"الشتاء الإيراني"... طهران وحلفاؤها على مفترق طرق
٧ يناير ٢٠٢٥"إيران تعيش منذ فترة طويلة في وضع صعب وتعلم أنَّه لا يوجد سبيل آخر سوى التغيير"، هكذا لخص الخبير في الشؤون الإيرانية والمؤرخ المحاضر في جامعة كليمسون الأمريكية آراش عزيزي الوضع الراهن في حوار مع DW. وأكد على ضرورة تغيير قيادة الجمهورية الإسلامية سياساتها وإبرامها اتفاق مع الغرب لكي تتغلب على عزلتها الدولية وانهيار اقتصاديها. وأضاف أنَّ القيادة الإيرانية "قلقة إزاء عودة سياسة الضغط الاقتصادي الأقصى، التي قد تطبقها إدارة ترامب".
يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامه في 20 كانون الثاني/يناير الجاري. وقد تكون سياسته تجاه إيران ضربة جديدة للقيادة الإيرانية بعد أشهر من ضربات متتالية بدأت بمصرع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ورفاقه في تحطم مروحية في بداية الربيع الفائت. ولذلك يتساءل الكثير من الإيرانيين: هل تواجه قيادة الجمهورية الإسلامية شتاءً قاسياً؟.
تسعة أشهر دراماتيكية هزت الجمهورية الإسلامية
لقد شهدت التسعة أشهر الماضية أحداثاً مأساوية بالنسبة لإيران. ففي الربيع لقي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي كان يعد خليفة محتملاً للمرشد الأعلى علي خامنئي، حتفه في حادث تحطم طائرة مروحية. وأدى موته غير المتوقع إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فاز بها على نحو مفاجئ السياسي المعتدل مسعود بزشكيان.
وفي الصيف، صدمت جمهورية إيران الإسلامية باغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياس لحركة حماس، المصنفة كتنظيم إرهابي في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.
واغتيال هنية في قلب طهران أخرج شخصية رئيسية في "محور المقاومة". وفي الخريف انهار مع مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ومع إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر "محور المقاومة".
ويقول آراش عزيزي: "من الممكن جداً أن تحاول قيادة الجمهورية الإسلامية خفض التوترات مع الغرب". ويشير إلى مقال في مجلة الشؤون الخارجية لوزير الخارجية الإيراني الأسبق والمفاوض النووي محمد جواد ظريف. وهذا المقال نشر قبل سقوط الأسد في الثاني من كانون الأول/ديسمبر تحت عنوان "كيف ترى إيران الطريق إلى السلام". وظريف، الذي شغل في آب/أغسطس الماضي منصب نائب الرئيس مسعود بزشكيان للشؤون الاستراتيجية لعدة أيام، أكد في هذا المقال استعداد إيران للتفاوض مع الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول آراش عزيزي أنَّ "محمد جواد ظريف أكد أيضًا فيما يتعلق بإسرائيل أنَّ إيران ستقبل أي اتفاق يتوصل إليه الفلسطينيون بأنفسهم". ويضيف أنَّ "هذه نقطة مهمة". وبعد سؤاله إن كانت قيادة الجمهورية الإسلامية ستعيد النظر في عدائها لإسرائيل، قال آراش عزيزي: "السؤال هو كيف يمكن فرض ذلك في الداخل الإيراني؛ إذ أن ذلك يتناقض مع موقف الزعيم الديني خامنئي وموقفه المناهض لإسرائيل طيلة حياته". وأضاف أنَّ المهم الآن أن نرى "كيف سيرد الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي على لحظة الضعف هذه التي تعاني منها جمهورية إيران الإسلامية".
القنبلة الذرية ضمانة لأمن إيران؟
ولحظة الضعف هذه وكذلك النكسات، التي تعرضت لها إيران وحلفاؤها في الأشهر الأخيرة، أثارت في إيران نقاشاً جديداً حول الردع العسكري، حيث تتعالى أصوات المطالبين بتطوير أسلحة نووية. وضمن هذا السياق قال في مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر أحمد نادري، وهو نائب برلماني عن طهران، إنَّ الوقت قد حان لإجراء تجربة نووية.
