أزمة السد الأثيوبي: صراع مياه أم صراع قوى؟
٦ يونيو ٢٠١٣تعد أزمة السد الإثيوبي المزمع إقامته القضية الأخطر التي تواجه العلاقات الخارجية المصرية منذ اندلاع الثورة وحتى الآن. لكن هل الصراع الدبلوماسي بين مصر وإثيوبيا يدور في حقيقة الأمر حول الموارد المائية أم على الطاقة، أم أنه يتعداهما ليصبح صراعاً سياسياً يتعلق بانهيار مصر كقوة عظمى في المنطقة وصعود مراكز قوى أخرى؟
حبيب عائب، الباحث التونسي في السيداج بالقاهرة، يعتقد أن الإعلان عن تحويل مجرى النيل جاء ردا على ما يسميها الإمبريالية المائية المصرية. يقول لـDW عربية: "مصر كانت قادرة على إيقاف أي مشروع يقام على النيل بفضل علاقاتها بالقوى العظمى. والجيش المصري كانت لديه المقدرة الكافية على خوض حرب ضد إثيوبيا. أما الآن فهناك عملية إضعاف للجيش المصرية، ومصر – سياسياً – لم تعد بالمكانة التي تسمح للرئيس المصري أن يخاطب الرئيس الأمريكي من أجل إيقاف مشروع كهذا، كما أن مصر تعاني من أزمة اقتصادية منذ عدة سنوات".
لكن هل يمكن إصلاح ما فات؟ يرى حبيب أن الحل الأمثل، الذي لن يجرؤ أحد على طرحه غالباً، هو أن تعتذر مصر وأن تعلن استعدادها للاتفاق من جديد على إعادة توزيع مياه النيل: "هذا ما طلبته إثيوبيا عام 1959، حين سجلت اعتراضاً في الأمم المتحدة ضد اتفاق توزيع مياه النيل. وقتها تجاهل عبد الناصر هذا الموضوع تماماً وكأن إثيوبيا غير موجودة، ولم يكن هناك أي إمكانية لأن تتخذ إثيوبيا أي إجراء ضد مصر وقتها. الآن إثيوبيا أقوى كثيراً، من ناحية الاقتصاد والسلاح والعلاقات الدولية. كما احتاجها العالم للحفاظ على السلام في الصومال والسودان، وهو ما جعلها مركز قوة في القارة".
للاهتمام بمياه النيل تاريخ طويل
مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بالقاهرة، يرى أن موضوع الاهتمام بالماء هو موضوع تاريخي. ويذكر أن الملكة حتشبسوت مثلا كان لها علاقات مع بلاد بونت في الصومال من ما يزيد عن ألفي عام. "وبالتالي فتأمين منابع النيل أو الاحتفاظ بعلاقات مؤثرة في إفريقيا يفترض أن يكون استراتيجية أبدية لا علاقة لها بالمعركة حول السلطة في مصر."
ويقول اللباد في حديثه لـDW عربية إن "الموقف المؤسف الذي وصلنا له يرجع لغياب الرؤية في العلاقات الخارجية. فمبارك ركز على رضا أمريكا وأهمل النيل، ومحاولة اغتياله في أديس أبابا جعلته يمعن في تجاهل الملف الإفريقي". ويضيف أن الصورة في إثيوبيا تغيرت تماماً خلال هذا، فهي لم تعد ذلك البلد الذي يعاني من المجاعة. كما أسهم تفتيت الصومال في أن تحتل إثيوبيا صدارة المشهد في الشرق الإفريقي.
