"السيسي يؤسس نفسه دكتاتوراً بإزاحته كل رأي مستقل"
١٨ مايو ٢٠١٦لم يهدأ بعد في مصر الجدل الذي أثارته اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، فقد أصدرت ثلاث محاكم مصرية أحكاما بحبس 152 ناشطاً بين عامين وخمسة أعوام مع الشغل لكل منهم، بعد "إدانتهم" بالتظاهر دون إذن والتجمهر خلال الاحتجاجات على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة السعودية. الأحكام التي اعتبرت قاسية خلفت موجة استياء داخل مصر وخارجها، إذ اعتبرها حقوقيون مصريون استمرارا لما تعرفه البلاد من انتهاكات لحقوق الإنسان، بينما يرى فيها خبراء رسالة واضحة من الدولة مفادها أنه: لن يتم التهاون مع "عدم احترام القانون" الذي ينظم التظاهر في البلاد. فهل يدل كل هذا القمع على أن النظام المصري في محنة؟ وكيف يفترض أن تتعامل الدول الغربية مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؟
اعتقالات عشوائية
وكانت محكمة في القاهرة أصدرت السبت الماضي أحكاما على 51 شخصا بالسجن سنتين، بعدما أدانتهم بالمشاركة في "تظاهرات غير مرخصة". وفي مساء نفس اليوم، أصدرت محكمة أخرى أحكاما على 79 شخصا ثم على 22 آخرين بالسجن خمس سنوات، للأسباب نفسها، كما ذكر لوكالة فرانس برس مسؤولون في النيابة العامة وفي المحكمة ومحامو الدفاع. وقد اعتقل هؤلاء في 25 نيسان/أبريل خلال او على هامش تظاهرات صغيرة دعت اليها حركات معارضة، علمانية وليبرالية، للاحتجاج على تنازل الحكومة عن جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. ويقول محامو المتهمين إن كل هذه المحاكمات مبنية على "اعتقالات عشوائية" ولا توجد أدلة إدانة ضد المتهمين.
رسالة من النظام
ويفسر محمد زارع مدير مكتب مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هذه الاعتقالات بما يلي: "يوم 25 أبريل تصرفت الأجهزة الأمنية بناءً على ضوء أخضر بمنع المظاهرات بكل الطرق، خصوصا بعد الغضب الرئاسي الذي خلفته مظاهرات 15 أبريل. وهكذا فهناك من تم القبض عليهم لمجرد أنهم شباب رغم أن لا علاقة لهم بالمظاهرات". ويضيف الحقوقي المصري في تصريحات لـ DW عربية أن "النظام المصري حاليا في محنة بالفعل لأن كل نظام يخاف من المظاهرات ويرفض النقد وحرية التعبير هو نظام في محنة، خصوصا مع كل ما تعرفه البلاد من فشل اقتصادي وسياسي". لكن بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول إن وراء هذه الاعتقالات والأحكام رسالة واضحة من النظام مفادها أنه: "لن يتم التهاون مع عدم احترام القانون الذي ينظم التظاهر في مصر وكل انتهاك لهذا القانون سيواجه بصرامة كبيرة".
وعن سبب الأحكام القاسية التي أصدرت في حق المتابعين يقول الخبير المصري في مقابلة مع DW عربية إنها تستند إلى مخاوف معينة من النظام ترتبط بإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، وخصوصا هاجس استغلال هذه المظاهرات من قبل خارجين عن القانون لخلق الفوضى في البلاد التي تعيش أصلا مشاكل اقتصادية وأمنية، كما أنّ هناك تخوفات أن يستغِل الإخوان هذه المظاهرات ويقوموا بتحويل مسارها، بحسب اعتقاد بشير عبد الفتاح. لكن الخبير المصري يتوقع أن يصدر الرئيس المصري عفوا على المحكوم عليهم في أول مناسبة لأنهم في النهاية غير متورطين في جرائم جنائية.
تقاعس الدول الغربية
وعن الدور الذي تلعبه المنظمات الحقوقية في مواجهة هذا الوضع يقول محمد زارع إن هذه المنظمات أصبح وجودها مهددا أيضا فمثلا ينتظر بعضها جلسة محكمة في 23 من الشهر الجاري للنظر في منع بعض مؤسسيها وموظفين فيها من التصرف في أموالهم بسبب اتهامهم بتلقي أموال أجنبية، "السيسي يؤسس نفسه كدكتاتور يزيح كل الأصوات المعارضة بل وحتى كل رأي مستقل خارج إطار الدولة"، بحسب تعبير زارع.
وتتهم المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتزعم نظام مستبد يقمع أي معارضة بشكل عنيف منذ إطاحته بسلفه الإسلامي محمد مرسي صيف العام 2013. وبات هناك مرسوم رئاسي -أصبح قانونا في خريف 2013- يعتبر كل تظاهرة أو تجمع لم توافق عليه وزارة الداخلية غير قانوني. وتصل عقوبة التظاهر دون موافقة السلطات الأمنية إلى الحبس ثلاث سنوات وتزيد العقوبة في حال اقتران التظاهر دون إذن بتهم أخرى.
أما عن الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدول الغربية بهذا الخصوص فيقول الحقوقي المصري: "للأسف الدول الغربية متخاذلة في دعم ملف حقوق الإنسان في مصر: "من جهة لأنها تعتبر النظام المصري حليفا في الحرب على الإرهاب رغم أنه في الواقع نظام يوفر تربة لتجنيد الإرهابين بسبب كل هذه الانتهاكات والغضب والعنف الذي تخلفه، ومن جهة أخرى لأن بعضها تربطه بمصر مصالح اقتصادية وتجارية تجعلها تسكت على هذه الانتهاكات". لكن عبد الفتاح يرى أن على الغرب "تفهم الخصوصية المصرية" وما تمر به مصر من ظروف حاليا: "ينبغي تفهم أنه أمر مرحلي فقط إلى أن تستعيد الدولة مسارها العادي".