ماذا تعني معارضة فرنسا لمشروع الدستور الأوروبي؟
يعتقد الكثير من المراقبين أن تصويت الفرنسيين ضد مشروع الدستور الأوروبي سيؤدي إلى تراجع زخم عملية توحيد أوروبا كما يأمل بذلك نيجل فاراج، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب الاستقلال البريطاني. ويذهب بعض المراقبين إلى حد القول أن تصويت كهذا سيعني حدوث أزمة سياسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ويعود ذلك إلى الثقل الذي تتمتع به فرنسا على صعيد الاتحاد كونها تشكل مع ألمانيا المحرك الأول لمسيرته. وسيعاني من هذه الأزمة بشكل خاص أصحاب القرار السياسي الذين يعملون على تعزيز دعائم الوحدة الأوروبية من خلال العمل على إقامة مؤسسات مشتركة لها صلاحيات اتخاذ القرار لا سيما على صعيدي السياسة الخارجية والدفاع. غير أن رئيس المفوضية الأوروبية باروسو لا يرى في معارضة الفرنسيين تأثيراً مباشراً على عمل مفوضيته في بروكسل. " لا ينبغي على أحد أن يتوقع ربط نشاط المفوضية بنتائج استفتاء على الدستور. طبيعي أن اتخاذ القرارات سيستمر حتى في حالة رفضه، ولكن مع مراعاة بعض الحساسيات". وعلى هذا الأساس يتوقع اتفاق رؤوساء دول وحكومات دول الاتحاد في يونيو/ حزيران على خطة الاتحاد المالية حتى عام 2014 إضافة إلى تقرير البدء بمفاوضات انضمام رومانيا وبلغاريا وتركيا إلى عضويته.
مخاطر الرفض على فرنسا
بعد سنوات من الجدل بين زعماء الاتحاد الأوروبي تم التوصل إلى الصيغة الحالية لمشروع الدستور الأوروبي الذي شكل حلاً وسطا بالنسبة للجميع. ويهدف المشروع إلى تسهيل قيادة أوروبا وتعزيز دورها السياسي على الصعيد العالمي. غير أن مشكلة تمريره تكمن من جهة في قرار بعض دول الاتحاد طرحه للاستفتاء الشعبي بدلاً من الاكتفاء بتصديق البرلمانات المعنية عليه. ومن جهة أخرى تكمن المشكلة في أن تنفيذه يتطلب تصديقه من قبل جميع دول الاتحاد الأوروبي. ومما يعنيه ذلك أن رفض الفرنسيين له سيعني موته قبل أن يخرج إلى حيز التطبيق. وفي هذه الحالة لن يكون هناك مشروعاً آخر حسب خبراء الاتحاد في بروكسل. وقد حذر الرئيس الفرنسي مواطنيه من رفض الدستور. فمثل هذا الرفض يعني جمود الوضع في فرنسا في الوقت الذي تستمر فيه عملية توحيد أوروبا. ويضيف " من الواضح أن نتائج الرفض ستكون قاسية على فرنسا، فهو سيعني بالنسبة لها خسارة النفوذ والمكانة التي تحتلها في أوروبا والتي هي الحاجة إليها."
مخاوف ألمانية من التشرذم
وفي ألمانيا لا يعتقد وزير الخارجية يوشكا فشر أيضاً بتوفر فرصة ثانية للدستور في حال رفضه من قبل الفرنسيين. لكن الوزير يرى إمكانية تطبيق بعض بنوده مثل المتعلق منها مثلاً بإحداث منصب وزير خارجية للاتحاد الأوروبي رغم رفض كهذا. وفي مجالات أخرى يمكن تكثيف التعاون بين عدد من الدول داخل الاتحاد نفسه. ومما يعنيه ذلك أن دوله الخمس والعشرين ستتشتت مجموعات تسير فيها عملية التوحيد بشكل يختلف من مجموعة إلى أخرى على حد تعبير المستشار غيرهارد شرودر. وسبق للأخير أن حذر من ذلك نهاية عام 2003 عندما كاد مشروع الدستور أن يفشل بسبب عدم موافقة بولندا عليه. على صعيد آخر صادق مجلس الولايات الألمانية "بوندسرات" على مشروع الدستور مؤخراً، ومن المتوقع أن يصادق عليه البرلمان الألماني في 27 مايو/أيار 2005 بغالبية ساحقة. يجدر ذكره أن ألمانيا إحدى دول الاتحاد التي اختارت التصديق على الدستور من قبل برلمانها بدلاً من طرحه للاستفتاء الشعبي.
المشكلة ليست بالفرنسيين فقط
وحتى في حال تصويت الفرنسيين لصالح مشروع الدستور فإن عليه مواجهة امتحانات صعبة أخرى لا حقاً. ومن أصعب هذه الامتحانات الامتحان البريطاني ربيع العام القادم 2006. ويعرف عن البريطانيين تحفظهم على عملية توحيد أوروبا. وما تزال غالبيتهم تعارضها إضافة إلى معارضة الانضمام إلى اتفاقية شينغن التي تلغي مراقبة الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي. كما تعارض اعتماد العملة الأوروبية المشتركة يورو بدلاً من الجنيه الإسترليني. ويكمن وراء ذلك مخاوف البريطانيين من فقدان بلادهم للكثير من المزايا الاقتصادية على أصعدة الضرائب والفوائد وسوق العمل الخ.
ماذا بالنسبة للعملة المشتركة يورو
على الصعيد الاقتصادي لا يتوقع أن يكون لرفض مشروع الدستور من قبل الفرنسيين تأثير يُذكر في المدى المنظور. وينطبق ذلك بشكل خاص على العملة الأوروبية المشتركة يورو. فهذه العملة لن تتأثر بالرفض كونها تعتمد على معاهدة ماسترخت وعلى الصلاحيات التي أعطيت للبنك المركزي الأوروبي بموجبها. ومما يعنيه ذلك أن للبنك حرية اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان استقرار العملة بعيداً عن تأثير الحكومات.
د. ابراهيم محمد