السودان.. ذهب الشمال هل سيعوض نفط الجنوب؟
٤ يوليو ٢٠١١تأمل حكومة شمال السودان فى تعويض ما ستفقده من عائدات النفط عبر عائدات تعدين الذهب، بشقيه التقليدى والرسمى. إلا ان هذا (الأمل الحكومى) الذي ربما يكون مروجوه قد أسرفوا في تفاؤلهم، حسب مختصين، إذ ثمة معيقات وصعوبات عملية وموضوعية تجعل من الصعب تعويض فاقد النفط، لا من خلال عائدات التعدين عن الذهب، ولا من أىٍّ بدائل أخرى مطروحة، فى الأفق القريب!
البحث عن الذهب حلم راود الكثيرين فى السودان منذ أزمان بعيدة، خصوصاً أولئك الباحثين عن الثراء. إلاَّ أن الحالمين بالثراء السريع والذين امتهنوا طريقة البحث التقليدى عن الذهب فى السنوات الأخيرة، لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم بالسهولة التى التى كانوا يتمنونها. إذ أن الأدوات البدائية التى يستخدمونها فى البحث لم تمكنهم سوى من الحصول على كميات قليلة، بحسب عائدين من مناطق التعدين التقليدى فى ولاية نهر النيل.
إلاَّ أن وزير التعدين، عبد الباقى الجيلانى، يقول إن من يعملون في تعيدن الذهب تمكنوا العام الماضي من استخراج أكثر من 70 طن من الذهب من التعدين الأهلى بالطرق التقليدية.
كشف الجيلانى، فى حوار مع (دويتشه فيله)، عن عدة أسباب جعلت الدولة تهتم بتعدين الذهب فى الفترة الأخيرة من بينها إرتفاع سعره عالميا بسبب الأزمة الإقتصادية، إلى جانب التقدم فى وسائل كشف المعادن خلال السنوات الاخيرة، وقد ساعدت هذه الاكتشافات، حسب الوزير، على اكتشاف الذهب الرسوبى (فى سطح الارض) بكميات وافرة، بالاضافة الى تحسن البنية التحتية فى السودان، خاصة الطرق، التى جعلت من السهل الوصول الى المناطق النائية التى يكثر فيها معدن الذهب.
من جهة أخرى يعترف الجيلانى بالآثار الجانبية السلبية طرق التعدين التقليدىة، ويقول إن ناتج تنقيب النفط وتعدين الذهب يعتبر ثروة غير متجددة، تخلٍّف آثاراً سلبية على البيئة، ولكنه يقلل من شأن هذه الآثار ويقول انه من الممكن تفاديها بالادارة الجيٍّدة.
4 مليارات دولار عائدات التعدين
ويشير الجيلانى إلى أن التعدين الاهلى، وهو نشاط يستعمل تكنولوجيا بدائية لاستخلاص عدد من المعادن ابرزها الذهب، نشاط معروف وقديم قدم التاريخ منذ الحضارة الكوشية قبل الميلاد. ويقول إن المعلومات التاريخية أثبتت أن دولة مروى السودانية كانت دولة صناعية و من أوائل الدول التى اكتشفت معدن الحديد. وتوقع الجيلانى أن تبلغ مساهمة الذهب خلال العام الحالى 4 مليارات دولار، إضافة لمليار دولار آخر للمعادن الاخرى.
هذا ويعمل فى قطاع تعدين الذهب التقليدى ما يقارب المليون شخص فى شتى ولايات السودان المختلفة. وتنتشر عمليات التنقيب في ولاية نهر النيل بمقاطعات: بربر، أبو حمد، سيدون، وفى أخرى مثل العبيدية، وادي الحمار، وادي السنقير، وادي العشار، أم طرابيش، الشريك، النجيم، الكرو، وفي ولاية البحر الأحمر في محليات: هيا، قنب والاوليب، دورديب، وفي ولاية النيل الأزرق.