وبالإضافة إلى المشاكل الإثيوبية الخاصة، هناك موارد طبيعية في إثيوبيا ولكن ليس هناك طاقة، وبالتالي كان هناك احتياج حقيقي لإقامة سد يقوم بتوليد الكهرباء. و"لعشرين عاما ظلت دولة إثيوبيا تصعد ومصر تتجاهل الموضوع". فإثيوبيا تقوم بمباحثات من أجل بناء السد منذ عشرين عاماً ويعتقد اللباد أن المشكلة وقتها كانت أنها دولة فقيرة لا يريد أحد مساعدتها خوفاً من رد الفعل المصري، ومصر لم تهتم. أما الآن فالوضع مختلف، فالصين من المساهمين الأساسيين في بناء السد، وفرنسا، بالإضافة لدول عربية مثل السعودية وقطر.
هناك مشاكل كثيرة في عملية بناء السد الإثيوبي، اقتصادية ومائية وتخطيطية، كما يضيف اللباد، "لو كانت مصر قد شاركت في المفاوضات حول بناء السد كان يمكنها أن تخرج رابحة، أو على الأقل غير خاسرة، لكنها قد اختارت النأي بنفسها عن الملف الإفريقي كله، حتى أنها لم تكن فاعلة في مفاوضات الانفصال بين شمال السودان وجنوبه، بينما كانت إثيوبيا وكينيا فاعلتين فيه". ورغم أن السودان من دول المصب وليست من دول المنبع، أي من الدول المرشح لها أن تتأثر ببناء السد، إلا أن السودان تملك مصادر أخرى للمياه غير النيل، بعكس مصر. من ناحية أخرى ينتقد اللباد عدم قيام مصر بأي أبحاث حول كيفية إيجاد مصادر أخرى للمياه، بالرغم من تحذير الخبراء من الأزمة المائية في مصر.
في رأيه، ربما لم تكن إثيوبيا لتفكر في إطلاق المشروع لو كان مبارك، الذي لم يكن أفضل سياسياً من مرسي، لازال في سدة الحكم. لكن العالم يرى مصر، في العامين الأخيرين بالتحديد، وهي في حالة تخبط، وهو ما شجع الإثيوبيين على البدء في تحويل مجرى النهر. وللمفارقة، فقد تم الإعلان عن هذا بينما الرئيس المصري محمد مرسي في إثيوبيا، وهو ما يشير بقوة إلى اهتزاز صورة مصر في إفريقيا.
مصر تدفع ثمن تجاهل إفريقيا
"مصر تدفع ثمن نسيان الدائرة الإفريقية"، هكذا قال الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، نبيل عبد الفتاح لـDW عربية. يرى عبد الفتاح أنه منذ وصول السادات وبعده حسني مبارك بدا وكأن هناك توجهاً لنسيان الدائرة الإفريقية، وذلك لاقتصار اهتمامات النخبة الحاكمة والأجهزة الأمنية على الملف الفلسطيني وملف العلاقات مع دول الخليج، وهذا يرتبط باتفاقية السلام وبالعلاقات المصرية الأمريكية، أما الدوائر الأخرى، مثل الدائرة الأسيوية واللاتينية والأفريقية، فقد نُسيت تماماً.
يضاف لذلك الإحساس بالاستعلاء العنصري لدى بعض الدبلوماسيين المصريين ضد الشعوب الإفريقية، ومازال منهم من يتصور نفسه خارج القارة والثقافة الإفريقيتين، كما يقول عبد الفتاح، ولو أن بعضهم قرأ بعض كتابات المفكرين الأفارقة، مثل ليوبولد سنجور، لفهم كثيراً عن عمق العلاقات بين الحضارة المصرية وغيرها من الحضارات الإفريقية.
برى عبد الفتاح أنه منذ الثمانينيات والخبراء، ينبهون إلى أن مصر ستعاني من أزمة مياه وأن الحصص التاريخية المترتبة على الاتفاقات التاريخية لم تعد صالحة وأنه لابد من البحث عن مصادر أخرى، ولم يهتم أحد، كل هذا يضاف للصراع بين المتابعين المصريين لملف المياه، مثل وزارة الخارجية والري والمخابرات، فليس هناك تكامل بينهم ولا تبادل للمعلومات.