ما وراء استراتيجية أردوغان المزدوجة تجاه الأكراد؟
١٣ يناير ٢٠٢٥قال الرئيس رجب طيب أردوغان في خطابه بمناسبة العام الجديد: "سنتخذ في المستقبل خطوات حاسمة من أجل تحقيق رؤيتنا لتركيا ومنطقة بأكملها بدون إرهاب". كانت كلماته هذه إشارة إلى عملية المصالحة الحالية بين الأتراك والأكراد والتي بدأها قبل نحو ثلاثة أشهر شريك أردوغان في الائتلاف الحاكم، دولت باهتشلي، زعيم "الحركة القومية".
في البداية وعلى مدى سنوات دعا باهتشلي إلى موت شخص، ثم فجأة يريد دعوته إلى البرلمان؟ هذا هو بالضبط ما فعله باهتشلي القومي المتطرف قبل ثلاثة أشهر حين فاجأ الشعب التركي بأكمله. فقبل أن يتخذ هذه المبادرة، كان حزبه يدعو إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام حتى يتسنى إعدام زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان. أما الآن فإن حزب الحركة القومية يسعى إلى دعوة أوجلان إلى البرلمان لإلقاء خطاب يدعو فيه مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح.
هل حان وقت الأمل؟
تأسس حزب العمال الكردستاني شبه العسكري في عام 1978، وهو مصنف كمنظمة إرهابية من جهة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه في صراع مسلح مع الدولة التركية منذ عام 1984.
يبلغ إجمالي عدد الأكراد اليوم حوالي 30 مليون كردي، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى تم تقسيم مناطق تواجدهم بشكل أساسي بين تركيا وسوريا وإيران والعراق. ومنذ ذلك الحين، والأكراد يناضلون من أجل دولتهم الخاصة أو على الأقل من أجل المزيد من تقرير المصير. وقد حُرموا من وضع الحكم الذاتي في تركيا حتى يومنا هذا. ويقال إن الصراع العنيف بين تركيا وحزب العمال الكردستاني قد أودى بحياة حوالي 40 ألف شخص بين عامي 1984 و2009. ويقبع مؤسس حزب العمال الكردستاني أوجلان في السجن بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999.
وعلى هذه الخلفية فاجأ باهتشلي القومي التركي المتطرف الشعب التركي في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2024 عندما صافح ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في البرلمان. وبعد ذلك بأيام قليلة، ناشد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلقاء السلاح. كما أشار إلى "الأخوة الألفية" بين الأتراك والأكراد وقال: "مشكلة تركيا ليست الأكراد، بل منظمتهم الإرهابية الانفصالية. على أوجلان أن يأتي إلى البرلمان ويعلن حل حزب العمال الكردستاني". وكان رد فعل الرجل المعني إيجابيًا وأعلن استعداده "لتحمل المسؤولية" في هذا الصدد.
وفي أعقاب نداء باهتشلي، زار ممثلان عن حزب الشعوب الموالي للأكراد أوجلان في سجن إمرالي في 28 ديسمبر وقالا بعد ذلك إنهما "مفعمان بالأمل". ويجري سياسيو الحزب حالياً مشاورات مع ممثلي حكومة أردوغان والمعارضة.
كل شيء من أجل أردوغان؟
يعتقد بعض المراقبين بوجود هدف سياسي واقعي وراء المبادرة الحالية ألا وهو تمكين أردوغان من الترشح لولاية جديدة في منصبه بعد عام 2028، وهو أمر مستحيل بموجب الدستور الحالي.
