هل يبقى لبنان في منأى عما يجري في سوريا؟
٥ يوليو ٢٠١٢
لا يمكن للحكومة اللبنانية حاليا الحديث عن تحقيق نجاحات إلا نادرا، فمديونية الدولة مرتفعة والجيش ضعيف والكهرباء تنقطع يوميا عدة ساعات. بيد أن لبنان يتصرف بطريقة ذكية على المسرح الدبلوماسي. فمنذ عام ونصف تعصف الحرب الأهلية بالجارة سوريا، مع هذا فلبنان اليوم مستقر وهادئ إلى حد ما، رغم أن الدولتين مرتبطتان بعضهما ببعض. فمئات الآلاف من السوريين يعيشون في بلد الأرز، بينهم عمال بناء يعملون منذ سنوات، ولكن أيضا نازحون، فروا من بلدهم بسبب القتال.
تحفظ اللبنانيين
قلة قليلة فقط من السوريين تريد التحدث علنا في السياسة، إذ لديهم مخاوف من أن يتعقبهم الجهاز الأمني لبشار الأسد حتى هنا في لبنان. ومعلوم أن سوريا نشرت في عام 1976 قوات في لبنان إبان فترة الحرب الأهلية ولم تسحب آخر قواتها من هناك إلا قبل سبع سنوات. وكانت الحكومة اللبنانية وأجهزة الاستخبارات والجيش حتى عام 2005 واقعة بشكل كبير تحت سيطرة الأسد وحزب البعث.
لكن الأجواء تتغير بالتدريج، فعدد السوريين الذين يتشجعون على النزول للشوارع للاحتجاج يتزايد، وتلقى تطلعات هؤلاء الدعم من اللبنانيين في شمال لبنان فقط حيث توجد تقليديا الأغلبية المعارضة للأسد.
انقسام وتردد
ويقول مارتين بيك خبير شؤون الشرق الأوسط في فرع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بالعاصمة الأردنية عمان: إن هناك انقساما في المجتمع اللبناني بخصوص الوضع في سوريا مثل السياسة تماما". ويضيف في حديثه مع DW "منذ انسحاب القوات السورية من لبنان انقسم اللبنانيون إلى معسكرين سياسيين. فمن ناحية توجد حركة الرابع عشر من آذار المعارضة بقيادة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، وتعد مؤيدة للغرب وتتحالف مع أحزاب مسيحية وأصبحت معارضا عنيدا لسوريا منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري".
وفي الجانب الآخر، والكلام مازال لمارتين بيك، توجد حركة الثامن من آذار وأكبر ممثل لها هو حزب الله الذي يرتبط بقوة بنظام الأسد. وهذه الحركة تشكل الحكومة حاليا. مع هذا فإن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي يجتهد منذ اندلاع الاحتجاجات في اتخاذ موقف محايد تجاه نظام دمشق. وهكذا فإن بيروت لم تعترض من ناحية على قيام دمشق بنشر الألغام في المنطقة الحدودية، ومن ناحية أخرى تسمح ببقاء النازحين السوريين في لبنان وحصولهم على الرعاية الصحية.
الخوف من تشوه الصورة
لاشك أن سياسة الحكومة اللبنانية تسير بشكل أكبر كما يشتهيها حزب الله. ومازالت تربط هذا الحزب حتى الآن علاقات قوية مع إيران والحكومة السورية، وواضح أنه يشارك في تعقب منتقدي الأسد. وفي حال سقوط الأسد سيكون حزب الله أكبر الخاسرين. لكن تأييد الحزب للرئيس السوري في هذه الأيام لم يعد بذلك الوضوح الذي كان موجودا في بداية الاحتجاجات، عندما قام حسن نصر الأمين العام لحزب الله بمدح الرئيس السوري بشار الأسد واصفا إياه برجل التغييرات والإصلاحات.
واليوم وبعد عام من ذلك يطالب نصر الله بحل سياسي ونهاية للعنف. ويقول المؤرخ ميشائيل فولفزون في حوار مع DW: "إن الرئيس الذي يذبح شعبه ليس بالطبع عنوانا جذابا لحزب الله". ويضيف قائلا: "إذا تواصل تأييد حزب الله للأسد؛ فإن هذا سيرسل إشارة إلى أتباعه بأنه أيضا في حالة الضرورة سيقوم حزب الله بإطلاق النار على اللبنانيين".
كما أن حركة الـ 14 من آذار بزعامة الحريري حذرة في مسألة انتقاد بشار الأسد. ومع أن الأغلبية السنية المسيطرة في الحركة تعتبر معادية للرئيس السوري إلا أن المسيحيين فيها يخشون من أن يؤدي انتزاع السلطة من الأسد إلى وقوع عواقب سلبية؛ حسب ما يقول مارتين بيك من مؤسسة كونراد أديناور. ويضيف الباحث الألماني بيك أن "هناك مخاطر كبيرة من إمكانية أن يصبحوا هدفا لهجمات الإسلاميين عندما تصبح سوريا غير مستقرة".
المحافظة على التوازن
وتناور الحكومة اللبنانية في ظل ظروف صعبة. فهي تعلن ارتباطها بالنظام السوري، وتريد في الوقت ذاته عدم المخاطرة باستقرار بلدها. فالنزاعات العرقية والدينية تتطابق جزئيا مع النزاعات في سوريا، كما تظهر الحوادث التي تقع في شمال لبنان. علاوة على ذلك فإن لبنان لا يريد أن تتعرض مصداقيته عالميا للضرر في حالة اقترابه كثيرا من نظام الأسد.
ولا يعتقد مارتين بيك الخبير بشؤون الشرق الأوسط أن النزاع في سوريا سينتقل كلية إلى لبنان. ويقول إن هذا لن يحدث إلا عندما تقع حرب في المنطقة، وعندها سيكون هناك شغف بمعرفة كيف سيتصرف حزب الله.
ديانا هودالي/ صلاح شرارة
مراجعة: أحمد حسو