الشعب "لا ينأى بنفسه" ـ الأزمة السورية بعيون لبنانية
٢١ يوليو ٢٠١٢تتنوع المواقف في لبنان وتتباين تجاه الأزمة السوريّة وفق المنطلقات الإيديولوجية وأحياناً الطائفية. وإذ يحظى النظام السوري بعدد لا بأس به من مؤيدين لبنانيين بذريعة أن بقاءه بقاء للمقاومة وللجبهة "المُمانعة"، تتفاوت طريقة التعبير عن دعم الثورة السورية بين من يتمنى زوال النظام الاستبدادي ومجئ من يختاره الشعب السوري وفق آليات الديمقراطية إلى الحكم، وبين من يقف ضد سياسة النظام لكنه في الوقت نفسه يخشى على مصير سوريا من حرب أهلية طائفية يكون فيها للإسلاميين المتشددين الحضور الأكبر.
ففي رأي ديانا الزين (مدّرسة لغة إنكليزية) أن ما يحدث في سوريا "لا يمت إلى الثورة بصلة" إنما هو "أزمة يشارك في صنعها طبّاخون كثر.. وترتفع درجة الغليان فيها حسب تحريك المستفيدين منها". ديانا التي لا ترفض وجود "مطالب مدنية" مُحقّة للشعب السوري، ترى أن هناك قرارا غربيا قديما ينفذ الآن. "هذا القرار يعود إلى 11 سبتمبر" وأسبابه كثيرة حسبما تقول: "أولها كون سوريا دولة قوية في المنطقة وتحافظ على موازين قوى عربية، مما يشكل خطراً على المخططات الغربية التي من أول أهدافها إرضاء إسرائيل. وثانيها، وهو الأهم، المحافظة على ثرواتها النفطية.. لأن ترك الأمور في يد دولة كسوريا هو جنون وقضاء على أحلام الغرب بالعولمة والسيطرة على الموارد الطبيعية. ووضع الأمور بيد روسيا (العدو الأكبر) والصين،المنافس الأكبر".
وتشير الزين إلى أن "إضعاف سوريا يهدف إلى إضعاف المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله، الذي يعتبر خطراً استراتيجياً دائماً على أميركا وإسرائيل". وعن رفضها لوصف الحراك السوري الشعبي بالثورة تبرّر الزين ذلك بالقول "أي ثورة تلك التي تتكلم باسم فرنسا؟ وتتدخل في شؤونها كل من تركيا والولايات المتحدة وقطر والسعودية؟".
الكاتب سامر منصور يحمل هاجس المُستقبل، معبّراً عن حذر مما يجري في الداخل السوري الذي أصبح "حلقة في صراع إقليمي". ويرى أن للأزمة السورية "وجها محليا داخليا يحتمل الدخول في أزمة طائفية مذهبية، وحراك شعبي يريد تغيير واقع السياسة السورية الداخلية على مستوى الحكم وما يتفرع عنه من مطالب اجتماعية واقتصادية وحرية رأي وتعبير وتبادل سلطة". وإذ يشدد منصور، الذي درس المحاماة، على حق الشعب السوري في الحصول على كرامته وحريته ورغيف خبزه يتحدث بأسف عن دخول "الأزمة السورية نفق المجهول.. من حرب أهلية و انقسامات مناطقية، برضى المجتمع الدولي الذي يستفيد من إضعاف بنية الدولة السورية كمؤسسات وجيش، الأمر الذي يمنع انتقال سلمي للسلطة مما يفتح الأزمة على كل الاحتمالات".
ويضيف منصور أن سوريا جزء من المنطقة العربية التي تشهد تسوية اليوم بين القوى الإسلامية التي أنتجها الربيع العربي والولايات المتحدة. ويخلص إلى القول "أنا كلبناني عربي علماني لا أجد نفسي مع النظام ولا مع المعارضة المطروحة، إنما أنتظر أن تثمر الثورة أطيافاً جديدة فيما بعد من أجل تحديد مسار الدولة السورية وتطلعات الشعب".
أما عمر الذي لم يرغب بنشر اسمه كاملاً، لأن "أيدي الاستخبارات السورية في لبنان وأعوانها طويلة" فيستغرب كيف يمكن للبنان أن يقف موقفا محايدا، معتبراً أن ذلك "حياد سلبي لا يعبّر عن موقف معظم اللبنانيين من الدم البريء الذي يسيل في سوريا على أيدي رجال النظام". ويؤيد دعم الثورة السورية ودعم اللاجئين السوريين في لبنان الذين بات عددهم نحو 30 ألف لاجئ.
ويرى عمر الذي يعمل في مجال الهندسة، أن النظام السوري يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في الشام من دفع المعارضة إلى التسلح وإلى طلب الدعم الأجنبي.
وعلى العكس من موقف عمر، يرى الطالب الجامعي داني الأمين أن "أخطر ما تمر به سوريا منذ فترة ليست بقصيرة هو استنساخ الحالة اللبنانية بكل تفاصيلها المقيتة، الحالة الطائفية والمذهبية التي تساهم بتدمير النسيج السوري بكامله".
ويقول الأمين "لست ضد ثورة أي شعب كان، وأنا مع أحقية مطالب الشعب السوري وخصوصاً أهل الريف الذين ضاقوا الأمرّين. لكن علينا أن نفرق بين ثورة حقيقية شعبية وبين عصابات مجرمة إرهابية ممولة من الخارج لتدمير سوريا والقيام بمجازر طائفية فقط". ويشدّد الأمين على وقوفه مع النظام قائلاً "أنا انظر أين يقف الأميركي لأكون ضده وطالما أنه ضد سوريا الأسد فأنا مع بشار الأسد حتى النهاية".
ربما كان موقف هنادي (ممرضة) هو أقرب لشريحة واسعة من اللبنانيين، فهي ترفض تماماً «السياسة الأمنية للنظام السوري وتتمنى لو يحل الربيع العربي على "الشقيقة، فتشهد مؤسسات ديمقراطية وتنمية اقتصادية بعيداً عن الاستبداد والظلم وحيتان التجارة الكبار المحسوبين على النظام". لكن هنادي تخشى على سوريا من حرب أهلية مذهبية تؤثر بدورها على لبنان "الذي لا يملك أي مناعة تجاه حرب كهذه". وتختم حديثها بالقول "على الشعب السوري أن يختار نظامه بعيداً عن أي تدخل خارجي، وعلى الثورة أن تنصف كل من قاتل في صفوفها فلا يصادرها طرف دون طرف، حينها نقول إن سوريا حققت أمنيات شعبها".
معمر عطوي ـــ بيروت
مراجعة: أحمد حسو