السعودية وتركيا ـ تقاطع مصالح في سوريا أم تنافس على النفوذ؟
١٣ يناير ٢٠٢٥لم يكن اختيار الرياض لتحتضن أول اجتماع دولي من نوعه بين قادة من الشرق الأوسط وأوروبا لبحث مستقبل سوريا بعد سقوط بشار الأسد، محض صدفة؛ إذ ترغب الرياض من ذلك في لعب دور رئيسي في سوريا.
وانقسمت اجتماعات الرياض إلى قسمين؛ الأول شارك فيه الوزراء العرب و الآخر لمسؤولين غربيين. ويأتي المؤتمر بعد مرور أكثر من شهر على استيلاء فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا وفرار الأسد إلى روسيا التي منحته اللجوء هو وأسرته.
وفي ختام المؤتمر، دعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى رفع العقوبات عن سوريا مع الترحيب بأهمية الخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة والتزامها بمكافحة الإرهاب والبدء بعملية سياسية تضم مختلف المكونات السورية.
"حجر زاوية"
وكانت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفارتها في شباط/فبراير 2012، احتجاجا على استخدام دمشق القوة في قمع الاحتجاجات الشعبية.
لكن في مارس/آذار عام 2023، أعلنت الرياض أنها تجري مباحثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، حيث قادت الرياض جهودا دبلوماسية أعادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في قمة جدة التي حضرها بشار الأسد في مايو/أيار من ذلك العام.
وبعد سقوط الأسد، سارعت السعودية إلى إرسال مساعدات غذائية وطبية إلى سوريا برا وجوا.
ويرى مراقبون أن الرياض ترغب في أن تأخذ زمام المبادرة في تنسيق الجهود الإقليمية لدعم تعافي سوريا وانتقالها من دولة منكوبة جراء قتال استمر لقرابة 14 عاما، إلى مرحلة جديدة.
ويرى نانار هواش، المحلل البارز في شؤون سوريا بمجموعة الأزمات الدولية، أن السعودية تسعى لأن تكون "حجر الزاوية في تعافي سوريا بعد الأسد."
وأضاف في مقابلة مع DW عربية، أن السعودية تعمل "على تعزيز استقرار سوريا سياسيا واقتصاديا من خلال قيادة الحوار الإقليمي والدعوة إلى رفع العقوبات."
وتتفق في هذا الرأي بورجو أوزجليك، الباحثة البارزة في الشؤون الأمنية للشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره لندن، قائلة: "قدرة السعودية في دعم استقرار سوريا تكمن في مدى براعتها على تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في سوريا وإعادة تأهيلها."
وشددت الباحثة في مقابلة مع DW عربية على أن "التعافي الاقتصادي يعد بمثابة ضرورة وجودية لسوريا."
وقف القطار الإيراني
وأشار تقريرصدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ومقره الدوحة أواخر العام الماضي، إلى شعور سعودي بالارتياح لسقوط الأسد بسبب أن الأمر يحمل في طياته "نكسة لإيران وحلفائها".
وكان إبعاد الأسد عن العباءة الإيرانية أحد أسباب السعودية في السعي نحو إعادة العلاقات مع الأسد عام 2023؛ إذ رغبت الرياض إبان ذلك في تزويد الأسد ببديل عربي، ما يعني تقليل اعتماده على طهران، بحسب التقرير.
ويعتقد الكاتب والباحث السياسي اللبناني، محمد قواص، أن الرياض "أدركت التغير الاستراتيجي في الشرق الأوسط الذي يشكله سقوط النظام السوري، لا سيما انتهاء وهج النفوذ الإيراني في المنطقة وانقطاع طريق طهران-بيروت".
وأضاف في مقابلة مع DW عربية من لندن أن "الموقف السعودي هدفه الأساسي هو جعل هذا التحول نهائيا بمعنى إنجاح هذه التجربة السورية الجديدة. الرياض تعتبر خروج سوريا من النفوذ الإيراني بمثابة مصلحة عربية".
ورغم أن العقوبات الغربية ماتزال تمثل عقبة أمام إعادة إعمار سوريا، إلا أن الباحثة بورجو تعتقد أن هذا الأمر "يخلق مساحة للقوى الاقتصادية الإقليمية مثل السعودية وقطر لممارسة النفوذ من خلال الدبلوماسية الاقتصادية".
وأضافت "نريد السعودية أن تلعب دورا مؤيدا للسلام ومعتدلا في المرحلة الانتقالية في سوريا، وتسعى إلى أن تضع نفسها كشريك مختلف لسوريا، مبتعدة عن النفوذ المزعزع للاستقرار الذي تمارسه إيران منذ عقود".
الرياض وأنقرة في سوريا.. تنافس أم تصادم؟
بيد أن النهج السعودي تجاه الإدارة السورية الجديدة يتسم بالحذر بسبب وجود هيئة تحرير الشام على رأس السلطة في سوريا. وقال "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إن السعودية تخشى أن هذا الأمر ربما "ينذر بسيناريو عودة محتملة للإسلام السياسي لحكم دولة كبرى في المنطقة".
وفي ذلك، تعتقد بورجو أن "السعودية تسعى إلى تعديل الأيديولوجيات الأكثر تطرفا أو تشددا داخل صفوف هيئة تحرير الشام السياسية والعسكرية، وهنا تتماشى رؤيتها مع تركيا".
ورغم تماشي الهدفين السعودي والتركي في هذه النقطة، إلا أن تقارير أشارت إلى احتمالية أن تصبح سوريا ساحة تنافس بين الرياض و أنقرة.
فقد ذكر تقريرنُشر قبل أيام في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "الرياض التي خسرت أمام طهران في السباق لممارسة النفوذ في العراق ما بعد صدام حسين، تسعى إلى استخدام المساعدات جزئيا كوسيلة لمواجهة تحركات أنقرة في سوريا".
بيد أن الباحث المتخصص في الشأن السوري نانار هواش يستبعد احتمالية التنافس السعودي-التركي في سوريا.
وقال في مقابلته مع DW عربية إن تركيا والسعودية "تعطيان الأولوية للاستقرار في سوريا في الوقت الحالي، مما يجعل التعاون أكثر احتمالا من التنافس. كل منهما يعترف بدور الآخر الذي لا يمكن استبداله بسهولة."
وأضاف أن "تركيا قد تلعب دورا متكاملا في تعزيز الأمن والحكم في سوريا، بينما تكمن قوة السعودية في دعم التعافي الاقتصادي لسوريا وتعزيز إعادة اندماجها في المجتمع الدولي."
من جانبه، يعتقد الباحث السياسي محمد قواص أن "تركيا لديها مصالح في جر السعودية ودول الخليج والمنظومة العربية لدعم التحول السوري."
وأضاف "أن الضريبة الجغرافية ستفرض نفوذا معينا لتركيا داخل سوريا، لكن ذلك لن يمنع دول العالم بما فيها الدول العربية وبما فيها السعودية من أن تلعب دورا أساسيا خاصة في مسألة التمويل التي تفوق قدرة أنقرة."