الفساد في المغرب وأمل القضاء على ثقافة الإفلات من العقاب
٢١ فبراير ٢٠١٢خلال الأيام الأخيرة، فتحت في المغرب بعض الملفات الخاصة بنهب المال العام والاختلاس وأهمها قضية الفساد الكبيرة التي تورط فيها عبد الحنين بنعلو المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، والذي تم اعتقاله في انتظار أن تعرض قضيته على القضاء. وفي هذا الصدد يقول عبد العزيز عماري رئيس فريق العدالة والتنمية البرلماني (أكبر أحزاب الائتلاف الحكومي) في حديث مع DW إن الحكومة يجب ألا تنشغل فقط بالرشاوى الصغيرة على حساب الفساد الكبير، ولذلك يجب الاعتماد حسب نظره على الشفافية في نشر تقارير المؤسسات المكلفة بمكافحة الفساد، وضرورة المتابعة بإحالتها على القضاء ليقول كلمته بشكل مستقل حتى يشكل ذلك عبرة لمن تسول له نفسه نهب المال العام.
الفساد ينخر المجتمع المغربي
من جهته، اعتبر عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في حوار مع DW أن محاربة الرشوة والفساد تتطلب قرارا سياسيا خصوصا وأن هذه الآفة تكلف الدولة كلفة اقتصادية كبيرة لا يمكن لأي مجتمع تحملها، فضلا عن الإهدار المالي الذي يحول دون تطوير الاستثمارات. ويعتبر الكتاني أن محاربة الرشوة والفساد تتطلب مشاركة جميع الأطراف، انطلاق من الحكومة ومرورا بالمجتمع المدني ووصولا إلى الوسائل التربوية والإعلام. كما ركز على ضرورة استقلالية القضاء وتساءل في هذا الجانب " كيف يمكن أن تصلح مجتمعا والجهاز الذي يراقب مصالح المواطنين، أي القضاء، هو نفسه يعاني من هذا المشكل؟"
ومع انطلاق حركة عشرين فبراير الشبابية في إطار رياح التغيير العربي، رفعت شعارات ضد المفسدين مطالبة بمحاسبتهم لاسترجاع الأموال المنهوبة، ولعل هذا ما جعل الأحزاب المغربية تركز خلال حملاتها الانتخابية الأخيرة على محاربة هذه الظاهرة التي تنخر المجتمع المغربي منذ سنين، وحاولت كسب ود المواطنين الذين ذاقوا ذرعا من هذه الممارسات. ومن بين هذه الأحزاب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي رفع شعار "صوتك فرصتك من أجل محاربة الفساد والاستبداد".
"العدالة والتنمية" وتحدي تنفيذ الوعود
هذه الشعارات التي رفعها حزب العدالة والتنمية الإسلامي ضد الفساد لا تزال متواصلة بعد وصوله إلى سدة الحكم، فبالإضافة إلة اعتقال مدير المطارات السابق وأعوانه هناك التصريح بالممتلكات الذي قدمه العديد من الوزراء الجدد للرأي العام الوطني، والتي يعتبرها بعض المراقبين بادرة حسنة تنم عن الشفافية والوضوح، فيما يقول عنها البعض الآخر إنها "حملة علاقات عامة"، لاسيما وأن القانون المغربي يحث على التصريح بهذه الممتلكات أمام المجلس الأعلى للحسابات، وليس للصحافة، في أجل لا يتعدى 90 يوما من توليهم وظائفهم. لكن هذا القانون يخلو من متابعة المخالفين والمغتنين بطرق غير شرعية كما أنه لا يشمل ممتلكات المعنيين بالأمر خارج المغرب، مما يجل الباب مفتوحا أمام الطامعين في سلب المال العام دون محاسبة أو مراقبة.
ويوضح عبد العزيز عماري، أن موضوع محاربة الفساد والرشوة حاضر بشدة في البرنامج الحكومي الحالي وأن الدستور الجديد يتيح آليات كفيلة بمحاربة هذه الظاهرة من خلال ربطه المسؤولية بالمحاسبة وحصر الحصانة البرلمانية، وتقنين الولوج إلى المعلومة وإلزامية التصريح بالممتلكات. وهذا الأمر، حسب عماري يضفي المزيد من الشفافية في تدبير الشأن العام من خلال المسائلة والمحاسبة. وبالتالي فأكبر تحدي يواجه الحكومة الحالية هو "الحكامة الجيدة" ومحاربة اقتصاد الريع، ما قد يرفع الناتج الداخلي الخام بنقطتين، وسيساهم كذلك في الرفع من ثقة المواطن في العملية الانتخابية والمؤسسات وخلق التوازن الأساسي في السلط في إطار الدستور الجديد، على حد تعبير رئيس فريق العدالة والتنمية، الذي يضيف أن الآليات الأساسية التي تمكن البرلمان من فضح الفساد هي الآليات الرقابية، ويضيف قائلا "هذا الأمر كان يستعصى علينا ونحن في المعارضة، لأن النصاب المفروض في لجنة تقصي الحقائق كان يحول دون تشكيلها، لكن الآن صار بإمكاننا تفعيل ذلك".
دور المجتمع المدني
تشكل هيئات المجتمع المدني حلقة مهمة من أجل محاربة الفساد والضغط على الحكومات من أجل محاسبة المتورطين، وتعتبر الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، ترانسبرنسي، من أهم الفاعلين في هذا المجال في المغرب. وفي ما يتعلق بإمكانية التعاون بين المجتمع المدني والحكومة من أجل محاربة الفساد، عبر عز الدين أقصبي، عضو الجمعية، أن أي حكومة كانت تطرح عليها مسؤولية محاربة الفساد بمنظور شامل وإستراتيجية تدخل في إطار النظام الوطني للنزاهة الذي يقتضي إصلاحات في ميادين القضاء والتشريعات والمسؤولية، وعلى هذا الأساس تطالب الجمعية ببعض الإصلاحات الأساسية من بينها تطبيق القانون الخاص بالتصريح بالممتلكات الذي لا يتم تفعليه في العديد من الأحيان. ووجوب استقلالية القضاء الذي لم يكرس في الدستور الجديد، بالإضافة إلى مشكل إمداد الهيئة المختصة بالحفاظ على المال العام بصلاحيات المتابعة من أجل التحقيق، وأن توفر لها الإمكانيات المادية والبشرية من أجل ذلك.
وبخصوص القانون المتعلق بجماية الشهود والتشجيع على التبليغ عن جرائم الرشوة، يقول اقصبي "بصراحة لا توجد أي حماية ولا يتم تطبيق هذا القانون"، ويعيب هذا الفاعل الجمعوي على الدولة عدم إشراك المجتمع المدني في بلورة مثل هذه القوانين، مما ينتج عنه، حسب نظره، قانون لا يتجاوب مع الركائز الأساسية في مجال محاربة الرشوة، ومن بينها حماية المصالح الاقتصادية والمهنية للمبلغين. ويتابع موضحا أن التجربة المغربية أبانت أن الأشخاص الذين يحاربون الفساد يعانون من المتابعة جراء مبادرتهم. ودعا أقصبي إلى سن قوانين ترجع الثقة للأشخاص الراغبين في فضح الفساد وحمايتهم قانونيا.
سارة زروال - الدارالبيضاء
مراجعة: حسن زنيند