العلاقات السورية العراقية - ضحية الإرهاب وتضارب المصالح الإقليمية؟
٢٦ أغسطس ٢٠٠٩استدعت كلّ من بغداد ودمشق سفيريهما من كلا العاصمتين عقب الاتّهامات التي وجّهتها بغداد إلى الحكومة السورية بالضلوع في سلسلة التفجيرات التي هزّت العاصمة العراقية الأربعاء الماضي وأسفرت عن مقتل نحو مائة شخص. لتسليط الضوء على أبعاد هذا الموضوع وصحّة الاتهامات التي قد تتسبب في تجميد العلاقات العراقية السورية أجرت دويتشه فيله مقابلة مع الدّكتور عماد فوزي شعيبي، رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في دمشق ومن الجانب العراقي مع المحلّل السياسي مؤيّد عبد الستار، المقيم في السويد. كما حاورنا مراسل مجلّة "دير شبيغل" الألمانية في القاهرة فولكهارد فيندفور والمفكر السوري البروفسور طيّب تيزيني.
"ليس من مصلحة سوريا تصعيد التوتر في العراق"
يقول البروفسور السوري طيّب تيزيني إنه لابد من انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات حول العمليات التي طالت بغداد الأسبوع الماضي، لكنه يلمح إلى أن "دمشق ربّما تريد أن توجّه رسالة إلى الولايات المتّحدة مفادها ضرورة أخذ دور سوريا بعين الاعتبار وإلاّ فإن الأمر لن يستقر" في العراق. ويشير تيزيني إلى أن الإستراتيجية السّورية تسعى إلى العمل لتغيير الموقف الأمريكي حيال دمشق لجعل واشنطن تقرّ بالدّور الاستراتيجي الأساسي لسوريا في هذه المنطقة، مشدّدا على أهمية هذا الدّور لدعم العملية الأمنية في العراق ولصدّ إيران التي تسعى إلى بسط نفوذها على المنطقة.
من جهته، رفض عماد فوزي شعيبي، محلّل سياسي ورئيس مركز الدّراسات الإستراتيجية في دمشق أن يكون لسوريا دور في العمليّات الإرهابية الأخيرة في بغداد، بحيث قال: "السوريون يقولون إن عدم استقرار الوضع في العراق له انعكاسات سلبية على بلادهم، وبالتالي فليس من مصلحتهم تصعيد التوتر" في بلاد الرّافدين، وذلك في إشارة إلى القلق السّوري من انتقال أعمال العنف إلى داخل أراضيها. كما وصف الشعيبي الاتّهامات العراقية للحكومة السورية بأنّها جاءت "سريعة وعنيفة" واصفا إياها بـ"الارتجال السياسي".
"منظمات إرهابية تريد تعطيل العلاقات السورية العراقية"
و أعرب الشعيبي عن استغرابه من ردّة فعل بغداد، مشيرا إلى أن الدول في العادة لا تسرع "إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية بهذه السّهولة، كما إنها لا توجّه اتهامات لدول أخرى بهذا الاستعجال". وأكد المحلل السوري أنه "ليست هناك أي مصلحة لدمشق في زعزعة استقرار العراق"، لاسيما بعد تحسن علاقاتها مع واشنطن ومع بغداد أيضا، لافتا إلى اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي وقعتها سوريا مع العراق قبل أيام. ويوجّه الشعيبي أصابع الاتهام إلى طرف آخر رفض الكشف عنه، لكنه قال إن هذا الطرف "ربما رأى في إبرام الاتفاقية الأخيرة خروج عن الطّاعة"، مشدّدا على أن الهدف هو "تعطيل العلاقة السورية العراقية".
لكن المحلل السياسي العراقي مؤيّد عبد الستار يوجه أصابع الاتّهام، في الضلوع في تفجيرات بغداد، إلى جماعات إرهابية، لم يسمها، تتّخذ من دول مجاورة قاعدة لها، ومن ثم إيهام العراقيين بأن سوريا هي التي تحرّك الخيوط عن بعد. ورفض عبد الستار الاتهامات التي تقول إن لسوريا مصلحة في زعزعة أمن العراق، مشيرا أن عدم استقرار الأوضاع في العراق من شأنه أن يؤدي إلى عدم استقرار المنطقة بأسرها، لكن الخبير العراقي لا يعتقد في الوقت نفسه أن يكون لإيران يد في العمليات الإرهابية الأخيرة. ودعا عبد الستار كلا من سوريا والعراق إلى الابتعاد عن ردود الفعل "العاطفية والمتسرّعة".
"قرار حكومة المالكي جاء نتيجة ضغوط داخلية"
على صعيد آخر، استبعد فولكهارد فيندفور (Volhard Windfuhr) ، وهو خبير ألماني في شؤون الشرق الأوسط ومراسل مجلة "دير شبيغل" الألمانية في القاهرة، أن يكون لسوريا مصلحة في توتّر الوضع الأمني في العراق مشيرا إلى مساعي دمشق نحو التقارّب مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما. وشدّد الخبير الألماني على أنه ليس من مصلحة الرئيس السوري بشار الأسد السماح لأعضاء حزب البعث العراقي المنحل، الذين هربوا إلى سوريا إبان سقوط النظام في العراق، في أن يتسببوا له في مشاكل سياسية، مما قد يؤدي إلى عزلة سوريا في المنطقة وإفشال محاولات دمشق في التقرب من واشنطن بغية التوصّل إلى صيغة جديدة للمشاركة في عملية السّلام في الشرق الأوسط.
وعن قرار بغداد بسحب سفيرها من دمشق، أوضح فيندفور بأن الحكومة العراقية الحالية، ولاسيّما رئيس الوزراء نوري المالكي تواجه ضغوطا داخلية، مشيرا إلى أن تفجيرات بغداد قد أظهرت عجز القوات العراقية في السيطرة على الوضع بعد انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن العراقية، وبالتالي فإن رد الفعل العراقي الذي وصل إلى حد سحب السفير من دمشق يأتي في "إطار محاولة الحكومة العراقية إيجاد أي حجة لإقناع الشعب العراقي بأنّها تمكّنت من كشف النقاب عن المسؤولين"، عن هذه العمليات. ويستعبد الخبير الألماني أن يكون بحوزة الحكومة العراقية "أي معلومات دقيقة" حول من يقف وراء تفجيرات بغداد، معتقدا أن للقاعدة ومنظمات إرهابية قريبة منها مصلحة في "إتباع سياسة فرّق تسد" بين بغداد ودمشق. كما أن هذا الأمر من شأنه ـ في نظر فيندفور ـ أن يخدم مصلحة "بعض الجهات في إيران"، والتي تعمل "على إبقاء العراق ضعيفا".
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: عبده جميل المخلافي