بعد الرفض الفرنسي ... صفعة ثانية للدستور الأوروبي في هولندا
بعد مرور ثلاثة أيام على رفض الفرنسيين التصويت لصالح الدستور الأوروبي، أفادت مصادر اللجنة الانتخابية في هولندا أن المواطنين الهولنديين صوتوا بنسبة 62,1 بالمائة ضد دستور أوروبا الموحدة. ووفقا لمصادر معهد استطلاعات الرأي الهولندي "إن إس إس" فإن أكثر من نصف المواطنين الهولنديين توجهوا أمس الأربعاء (01.05.05) إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم. وقال المعهد إن نسبة المشاركين في الاستفتاء بلغت في تمام الساعة السابعة من التوقيت المحلي 50 بالمائة. إلى ذلك قال الصحافي محمد عبد الحميد من إذاعة "نيدرلاندز" لتلفزيون دويشه فيلله إن رفض الهولنديين للدستور "هو إشارة إلى أن التيارات المعارضة له نجحت في إثارة مخاوف الهولنديين من القول نعم للدستور." وأضاف أن رفض الفرنسيين للدستور قبل ثلاثة أيام كان له تاثيرا كبيرا على رفض الهولنديين له. أما بخصوص نتائج هذه الرفض فقد توقع عبد الحميد إلا تكون تبعاته كبيرة كما حدث في فرنسا التي عينت فورا حكومة جديدة. وتوقع الصحافي أن يؤدي ذلك غلى استقالة وزير الشؤون الأوروبية الهولندي وأن تزداد الضغوطات على وزير الخارجية.
وكان أكثر من 12 مليون مواطن هولندي توجوا صباح أمس الأربعاء إلى صناديق الاقتراع للتصويت في استفتاء عام على الدستور الأوروبي. ووفقا للمراقبين فإن الاستفتاء شهد اقبالا كبيرا على صناديق الإقتراع. وقالت آخر المصادر الإخبارية إن 24 بالمائة من الناخبين الهولنديين أدلوا لغاية الساعة الثانية بعد ظهر أمس بأصواتهم. تجدر الإشارة إلى أن نسبة الهولنديين الذين أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء الأخير الذي أجري في هولندا بخصوص الانتخابات الأوروبية بلغ في تمام الساعة الثانية بعد الظهر 9 بالمائة فقط. وفي الأيام القليلة الماضية وخاصة بعد رفض الفرنسيين للدستور ازداد مستوى الرفض الشعبي لأول دستور أوربي موحد لدى الناخبين الهولنديين إذ بيّنت آخر استطلاعات الرأي التي قام به مركز "موريس دو هوند" يوم الثلاثاء الماضي أن 57 % من الهولنديين سيصوتون بـ"لا" على مسودة الدستور في حين سيصوت 43 % فقط بـ"نعم".
الدستور الأوروبي ضحية المخاوف الداخلية
قاد الحزب الاشتراكي المعارض جبهة الرفض للدستور الأوروبي في هولندا، واستغل بصورة رئيسية تخوّف الهولنديين من ذوبان وضياع هويتهم الخاصة في أوروبا الموحدة، خاصة أن هولندا بلد صغير، وتاريخيا كان محل أطماع العديد من هذه الدول الأوروبية الكبيرة. كما يلتقي الحزب الاشتراكي اليساري المعارض مع أحزاب يمينية كقائمة "بيم فورتين" المعادية للأجانب، ومجموعة "فلدرس" وحزب "الوئام" الهولندي التي تخشى من توسع الاتحاد الأوربي ليشمل تركيا. ورغم صغر الأحزاب الداعية إلى رفض الدستور الأوربي إلا أن جبهة الرفض الشعبي ازدادت قوة في الأشهر الأخيرة.
ويعزو المراقبون الرفض الهولندي لمسودة الدستور الأوروبي إلى خشية غالبية الهولنديين من أن يمس هذا الدستور بسيادتهم الوطنية و"بمواضيعهم المقدسة" مثل زواج المثليين أو "الموت الرحيم" المسموح به بشروط طبية وإنسانية معينة، وهو يعود بالدرجة الأولى إلى الاعتقاد السائد في هولندا بأن "الدولة الأوروبية الفيدرالية"، التي يرجح أن يكرس الدستور الأوروبي الموحد وجودها، ستهيمن على القرار السياسي في أوروبا. وفي هذا الخصوص يصف وزير العدل بيت هاين دونر السيكولوجية الشعبية الهولندية قائلاً:"الهولنديون يعتبرون أن مشروع الوحدة الأوروبية يسير بسرعة كبيرة، وخاصة بعد اعتماد اليورو كعملة أوروبية موحدة وما نتج عنه من ارتفاع في الأسعار، كما أن لديهم انطباع بغياب تأثيرهم على الصعيد الأوروبي".
محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه
وفي محاولة يائسة للحكومة الهولندية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قام رئيس الوزراء الهولندي المسيحي الديمقراطي جان بيتر بالكين إينده بتنظيم حملة دعائية اتسمت "بالقوة" من أجل محاولة كسب تأييد الناخبين. كما أنه قارن في هذا الإطار أهمية الهولوكوست ووقائع الحرب العالمية الثانية بالدستور الأوروبي واصفاً إياه بالخطوة الإضافية نحو تكريس السلام والتمدن في القارة الأوروبية على حد تعبيره. ومن جهته تحدث وزير العدل بيت هاين دونر عن احتمال "بلقنة أوروبا" في حال رفض نص الدستور، كما أشار إلى أن الـ«لا» الهولندية سيكون لها حتماً مضاعفات وخيمة على الاقتصاد الهولندي.
القطار الأوروبي لن يتوقف
وعلى الرغم من الصدمة الممزوجة بالخوف من وقف عجلة مشروع الوحدة الأوروبية الذي أصاب النخبة السياسية الأوروبية بعد إعلان نتائج تصويت فرنسا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي ضده، ورفضه اليوم في هولندا، إلا أن هذا التطور لن يصيب مشروع الوحدة الأوروبي بالشلل الكامل. فصناع القرار السياسي الأوروبي نجحوا في تجاوز أزمات أكبر من هذه الأزمة، وخاصة بعد أن رفضت ايرلندا اتفاقية نيس التي وافقت عليها فيما بعد، والتي تنظم عمل الإتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر. والجدير بذكره في هذا الصدد هو أن الغالبية العظمى لدول الاتحاد الأوروبي ستصدق على الدستور عن طريق تصويت برلماني فقط . كما يرجح المراقبون أن تتم مواصلة عملية إبرام الدستور في الدول الأوروبية الأخرى وتكرار الاستفتاء في فرنسا قبل خريف 2006، وهو الموعد النهائي لإجراء تلك الاستفتاءات. فعاجلاً أم آجلاً سيواصل القطار الأوروبي حركته، لأن توقفه سيضر بمصالح كل الشعوب الأوروبية.
تقرير: لؤي المدهون/ ناصر جبارة