الشباب الجزائري مفتون ب"ثورة الياسمين"
١٦ يناير ٢٠١١"ألف مبروك للشعب التونسي العظيم"، عبارة تداولها الجزائريون مشافهة وعبر رسائل (اس.ام.اس ) بعد إعلان سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، يقول شجعة أحسن صاحب مطعم بمنطقة برج الكيفان التي تقع في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر:" ما حدث في تونس أثلج صدورنا نحن الجزائريين، لقد أذاق هذا الرجل شعبه كل أنواع التعذيب والاهانات... لقد كشفت لنا الأحداث المتسارعة في تونس خلال الأيام الماضية كم هو قاس ظلم هذا النظام و أزلامه، ومن اجل ذلك فالشعب التونسي أثبت عظمته بوقفته كرجل واحد ليقول كلمته "لا" لبن علي، و سياسته و كل ما يرمز له".
أما مختار من حي بلكور الشعبي في العاصمة، فقد أثنى كثيرا على إنجاز الشعب التونسي بإزاحة بن علي، و طالب بإقامة محكمة تونسية لمعاقبة كل أولئك الذين أساءوا للشعب التونسي، ووجه تحيته "إلى شهداء انتفاضة الياسمين وكل واحد حمل راية العصيان ضد الظلم" و أضاف "لقد أسعدتمونا يا إخوان ونحن معكم بقلوبنا وأرواحنا".
إعجاب الجزائريين
وقد حاول الكثير من الجزائريين، الذين إلتزمت حكومتهم الصمت إزاء ما يجري في البلد الجار، أن يشارك جيرانهم التونسيين فرحتهم بزوال نظام بن علي، فقاموا بإرسال العشرات من الرسائل لأرقام هاتفية داخل تونس دون أن تكون لأصحاب هذه الأرقام سابق معرفة بهم، وكانت "مبروك عليكم الحرية" و"التونسيين رجال، طردوا الدكتاتور"،"وألف مبروك لشعب تونس العظيم" العبارات التي زين بها المرسلون رسائلهم إلى أشقائهم في تونس، فيما فضل البقية الاتصال بأصدقائهم للاطمئنان عليهم ومشاركتهم فرحة انتصاراتهم.
ربط الكثير ممن تحدثنا معهم بين التغيير الذي حدث في تونس ونظيره الذي حدث في العراق، وذهب العديد منهم للقول بأن"التغيير الحقيقي ليس ذلك الذي يأتي على ظهر دبابة، بل من يصنعه الشعب بدمه وأرواح أبنائه الطاهرة"، ويقول جمال " أنا سعيد بما قام به الشعب التونسي لقد صنعوا تاريخ التغيير بأيديهم، ولهم مني كل التحية و الإكبار على صلابتهم وصمودهم حتى أخر لحظة خرج فيه بن علي صاغرا هاربا من ثورة شعب لا ترحم".
وفي حديث لدويشته فيله، أبدى الشاب عبد الرحمان إعجابه الشديد بالطريقة التي عمل بها الشباب التونسي في نقل احتجاجاتهم ومطالبهم وثورتهم للعالم أجمع عبر الانترنت، حيث يقول" لقد أعلنت انتفاضة تونس بداية النهاية للإعلام الحكومي التقليدي المتمرس في قلب الحقائق و تزوير الوقائع، فقد أبدع الشباب في نقل الخبر لحظة وقوع الحادثة، وكان الفضاء الذي أنشئوه في "الفيس بوك" الوعاء الذي نقلت منه جميع وكالات الأنباء والقنوات العالمية أخبارها".
و على "الفيس بوك" أيضا اختار الكثير من الجزائريين تهنئة الشعب التونسي بانتصاره على الخوف والديكتاتورية، و تفننوا في رسم و تشكيل صور المساندة والدعم للشعب التونسي، حيث وضع البعض العلم التونسي بدل صورهم على صفحاتهم، فيما قام آخرون برسم علم الجزائر و تونس كعلم واحد، تعبيرا على وحدة الشعبين، و مساندة شعب الجزائر لثورة جيرانهم التونسيين على الاستبداد.
