المغرب: حكومة الإسلاميين ترمى حجرا في بركة اقتصاد الريع
١٦ مارس ٢٠١٢
أقدم عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل المغربي، بداية شهر مارسآذار الحالي على نشر لائحة المستفيدين من اميتاز الحصول على رخصة استغلال خطوط النقل الطرقي بين المدن، أوما يطلق عليه في المغرب ب"الغريمات". يتعلق الأمر بحدث تاريخي في المغرب، واستجابة لأحد أقدم مطالب الشارع وهيئات المجتمع المدني في البلاد.
قبل بضعة سنوات لم يجد كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل السابق، ما يرد به على سؤال برلماني حول كشف هذه اللائحة سوى قوله "هذا سر من أسرار الدولة لا يمكن كشفه". نفس الجملة التي استعملها امحند العنصر، وزير الداخلية الحالي، في رده على سؤال مماثل حول رخص الصيد في أعالي البحار، حينما كان وزيرا للفلاحة قبل سنوات.
الريع يكلف الاقتصاد المغربي سنويا ما يزيد عن 20 مليار درهم (اليورو يعادل 11درهم مغربي)، حسب ما أوضحه عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة. بنعمور كشف أن الاقتصاد المغربي فقد ما بين نقطة إلى نقطة ونصف من نسبة النمو سنة 2008 بسبب الريع.
نشر لوائح المستفيدين فاجأ الطبقة السياسية
تضمنت اللائحة التي كشفها الرباح أسماء الحاصلين على أكثر من 3000 رخصة، 73 بالمائة منها يملكها أشخاص ذاتيون و17 بالمائة تملكها شركات. من بين الأشخاص الذاتيين ضباط كبار في الجيش وزعماء سياسيون وفنانون ورياضيون ومواطنون عاديون. بعضهم نفى أن يكون حاصلا على أي رخصة.
الطريقة المفاجئة التي جرى بها كشف هذه اللائحة جعلت البعض يشكك في خلفياتها. هناك من ذهب إلى الاعتقاد بأن كشف هذه اللائحة تزامنا مع توقيت صدور كتاب فرنسي يتهم الملك محمد السادس ومحيطه بالاستحواذ على ثروات واقتصاد البلاد، يروم لفت الأنظار عن هذا الكتاب وإثارة الانتباه لموضوع الرخص. عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، نفى رسميا هذا التأويل بمناسبة اجتماع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة.
أول رد فعل متحفظ عما أقدمت عليه الحكومة، صدر عن نبيل بنعبد الله، وزير الإسكان والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية(الشيوعي سابقا). بنعبد الله اعتبر الأمر "خرجة انفرادية"، داعيا إلى العمل في إطار الفريق الحكومي. بنعبد الله لم يكن يعلم كباقي وزراء الحكومة بأن هذه اللائحة سيتم الكشف عنها. القرار لم يتخذ داخل مجلس الحكومة ولم يناقش داخله. هذا ما أوضحه برلمانيون من الأغلبية الحكومية، وأكده عبد العزيز الرباح حين قال لوسائل الإعلام إنه استشار مع رئيس الحكومة وأعطاه الضوء الأخضر لنشر هذه اللائحة.
أما أقوى تصريح معارض لنشر اللائحة فصدر عن حميد شباط، القيادي في حزب الاستقلال المشارك بدوره في الحكومة. شباط قال للصحافيين إن تلك الرخص "هبة ملكية وجب الحفاظ عليها ونشرها شعبوية". بعض المتتبعين رأى في مواقف الأحزاب المشاركة في الحكومة توجسا من استغلال حزب العدالة والتنمية لهذه المبادرة لتعزيز حظوظه في الانتخابات البلدية المرتقبة هاته السنة.
وفي المقابل صدرت ردود أفعال إيجابية من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض. حسن طارق، القيادي في الحزب وعضو فريقه النيابي، كتب في صفحته على الفايسبوك "بدون عُقد، برافو السيد رباح. في مثل هكذا معركة كلنا مع الأغلبية!". من المفاجآت الكبيرة التي حملتها اللائحة، أن ضباط مخابرات متهمين باغتيال الزعيم الاتحادي المهدي بنبركة سنة 1965 حاصلون على بعض من تلك الرخص.