وبسبب الخوف من التصعيد فقد أجرت في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا محادثات مع إيران حول الحد من برنامجها النووي. وقد علق المستشار السياسي كورنيليوس أديبار على هذه الخطوة الدبلوماسية قائلاً إنَّها "كانت محادثات حول المحادثات (النووية)". وأضاف مؤكداً: "من الضروري إجراء هذه المحادثات قبل تولي ترامب منصبه. فربما يشعر بالضغط بطريقة أو بأخرى عندما يتولي منصبه. هناك أصوات تنصحه باتخاذ إجراءات صارمة". وبحسب كورنيليوس أديبار فمن المفيد للأوروبيين وجود خطة أو على الأقل وجود خطوط عريضة لخطة.
"هاجس السلم المجتمعي"
ما من شك في أنَّ إبرام صفقة مع الغرب لا يشكل التحدي الوحيد بالنسبة للحكومة الإيرانية الحالية. فحتى الآن لا حل للمشكلات الداخلية، وخاصة للجدال المستمر حول قانون الحجاب. ويراهن المتشددون بشكل متزايد على إجراءات تهدف إلى زيادة الضغط على النساء. وقد وافق البرلمان على قانون جديد للحجاب أثار موجة من الغضب والاستياء في أنحاء إيران. وبموجب هذا القانون تتعرض النساء في حالة انتهاك الحجاب الإلزامي لعقوبات من بينها غرامات مالية باهظة، والحرمان من الخدمات العامة، والمنع من السفر، وفي الحالات القصوى عقوبات بالسجن.
ومن جانبه اعترض الرئيس مسعود بزشكيان على هذا القانون. ويبدو أنَّه يدرك هو ومستشاروه أنَّ استفزاز المجتمع واحتمال خروج احتجاجات جماهيرية قد يشكلا خطيراً كبيراً جداً في لحظة الضعف هذه بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
ولكن حتى مسعود بزشكيان غير مستعد لفهم ما تريده النساء بالفعل، كما قالت الناشطة الحقوقية الإيرانية والصحفية السابقة فائزة عبديبور في حوار مع DW. وأضافت أنَّ النساء في إيران ملزمات منذ الثورة الإسلامية في عام 1979 بارتداء الحجاب. أما هذا القانون الجديد فيهدف فقط إلى تشديد العقوبات أكثر.
وفائزة عبديبور، التي اعتقلت عدة مرات بسبب دفاعها عن الأقليات الدينية وحقوق الإنسان، أكدت على أنَّ: "النساء في جمهورية إيران الإسلامية تعلمن أنه يتوجب عليهن عدم التوقف عن النضال من أجل حريتهن وحياتهن، والإصرار على حقهن في تقرير مصيرهن. ولكن على الأرجح أنَّ النظام السياسي لن يستسلم في هذه المسألة".
وبحسب فائزة عبديبور فإنَّ الوضع بات يتفاقم أكثر بالنسبة للنساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب: "توجد دوريات لشرطة الأخلاق في مترو الأنفاق وعند تقاطعات الطرق وغرامات مالية تفرض على المخالفات". وقد صادرت السلطات سيارتها قبل بضعة أشهر بسبب "انتهاكها" الحجاب الإلزامي. وتضيف أنَّ "الغرامة المالية التي كان علي دفعها كانت مرتفعة جداً".
ولكن مع ذلك فإن الكثير من النساء في إيران لم يعدن يلتزمن بقواعد اللباس الإسلامي الصارمة. وهذا الاتجاه جاء نتيجة الاحتجاجات الجماهيرية في خريف عام 2022، والتي حركت الرأي العام العالمي تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية".
أعده للعربية: رائد الباش