إثيوبيا تعلن بدء تشغيل سد النهضة.. فما خيارات مصر المتبقية؟
٢١ مايو ٢٠٢٠تشهد العلاقات بين إثيوبيا ومصر توترا شديداً منذ أن بدأت أديس أبابا في عام2011 ببناء سد النهضة المثير للجدل، الذي يتوقّع أن يصبح أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا. هذا التوتر القائم منذ سنوات بين البلدين انتقل اليوم إلى مرحلة أكثر تصعيداً، بعد إعلان إثيوبيا المضي في ملء خزان سدها الضخم. وبينما تدافع أديس أبابا عن مشروعها وتقول إن السد مهم لاقتصادها، تخشى القاهرة من أن يوثرذلك على كمية مياه النيل الذي يوفر كل احتياجات مصر من المياه تقريبا والتي قد تصل إلى 90% من إمداداتها المائية.
في نيسان/أبريل، اقترح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد المضي في "ملء المرحلة الأولى" التي ستجمع 18.4 مليار متر مكعب من المياه في خزان السد على مدى عامين. هذا الإعلان أثار مخاوف مصر والسودان من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر. وردا على إعلان إثيوبيا، توجهت مصر برسالة إلى مجلس الأمن حذرت فيها من المخاطر المحتملة لمثل هذه الخطوة والتي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة. وأشارت إلى أن "ملء السد وتشغيله "سيعرض الأمن المائي والأمن الغذائي المصري للخطر، بل ووجود أكثر من 100 مليون مصري يعتمدون بشكل كامل على نهر النيل لكسب عيشهم". لكن إثيوبيا ردت على ذلك بأنها لا ترى أي سبب لتأجيل ملء خزان سدها الضخم.
هدوء ما قبل العاصفة؟
دخلت وزارة الخزانة الأمريكية العام الماضي على الخط لتسهيل المحادثات بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان ، بعدما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حليفه الأمريكي دونالد ترامب للتدخل. لكن في شباط/فبراير الماضي أعلنت أثيوبيا عن رفضها التوقيع على مقترح اتفاق تقدمت به واشنطن، التي انخرطت كوسيط إلى جانب البنك الدولي، لايجاد حلول للخلاف بين الدول الثلاث.
بعد تصريحات إثيوبيا بشأن ملء السد، لم يصدر من الجانب المصري أي رد رسمي حتى كتابة هذه السطور، وهو ما يثير العديد من التكهنات حول السيناريوهات المحتملة للرد المصري في التعامل مع ملف سد النهضة.
يستبعد المحلل السياسي ويليام دافيسون من مجموعة الأزمات الدولية، لجوء مصر للخيار العسكري على الرغم من التصعيد الحالي، وقال إنه: "في حين أن رسالة مصر إلى مجلس الأمن تزيد من مخاطر نشوب نزاع، فإن احتمال نشوب نزاع مسلح بسبب الخلاف حول السد لا يزال "مستبعداً للغاية". وأضاف دافيسون بأنه يمكن توقع نوع من التصعيد الدبلوماسي وخطاب أكثر عدوانية. لكن من الواضح أن التوصل إلى حل تفاوضي هو أفضل سبيل للجميع،.ولايزال هناك الكثير من الاحتمالات لذلك".
من جهته يرى عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية أنالصمت الحالي" يخفي حالة من الغليان تسود العلاقات بين الجانبين، والمصري على وجه الخصوص ، لأن الفترة الزمنية المتبقية لبدء إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الأولى من ملء خزانات سدها ستبدأ بعد ستة أسابيع (…)“.
وفي مقاله له حول ملف أزمة سد النهضة الذي نشر يوم أمس (19 مايو/آيار) في صحيفة "رأي اليوم" ذهب عبد الباري عطوان إلى توقع حدوث أحد الأمرين: إما "تدخل الولايات المتحدة بفرض الاتفاق السابق الذي جرى التوصل إليه، أما السيناريو الثاني المحتمل هو لجوء مصر إلى الخيار العسكري، الذي يمثل آخر الحلول". ويضيف عطوان بالقول إن "مؤشرات عديدة ترجّح الخيار العسكري على الرغم من قناعة معظم المراقبين والخبراء بأن مصر لن تقدم على الخيار العسكري، وذلك راجع حسب آرائهم لاعتبارات عديدة، منها أنه لا توجد حدود مشتركة لمصر مع إثيوبيا وبعدها آلاف الكيلومترات عن مصر، وانشغال القاهرة بأزمتها الاقتصادية، وتبعات فيروس كورونا وانتشاره (...)، فإننا نعتقد أن الأمن المائي المصري يتقدم على جميع هذه الاعتبادات (...)“، يقول عطوان.
الحل من داخل القارة الإفريقية؟
بعيدا عن الخيارات المطروحة حاليا أمام مصر للرد على الموقف الإثيوبي الأخير، يرى الكاتب الصحفي العُماني، خميس بن عبيد القطيطي أن حل الأزمة يحتاج إلى التدخل الإفريقي "الإيجابي“، وكتب في مقال رأي ُنشر اليوم على صحيفة "رأي اليوم" قائلاً:“اليوم بات من الضرورة على قيادات إفريقيا الحكيمة التدخل الإيجابي والمشرف لاحتواء هذه الأزمة قبل تفاقمها إلى الحد الذي يصعب معالجتها".
وحذر الكاتب الصحفي من إقدام القاهرة على خيار التدخل العسكري وتحدث عن خروج أصوات من أثيوبيا تتحدث عن مقابلتها أي خيار عسكري يتعرض له مشروعها القومي المائي بالمثل “ما يمثل رداً استباقيا لأي خيار عسكري قد تلوح به القاهرة. هذه التصعيدات لا تخدم أي طرف وخاصة إثيوبيا الطرف المعني بالأزمة".
بعد رفض إثيوبيا المصادقة على الاتفاق السابق حول عملية التشغيل وملء السد، بدأت مصر بالفعل تحركا دبلوماسيا مع مطلع شهر مارس/ آذار الماضي شمل عددا من الدول الإفريقية منها جنوب السودان، جنوب إفريقيا، تنزانيا، روندا، النيجر والكونغو الديمواقراطية. وهدفت هذه الجولة إلى شرح موقف مصر من أزمة سد النهضة ومن الجمود الحاصل في المفاوضات بينها وبين باقي الدول المعينية الأخرى. كما قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة لعدد من الدول العربية والأوروبية من أجل دعم بلاده في جهودها لدفع إثيوبيا للتوقيع على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة حفاظا على الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي.
ويبقى السؤال: أين وكيف سيجد النزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة طريقه نحو الحل؟ هل من خلال التدخل الأمريكي، الوساطة الإفريقية أم آخر الخيارات المتاحة والمتمثلة في الخيار العسكري؟، كلها سيناريوهات محتملة للرد المصري على إثيوبيا ولكن أيهما الأقرب أن يكون خيار مصر؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.
إيمان ملوك