المقارنة مع الحالة التونسية
ويثور جدل في أوساط الشباب في الجزائر عندما يقارنون الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر خلال الأيام القليلة الماضية مع انتفاضة تونس التي تبدو مشابهة في شكلها ومضمون مطالبها الاجتماعية، غير أن احتجاجات الجزائريين لم تستمر ولم تطالب برحيل رأس السلطة كما حدث في تونس. ويقول أحمد إن الوضع في الجزائر مختلف من عديد الجوانب، ومن بينها أن سقف حرية التعبير أعلى نسبيا مما كان عليه الأمر في تونس في عهد حكم بن علي، كما يشير إلى استجابة النظام السياسي الجزائري لمطالب المحتجين سريعة جدا مقارنة بالنظام التونسي الذي ظل يصف المحتجين بالمخربين وهو ما زاد من حنق الشعب على نظامه.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرزاق صغور فيرى بأن ما حدث في تونس هو بمثابة كرة الثلج التي بدأت في التدحرج، واعتبر أهمية ثورة الشعب التونسي تكمن في توقيتها "حيث جاءت وأغلب الشعوب العربية تعاني القهر والاستبداد"، وهي رسالة واضحة المعالم والأهداف لكل الحكام العرب بأن "يختاروا بين الاستجابة لمطالب شعوبهم في الحرية والديمقراطية والانفتاح والتعددية وإما انتظار مصير مشابه لما وقع للرئيس بن علي".
و أضاف الدكتور صغور في حوار لدويتشه فيله "إن التغيير منتظر في الكثير من البلدان العربية التي تعيش شعوبها نفس الظلم والاستبداد الذي كان سائدا في ظل النظام البائد"، وعن وجه الشبه بين أحدث تونس و أحداث الجزائر سنة 1988، قال صغور" إن التشابه موجود فعلا لكن الفرق هو الزمن ومستوى التقدم التكنولوجي الذي استفاد منه الشباب التونسي كثيرا في التسويق لقضيتهم العادلة، وهو ما أحرج الحكومات الغربية أمام شعوبها، وتركت حليفها السابق يواجه قدره وحده، في الوقت الذي كانت فيما سبق درعا واقيا لكل الهزات التي عرفها نظام بن علي".
شعور الشباب الجزائري بالمرارة
وقد خلف حادث وفاة شاب مساء يوم السبت (15 يناير /كانون الثاني) إثر إقدامه على حرق نفسه على خلفية رفض رئيس بلدية بوخضرة بولاية تبسة شرق الشرق الجزائر والواقعة على الحدود مع تونس، طلب منحه وظيفة، خلف الحادث حالة إستياء في أوساط الشباب الجزائري. وذكرت صحيفة "الوطن" الجزائرية أن الشاب(محسن.ب) توفي متأثرا بجراحه مساء السبت في مستشفى بمدينة عنابة (شرق الجزائر). وذكرت صحف جزائرية بأن حادث انتحار الشاب الجزائري أشبه مما يكون بحادث إنتحار محمد البوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد التونسية الذي كان الشرارة الأولى لإنفجار الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بن علي.
وكانت الجزائر قد شهدت بدورها احتجاجات في الآونة الأخيرة على خلفية ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وبادرت السلطات بالتراجع عن قرارها وخفضت أسعار مواد السكر والحليب والدقيق والزيت، لكن الخبراء يقولون إن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب الجزائري وتجاوزه نسبة 25 في المائة وارتفاع نسبة الفقر، يؤشر إلى عمق المشاكل الاجتماعية في هذا البلد الغني بموارده من البترول والغاز. وهو ما يثير عند المقارنة مع الحالة التونسية، كثيرا من الشعوربالحسرة والمرارة لدى فئات واسعة من الشباب الجزائري، الذي يدرك أن تونس، البلد الجار المتواضع الإمكانيات، أوضاعه الاجتماعية على سوئها فهي أفضل من أحوال الجزائر.
توفيق بوقاعدة - الجزائر
مراجعة: منصف السليمي