن اللاجئين، مشروع القرار وطريقة إعداده وعدم منح الوقت الكافي للجمعيات والمنظمات المشاركة لدراسته: "النقاش الفعلي غير مرغوب فيه"، على حد تعبير بيليندا بارتولوتشي، مسؤولة الشؤون القانونية في المنظمة، في بيان صدر اليوم الأربعاء.
هل يفعلها مجلس الولايات مجدداً؟
حسب الإجراءات الدستورية ستطرح الحكومة مشروع القرار للدراسة والمداولة في مجلس النواب (بوندستاغ). وباعتبار أن الحكومة تملك أغلبية في المجلس فمن المتوقع إقرار المشروع. وبعد ذلك يجب أن يحوّل إلى مجلس الولايات (بوندسرات)، الذي يمثل مصالح الولايات ويدافع عنها.
ولا بد هنا من استحضار سابقة تعثر مشروع قرار مماثل في مجلس الولايات. ففي في شهر آذار/مارس من العام المنصرم (2017) وقف المجلس بالمرصاد لمحاولة الحكومة الألمانية في سعيها لتصنيف المغرب والجزائر وتونس كدول آمنة. آنذاك لم يحصل مشروع القانون على الأغلبية الضرورية لتمريره، والتي تمثل 35 صوتاً من إجمالي 69 صوتاً في المجلس. لأن الولايات التي يحكمها التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي ليس لديها أصوات كافية في مجلس الولايات لإقرار الإجراء. وباستثناء ولاية بادن-فورتمبرغ، عرقلت الحكومات المحلية في الولايات التي يشارك فيها حزب الخضر وحزب "اليسار" مشروع القانون.
خالد سلامة