من الناحية الفنية، هناك احتمالان أمام أردوغان للترشح مرة أخرى بعد كل شيء: إما أن يتم تعديل الدستور أو أن يقرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة. النقطة الشائكة هي أن التحالف الحاكم ينقصه 45 مقعدًا لاتخاذ قرار من هذا النوع. ولدى الحزب الديمقراطي ما مجموعه 57 نائبًا في البرلمان، وبمساعدتهم يمكن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بيرك إيسن من جامعة سابانجي في إسطنبول خلفية أخرى محتملة: وحسب إيسن، لم يعد بإمكان حزب العدالة والتنمية الفوز في الانتخابات لأنه يفتقر إلى الأصوات الكردية: "نظام أردوغان في أزمة سياسية واقتصادية كبيرة. وقد رأينا ذلك في الانتخابات المحلية في ربيع 2023. وفي ظل الظروف الحالية، يفضل الناخبون الأكراد التصويت لمرشحي المعارضة"، وهو اتجاه يريد أردوغان عكسه.
ووفقاً لتقديرات مختلفة، يشكل الأكراد حوالي 15 إلى 20 بالمائة من سكان تركيا. وحسب إيسن، كان على التحالف الحاكم أن يفعل شيئاً لوقف الاتجاه التنازلي لشعبيته. وعلاوة على ذلك، لا يمكن أن تكون المبادرة جهدًا منفردًا من قبل حزب الحركة القومية: "في نظامنا الاستبدادي، لا يمكن أن تجرؤ على اتخاذ مثل هذه الخطوة دون موافقة أردوغان"، كما يؤكد إيسن.
تفاؤل خاطئ؟
"عندما خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات المحلية الأخيرة، أدرك أن استراتيجية الاستقطاب الثقافي لم تعد تجدي نفعاً"، كما يرى الباحث السياسي دنيز يلدريم. ومع ذلك ليست هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة التركية إجراء عملية مصالحة مع الأكراد في بلدها. فقد كانت هناك بالفعل مبادرات رسمية في الماضي لتلبية مطالب الأكراد تجاه الدولة التركية. وقد أُطلق على هذه المحاولات اسم "الانفتاح" أو "الحل" أو "عملية التطبيع"، وقد فشلت جميعها حتى الآن.
فما هي احتمالات النجاح هذه المرة؟ يقول يلدريم: "عندما يقول السياسيون في العلن إنهم مفعمون بالأمل، ما يعني أن السلام بات أقرب من أي وقت مضى، فلا بد أن يكون هناك بعض التقدم خلف الأبواب المغلقة، كما يعني ذلك بأن العملية تقدمت إلى حد ما"، لكنه يحذر في الوقت نفسه من التفاؤل السابق لأوانه: "بالطبع يجب على تركيا أن تحل هذه المشكلة المزمنة بالوسائل السلمية حتى لا تراق المزيد من الدماء. ومع ذلك سيكون من السذاجة أن نتوقع حدوث ذلك في زمن المركزية الاستبدادية، حيث يتم اجتثاث حرية الصحافة وحرية التعبير في البلاد وإلغاء الجامعات".
لا مصالحة خلف الحدود
وفيما يتعلق بالأكراد، تتبع تركيا حاليًا استراتيجية مزدوجة أيضًا: ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق المصالحة مع أوجلان وحزب العمال الكردستاني على الصعيد المحلي، تتخذ الميليشيات المدعومة من تركيا إجراءات ضد المقاتلين الأكرادمن وحدات حماية الشعب الكردية خلف الحدود مع سوريا. وتعتبرهم تركيا تهديدًا لسلامة أراضيها، تمامًا مثل حزب العمال الكردستاني. وفي حين أن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية فرعًا سوريًا لحزب العمال الكردستاني، فإن الأخير مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يجعل ميزان القوى في المنطقة أكثر تعقيدًا.
وتطالب تركيا الحكومة الانتقالية في سوريا بحل ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سوريا. ويوضح الباحث السياسي إيسن أن مطالب تركيا ليست واقعية من وجهة نظر الأكراد: "بعد سنوات عديدة من إراقة الدماء، رسخت وحدات حماية الشعب الكردية نفسها كعامل قوة في شمال شرق سوريا. وبغض النظر عن نوع الاتفاق الذي يمكن التوصل إليه في تركيا، فمن المستبعد جداً أن يلقوا أسلحتهم".
مساهمة: غولسن سولاكر
أعده للعربية: م.أ.م