وكشف خبراء عن جوانب سلبية عديدة لعمليات التنقيب التقليدى عن الذهب فى هذه المناطق، منها أن هذه المناطق أصبحت مهددة لأمن الأهالى بدخول الغرباء من شتى المناطق، إلى جانب التدهور البيئى الذى حدث فى مناطق التعدين، للدرجة التى جعلت الأهالى يطالبون الدولة بضرورة إيقاف عمليات التنقيب بسرعة. إلا أن وزير التعدين قال ان عمليات التنقيب لن توقف وإنما ستقنن.
لكن ثمة صعوبات تكمن فى إدراج نشاط التعدين التقليدى فى دورة الإقتصاد الكلى لأسبابٍ، أشار إليها خبراء فى ندوة عن مشكلات التعدين الاسبوع الماضى. ومن بين الأسباب التى ذكرها المتحدثون، عدم قانونية عمليات التعدين التقليدى وهامشيتها، بالإضافة الى صعوبة مراقبتها لتحصيل الرسوم لصالح الدولة وذلك للتنقل الدائم للعاملين في هذا المجال من منطقة لأخرى، إلى جانب إحجام مؤسسات التمويل عن شراء الذهب منهم، الأمر الذى فتح باباً واسعاً للتهريب.
فرصة لتشغيل الشباب
من جهته يرى الخبير الإقتصادى، د. عبد العظيم المهل، ضرورة أن تتجه الدولة للاستفادة من الذهب في دعم الاقتصاد لتعويض الموارد التي يفقدها السودان الشمالي بعد إعلان دولة الجنوب.
وقال المهل فى الندوة إن المؤشرات الاقتصادية أثبتت أن الذهب ضخَّ عملات صعبة في الخزينة العامة للدولة. وطالب بتوطين وتنظيم التعدين الأهلي للاستفادة منه في دعم الاقتصاد القومى.
وكشف د. عادل عبد العزيز، الأستاذ بكلية الاقتصاد في جامعة الخرطوم، عن جوانب إيجابية كثيرة لهذا النوع من التعدين تتمثل فى رفد الإقتصاد الوطني بعوائد صادرات من العملة الصعبة مابين 800 مليون دولار في السنوات الماضية الى مليار دولار فى العام الماضى، متوقعاً ان ترتفع العائدات الى 3 مليار دولار خلال العام الجارى. وطالب عبدالعزيز الدولة بتشجيع نشاط التعدين التقليدى لأنه يمثل فرصة لتشغيل العديد من الشباب الباحثين عن العمل.
الصحافي نصر الدين الطيب، من الإعلاميين القلائل الذين تمكنوا من الوصول الى مناطق التعدين التقليدى للذهب فى ولاية نهر النيل بشمال السودان، يرى أن هناك صعوبة فى أن تعوٍّض عائدات التعدين التقليدى عن الذهب ما ستفقده دولة الشمال من عائدات النفط، بعد إعلان دولة الجنوب في التاسع من يوليو/ تموز 2011.
ويقول الطيب، لـ "دويتشه فيله"، إن هذا الحديث الذى تروج له الدولة ليس سوى تطمين للمواطن الشمالى اكثر من كونه حديث أرقام على أرض الواقع! وقول الحكومة بأن انتاج الذهب سيسد الفجوة الاقتصادية المتوقعة بعد الإنفصال الفعلى لا يمكن تصديقه من واقع الحال الذى شاهده الطيب فى مناطق التعدين التقليدى عن الذهب فى نهر النيل، لأن الحكومة، حسب رأيه، مازالت تبحث عن شركات منقبة، وتحث شركات أخرى ترتبط بعقود سابقة معها، على الإسراع فى زيادة الإنتاج، وهذا يعنى أن الأمر ليس كما تتحدث عنه بعض الجهات الرسمية فى الدولة.
ويرى الطيب أن الذهب لكى يتحول الى قوة إقتصادية فى السودان الشمالى، يحتاج إلى سنوات من التنقيب المستمر حتى يمكن أن يساهم فى الدخل القومى بصورةٍ ملموسة.
عثمان شنقر- الخرطوم
مراجعة: عارف جابو