تجربة مسرح ألماني في المغرب - نظرات متبادلة
١٨ مارس ٢٠١٤حادة هي امرأة مغربية جميلة بجذور أمازيغية من قرية صغيرة في الأطلس المتوسط لا تعرف القراءة والكتابة. "حادة" وتعني نهاية أو حدود، تعبر عن أصوات متعددة، وعن تناقضات مجتمعية. فهي تتحول أحيانا إلى مجرد وعاء للتفريغ الجنسي، وهي طفلة تتعرض لحادث اغتصاب، ينتج عنه حمل ثم إجهاض ثم تطرد من حضن العائلة خوفا من "العار"، وبعد رحيلها إلى الدار البيضاء(الميتروبول) تشتغل كعاهرة ثم ترتبط بأربعة رجال وتتزوج رجل دين، قبل أن تتحول نهاية الأمر إلى "كاميكاز".
" أجبني ! أنا أغادر الآن عالمهم، عالمكم، كنت دائما أتخيل كيف تجلس أنت هناك في الأعلى. كما لوكنت جالسا على تسوكارفاته ( حلوى من خيوط السكر). أعرف أن اللقاء بك جميل دائما، لا توجد عندك حدود ولا نهاية. أنا قادمة!" إنه قول "حادة" في حوار من مشهد في بداية العرض المسرحي. فهي تأخد وعاءا به ماء وتشرع في طقوس الوضوء. ثم تجلس القرفصاء وتبدأ في إخراج قطع معدنية دائرية صغيرة من بين فخديها، ويتم تحريك "رأس العنزة" في إشارة إلى من غتصب "حادة" سابقا بواسطة قنينة وُيسمع صوت جرس المنبه الذي لا يتوقف أو يتم توقيفه أحيانا، غير أنه ليس منبها في الحقيقة بل عبارة عن قنبلة.
تنظر "حادة" بعينيها السوداوين مترددة إلى الأعلى، تلعن وتصرخ بالقول" الآن عليك أن تجيبني"، وتنطلق في رقصات وحركات سحرية توحي أنها تحولت إلى عاهرة. ورغم ضعف إيمانها فقد قررت أن تحمل حقيبة مفخخة وتستقل حافلة ركاب،. إنها تعتبر ذلك جواز سفرها إلى الجنة لملاقاة الرب بسرعة دون وساطات. وتنطفأ الأضواء وينتهي العرض دون أن تنفجر القنبلة، وتخيم على المكان تساؤلات عريضة للجمهور الذي يغادر القاعة مع انتهاء العرض.
موضوع " حادة" يعبر عن مسار تراجيدي لامرأة بثلاثة شخوص، عن رقص وغناء، وحب وغزل ، وكلام بإيحاءات جنسية، تشظي وانشطار، دموع وضحك، بكاء وأحاسيس. وتضفي أكسسوارات وأصباغ وألوان كثيرا من الانسياب على تحركات الممثلين (يافه آسفدجاه، ألويز راينهارت ونديم جرار والموسيقى لهويدا كولي)، فيما الجمهور، وأكثره من الشباب مشدود إلى لوحات العرض الفني المتلاحقة وجماليته.
"حسن الكليشي" بألوان الطيف
"حادة" و"حسن الكليشي" هما عرضان للمخرجة الألمانية لوديا تسيمكه، ويشكلان جهان لعملة واحدة ( صنع في موروكو)،وكاتبهما هو المغربي جواد السنني،مخرج ومدير فني لمجموعة داباتياتر( معناه: المسرح الآن). وقد كتبهما بالعامية المغربية وبصيغة مستفزة بشكل قوي. ويتعرض نص"حسن الكليشي" لمجموعة من الأحداث خلال سبعينات القرن الماضي في المغرب، كما يتناول فيها حياة والدته "يشو" وأخته "يطو" و"صاحبته الافتراضية" في ألمانيا كورين، وتمزقات حسن بين جروح الاغتصاب والتعذيب والاعتقال. وهناك موازاة في استخدام الألفاظ بدلالات تشير إلى الأعضاء التناسلية للمرأة والرجل وإلى المثليين والعاهرة أو الممارسات الجنسية. كل ذلك من تقديم المخرج المغربي حمزة بولعيز وفرقة "فرجة للجميع".
