نزاع حول سد النهضة فمن يملك نهر النيل؟
١١ أبريل ٢٠١٥تنقطع الكهرباء في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بانتظام. وعايش ذلك مؤخرا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه أثناء زيارة رسمية له إلى المدينة. واستمرت الكهرباء مقطوعة لعدة ساعات، وبدا أن هذه المدينة أرادت أن توضح للرئيس المصري مدى حاجتها إلى الكهرباء من "سد النهضة" الأثيوبي.
ومنذ سنوات يثير المشروع الضخم لبناء سد على نهر النيل الأزرق، والمعروف باسم "سد النهضة" توترات شديدة بين مصر وإثيوبيا فالحياة في مصر متوقفة على مياه النيل. وكان الرئيس السابق محمد مرسي قد هدد إثيوبيا بصورة غير مباشرة عام 2013 بشن حرب عليها خوفا من انخفاض نصيب مصر من المياه بشدة بسبب ذلك السد.
مياه لتحسين ظروف البلاد
وتبذل حكومة أديس أبابا منذ سنوات عديدة كل الجهود من أجل تنفيذ أكبر مشروع لتوليد الطاقة المائية في القارة الإفريقية، في منطقة بنيشنقول- قماز بالقرب من الحدود مع السودان. ويتكون هذا المشروع من عدة سدود تقام على النيل الأزرق، وأهمها هو سد النهضة، الذي تبلغ تكلفته 3 مليار يورو وسينتج بعد الانتهاء منه 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء أي ما يعادل إنتاج خمسة مفاعلات نووية. ويستهدف المشروع تخفيض حاجة إثيوبيا من واردات النفط وفي الوقت نفسه توسيع القطاع الصناعي في البلاد. وعلاوة على ذلك، تخطط الحكومة الإثيوبية لتصدير حوالي ألفي ميغاوات من الكهرباء إلى دول الجوار ومن بينها مصر. ورغم أن أولى اتفاقيات توريد الكهرباء جرى توقيعها بالفعل، إلا أن هناك الكثير من النزاعات التي لم يتم حلها بعد.
فمصر مثلا تخشى من أن تتعرض أراضيها للجفاف بمعنى الكلمة حينما يتم تشغيل سد النهضة. فبحيرة السد التي ستبلغ مساحتها 1680 كيلومتر مربعا ستتدفق إليها المياه، التي سيتبخر جزء كبير منها من بعد بفعل الحرارة الشديدة هناك. ومصر لها خبرة بهذه المسألة منذ افتتاح "السد العالي" بأسوان عام 1971. وتستند مصر والسودان إلى اتفاقيات تعود لفترة الاستعمار موقعة عام 1929 وكذلك 1959 وتنص على أحقية الدولتين في نسبة حوالي 90 بالمائة من مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، إضافة إلى حق النقض "الفيتو" بالنسبة لبناء مشروعات عليهما.
نهر النيل هو ملك الجميع
وبعد سنوات عديدة من النزاع، وعبر وساطة سودانية، وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام ديسالين في الخرطوم في 23 مارس/ آذار 2015 اتفاق مبادئ لحل خلافاتهم حول سد النهضة. وقال الرئيس المصري: "هذا اتفاق إطار وسيكتمل، نحن اخترنا التعاون واخترنا أن نثق في بعضنا البعض من أجل التنمية واستكمال هذا الاتفاق الإطار".
التصريحات المصرية من هذا النوع نادرة، فمنذ سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير/ شباط 2011 لا يوجد هدوء سياسي في مصر. وكلا من الرئيس الإسلامي محمد مرسي والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي استخدما النزاع مع أثيوبيا لإجراء مناورات تكتيكية للسياسة الخارجية. فمثلا تم تعليق المفاوضات بشأن بناء سد النهضة. ولم يقم وفد مصري بزيارة إلى مكان بناء السد إلا في خريف عام 2014.
ويشير "آبل أباته ديمسي" من معهد السلام والتنمية في أديس أبابا إلى أن عقد اتفاقية الثالث والعشرين من آذار/ مارس بين دول النيل الثلاثة تشكل خطوة مهمة في اتجاه توزيع مياه النهر، ويضيف: "تم حل المشاكل الكبيرة التي أدت إلى عدم الثقة بين مصر وإثيوبيا. وستؤدي الاتفاقية بالتأكيد إلى تحسين العلاقات بين الدول الثلاثة، ليس فقط في مجال الاقتصاد والمياه وإنما سيتخطى ذلك أيضا إلى مجالات السلام والأمن والتكامل الإقليمي."
نهج مودة تكتيكي
لكن "راوية توفيق"، مدرسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لا زال لديها شكوك بهذا الخصوص وقالت: "لا يمكن أن تكون هناك اتفاقات ملزمة قبل الانتهاء من وضع التقارير الفنية (الخاصة بالسد)." وأضافت الخبيرة في شؤون المياه، التي تجري حاليا أبحاثا لدى المعهد الألماني لسياسات التنمية في بون: "أقدمت أثيوبيا على البناء مبكرا بدون انتظار نتائج هذه التقارير. ويجب الآن تحويل مذكرة التفاهم إلى اتفاقيات خاصة وتفصيلية على الصعيد التقني، تتضمن أيضا كل ما ستبنيه إثيوبيا على النيل في المستقبل." وتابعت راوية توفيق في حديث لها مع DW: "بهذا فقط يمكن أن نرى هل ستكون المشروعات فعلا لصالح كل الدول المعنية، أم أنها ستكون لصالح دولة واحدة فقط، وهي في هذه الحالة إثيوبيا، على حساب مصالح دول أخرى وخصوصا مصر."
أما السودان نفسه، الذي قام بدور الوساطة ويعتمد على الطاقة المائية، ويخطط لبناء سلسلة من محطات توليد الطاقة فينظر للأمور بتفاؤل. وأعلن معتز موسي سالم وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني أن "هذا السد هو نعمة بالنسبة لأثيوبيا ومكسب كبير بالنسبة لبقيتنا." وربما ينظر المصريون قريبا نفس النظرة أيضا إلى سد النهضة، المقرر تدشينه في عام 2017.