الفيلم العربي ... نافذة للحوار مع أوروبا
٢٦ يونيو ٢٠١٠يولي مهرجان الأفلام العربية هذه السنة اهتماما كبيرا للفيلم الوثائقي، لهذا كان الافتتاح بفيلم "سحر ما فات في عالم المرئيات" للمخرج المصري المعروف مدكور ثابت، وهو أول عرض عالمي للفيلم وعلى مستوى جماهيري. وكما يقول مدير المهرجان، د. خالد شوكت، في حديث مع الدويتشه فيله "يعتبر اختيار هذا الفيلم ليكون فاتحة المهرجان إشارة إلى أهمية الفيلم الوثائقي وتكريما له". ويعتمد الفيلم على الأرشيف السينمائي المصري على امتداد مائة سنة، أي منذ اختراع السينما وحتى اليوم.
ومن مراكز الثقل الأخرى في مهرجان هذه السنة برنامج " قوة النساء" حول سينما المرأة وبرنامج "تضارب الأمل" حول ظاهرة الهجرة السرية. ومن الأشياء التي يفخر بها منظمو معرض هذه السنة أيضا، معرض الفن التشكيلي بمشاركة ستة فنانين تشكيليين عالميين وعرب مقيمين في أوروبا. و قد بذل المنظمون جهودا كبيرة لتمثيل أكبر عدد ممكن من البلدان العربية وتم اختيار الأفلام المشاركة بناء على مجموعة من المعطيات الهامة تأتي في مقدمتها الجودة الفنية، أي، كما يقول شوكت، أن يكون الفيلم ذا جودة عالية "لأننا لا نحبذ الأفلام التجارية أو ذات الموضوع الشعبوي."
قضايا الشباب المهاجر
وسعى المنظمون لإشراك عدد كبير من المخرجين الشباب الذين يمثلون تطلعات العرب داخل العالم العربي وخارجه. ويعتمد جزء كبير من برنامج المهرجان على إنتاج مبدعين ومخرجين وسينمائيين من أبناء الأقليات العربية في أوروبا. والإمكانيات المتوفرة أمام هؤلاء محدودة لكن منظمي مهرجان الأفلام العربية يقدمون إليهم الدعم من خلال عرض أعمالهم والتعريف بهم. ومن الدوافع الهامة للاهتمام بهم كما يقول مدير المهرجان هو أن سينما الأقليات العربية المهاجرة مرتبطة بقضايا الأقليات وهمومها وبالصراع بين الأجيال، وقضايا الهجرة والاندماج، والعنصرية والتطرف اليميني. هذه كلها محاور هامة استطاعت السينما العربية المهاجرة أن تعكسها إلى حد كبير كما يؤكد خالد شوكت.
وتعكس الأفلام العربية المشاركة في مهرجان هذه السنة المشاكل الاجتماعية والسياسية إلى حد بعيد. ويجد خالد شوكت أن السينما هي في طليعة المنادين بالتغيير والمدافعين عن الحريات العامة وحقوق الإنسان وفي "طليعة القوى الحية الباحثة عن عالم عربي أفضل وأكثر صونا لكرامة أهله ومواطنيه"على حد تعبيره.
المهرجان فضاء للحوار مع الأوروبيين
ومن أهداف المهرجان ترسيخ قاعدة الحوار مع أوروبا، ومواجهة حلقات التشدد والتطرف ونكران الآخر الموجود لدى الجانبين العربي والأوروبي، من خلال نقل صورة عن الواقع العربي والإسلامي، لأن الأوروبيين، كما يقول شوكت، لا يتعرفون على العالم العربي إلا من خلال مشاهد مقتطعة في الإعلام وأحيانا من خلال مشاهد ظالمة. وفي إطار هذه المساعي وجه المؤتمر الدعوة حتى إلى النائب الهولندي المتعصب جيرد فيلدرز، مخرج فيلم "فتنة" الناقد للإسلام. فخالد شوكت أراد أن يحاكيه بالوسيلة التي يستخدمها ويقول:"الرجل استخدم وسيلة سينمائية لإبلاغ أفكاره العنصرية، ومشروعه السياسي قائم على اتهام العرب والمسلين بأنهم متخلفون وغير متحضرين وأنهم لا يؤمنون بقيم الحوار." لقد أراد شوكت من هذه الخطوة أن يثبت لفيلدرز وأمثاله خطأ أفكارهم من خلال إجرائهم حوارا هادفا مع مثقفين عرب ومسلمين يعكسون حقيقة الثقافة والحضارة العربية.
لكن فيلدرز رفض الدعوة مما يشكل، على حد قول شوكت، دليلا واضحا على أن أفكاره مجرد دعاية لا تستند إلى أساس، وأنه رجل لا يؤمن حقيقة بالحوار ويضيف في هذا السياق: "أردنا في الحقيقة أن نقول له إنك لم تقابل عربيا تقريبا أو مسلما ولم تجر في يوم من الأيام حوارا هادفا ورزينا مع مثقف عربي أو مسلم يعكس حقيقة الواقع العربي والإسلامي." ومن هذا المنطلق وجه شوكت إليه الدعوة "تعال وتحدث معنا كمثقفين وسينمائيين، ولتنظر إلى أي مدى تبدو أفكارك مؤسسة على أساس صحيح ومتين". لكن فيلدرز رفض تلبية الدعوة لأنه كما يقول شوكت "يخاف من كل حوار هادئ ورزين."
في الوقت نفسه يشير مدير مهرجان روتردام إلى الصعوبة التي تكتنف طريق الحوار ويقول إنه طريق صعب ليس مثل طريق التطرف أو طريق التخريب أو الهدم "أنت تستطيع أن تبني بناية عالية في سنوات عديدة لكن تستطيع أن تهدمها في لحظات."
السينما العربية وحقوق الإنسان
الفنان والمدافع عن حقوق الإنسان، خالد شوكت يجد في الفن والسينما أفضل منبر لمواصلة هذه المهمة الإنسانية وأن السينما العربية تعتبر من أفضل الواجهات التي ارتبطت بقضايا حقوق الإنسان بمفهومها الشامل والعام، ويقول:"نستطيع من خلال السينما أن نبين حقائق كثيرة بشكل هادئ ورزين وأن نرسخ بشكل أو بآخر ثقافة حقوق الإنسان واحترام قيم الحوار والتواصل مع الكرامة الإنسانية".
وتحظى مهرجانات الأفلام العربية التي تقام في هولندة وغيرها من العواصم الأوروبية بإقبال متزايد، مما يقوي أمل المنظمين في توسيع هذه النشاطات وفي اتساع إطار تأثيرها فيما يخدم التفاهم والحوار. أما في مهرجان روتردام الذي يختتم يوم الأحد (27 يونيو 2010) فسيكون مسك الختام حفلاً يجمع بين الدبكة والغناء التراثي الفلسطيني بحضور المغني الفلسطيني المعروف أبو عرب.
الكاتبة: منى صالح
مراجعة: طارق أنكاي