غير أن المخرجة الألمانية وفرقتها الفنية بدت متمردة على النص فحولته إلى رقص وغناء وموسيقى، وإلى عمل فني فوق خشبة العرض، أو رسومات وأصباغ وتلوينات ولوحات، فجعلت منه فضاءا داخل الذات وفي المتخيل. وقام بتشخيص الأدوار ناديم جرار، يافه آسفدجاه، ألويز راينهارت وسالومي داستماتشي.
تفاعل فني مغربي- ألماني
في لقاء مع DW / عربية تشيرالمخرجة الألمانية لوديا تسيمكه عن الدافع من اشتغالها على نصوص درامية للكاتب جواد السنني إلى مضمون وشكل النص وتقول: " في المضمون أهتم حقيقة بالأشياء التي لا أعرف عنها أي شئ، وأستنتج الجديد من خلالها."، وتضيف المخرجة الألمانية قائلة :" لقد تعرفت من خلال جواد السنني على المغرب وعلى جزء من تاريخه وتاريخ الاستعمار وعن الأمازيغ، مثل اهتمام اللمثلين بذلك"
أما عن الشكل فهي تشير الى الانشغال بنصوص حكي مسترسلة في ألمانيا وتلاحظ: "نحن لا نشتغل بدراماتورجيا منسجمة فيها بداية وذروة ونهاية ولكن بدراماتورجيا تقفز"، ثم تستطرد قائلة: " هناك مشاهد عدة مركبة في العرض وقد يتجول المتفرج أحيانا إلى كاتب أيضا، وينتج عن هذا كثير من الأحاسيس والمواقف والمضادات. أي إن هناك أشياء تلتقي كي تنفجر، وهذا ما وجدناه مهم جدا في نصوص جواد، إنها مواقف رائعة أعطتنا مساحات كبيرة من الحرية."
من جهته يلاحظ جواد السنني في لقاء مع DW/ عربيةعن ترجمة نصوصه على أرض الواقع أي على خشبة العرض من طرف الفرقة الألمانية ويقول: "نواة العمل الفني مع لوديا تعود إلى لقاء سابق برويال كور تياتر في بريطانيا، خلال إقامة فنية هناك. وقد سبق لها (لوديا ) أن اطلعت على نصوصي مترجمة إلى الأنجليزية، فكان لقاؤنا وجاءت فكرة العمل سويا." وعن الجمع بين الكتابة والإخراج وإدارة فرقة فنية يقول الفنان المغربي الذي يهتم بمواضيع الإسلام والجنس والمقدس:" أنا ممارس قبل كل شئ ولست كاتبا كلاسيكيا، وأنا أكتب للمسرحيين والمهنيين أساسا، كما أقوم بإخراج عروض للمسرح".
عروض فنية بحرارة مرتفعة
وحول تفاعلها مع العرضين المسرحيين تقول نعيمة فايس وهي مواطنة من النمسا:" إنه نوع المسرح الذي أحبه: رقص وحركات جسدية ولوحات وأحاسيس. إنه مسرح إنساني بدرجة أساس". وتضيف نعيمة التي تقيم حاليا في المغرب من أجل تحضير دكتوراه في موضوع " المسرح والتربية":" في مسرحية "حسن الكليشي" كنا حقا أمام عرض ساخن جدا"!
أما لطيفة المغربية في العشرينات من العمر، فتلاحظ أن " كيفية تناول الموضوع من الجانب الألماني زاد في إغناء النص المغربي بشكل كبير". وتضيف:" لقد كنا أمام عرض اتسم بتلقائية كبيرة في التمثيل، كما استمتعنا بفرجة متميزة."