"جزء يسير من جبل الجليد"
من جهتها تحذر فتيحة العيادي، النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض(ليبرالي)، في حوارها مع DWمن التعامل "بشعبوية" مع هذا الملف. "ماذا بعد النشر؟ لقد تم حشر أسماء لأرامل وأيتام ومتقاعدين لا يتوفرون على أي دخل مع أسماء لأشخاص آخرين أغنياء ويملكون أكثر من رخصة"، محذرا من"التعامل بشعبوية مع مثل هذه الملفات، والتركيز على الخرجات الإعلامية. لو كانت الحكومة تريد الإصلاح فعلا لأتت بخطة واضحة من أجل الإصلاح تتضمن البدائل الممكنة لنظام الريع".
سؤال ماذا بعد النشر يطرحه المجتمع المدني أيضا. في حواره مع DWيقول عزالدين أقصبي، الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الشفافية (ترانسبرانسي) المغرب "هذا إجراء إيجابي في حد ذاته. إنه تطبيق للفصل 27 من الدستور الذي يضمن حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة، لكنه لم يكشف سوى جزء يسير من جبل الجليد". داعيا إلى "الاستمرار في كشف تفاصيل الشركات التي تملك بعض رخص النقل، وكشف الحاصلين على باقي الرخص الأخرى. بالنسبة للمستفيدين من باب المساعدة الاجتماعية ينبغي التفكير في طرق أخرى لمساعدتهم غير الهبات، وإخضاع القطاع للتنظيم وفق دفاتر تحملات واضحة".
محمد المسكاوي، أمين عام الهيئة الوطنية لحماية المال العام، يرى بدوره في حواره مع DWأن "هذه الخطوة جريئة جدا، إذ رفضت حكومات سابقة القيام بها. لكننا نطالب بالكشف عن باقي الرخص الأخرى، وندرك أيضا أنه يجب منح المزيد من الوقت لهاته الحكومة. نطالب بالذهاب بعيدا وإصلاح هذا القطاع باعتماد دفاتر تحملات واشتراط تغطية جميع خطوط النقل وليس فقط الخطوط المربحة".
عبد العزيز الرباح يؤكد أن قطاع النقل الطرقي سيتم تحريره باعتماد دفاتر تحملات(دفتر شروط المعاملات) يكفي التوفر على ما تتضمنه من شروط لامتلاك حق ممارسة هذا النشاط. الرباح يقول إنه سينشر لائحة رخص استغلال مقالع الرمال التي تدخل في نطاق عمل وزارته دون أن يحدد لذلك أي تاريخ. خلافا للسرعة التي نشر بها لائحة رخص النقل الطرقي، تأخر الرباح في تفعيل القانون المنظم لاستغلال مقالع الرمال. قانون أجهض سنة 2002 بعدما لم تصدر المراسيم التطبيقية المتعلقة به. عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أكد هو الآخر أن جميع اللوائح الأخرى المتعلقة بجميع أنواع الريع ستنشر، لكن دون إعطاء أية تواريخ لذلك.
معركة ضد الفساد والاقتصاد الريعي
عدم وضوح الخطوات التي ستقدم عليها الحكومة بخصوص باقي القطاعات التي يتفشى فيها نظام الريع والخوف من جيوب المقاومة، يجعل المطالبين بإنهاء اقتصاد الريع أكثر حذرا. يقول عز الدين أقصبي في هذا الصدد "أتمنى أن تذهب الحكومة بعيدا في الكشف عن المستفيدين من الريع وإنهائه". لكنه لا يعتقد ان ذلك ممكن لأن "الريع متجذر في النظام السياسي والاقتصادي في المغرب. هناك مصالح ضخمة وعلى مستويات عليا في الدولة ترتبط بالريع، ولا أتصور أنها ستجعل القضاء عليه ممكنا دون إصلاح دستوري ومؤسساتي عميق".
ومن جهته يرى محمد المسكاوي أن "الدولة وخاصة القصر ليس أمامهما من خيار آخر لضمان الاستقرار سوى مكافحة الريع". وحسب المسكاوي، ينبغي الكشف عن المستفيدين من جميع أنواع الرخص بما فيها الصيد في أعالي البحار وأراضي الدولة التي استرجعت من الاستعمار الفرنسي، وأراضي الأوقاف التي تسيرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأراضي الجموع التي تخضع لملكية جماعية وتشرف وزارة الداخلية على إشرافها وغير ذلك من أنواع الريع. إلى جانب الشفافية، يطالب المناهضون لاقتصاد الريع بإخضاع تلك القطاعات إلى قواعد المنافسة المتكافئة.
الهيئة الوطنية لحماية المال العام تقدر حجم المداخيل الضريبية التي يمكن أن تربحها الدولة إذا ما أخضعت القطاعات التي تسير بنظام الريع، بما يفوق 200 مليار درهم سنويا.
اسماعيل بلاوعلي - الرباط
مراجعة: منصف السليمي