هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
٣١ أكتوبر ٢٠٢٤أدت زيادة الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وتغير المعادلات السياسية إلى أول محاولة منذ 10 سنوات لإنهاء الصراع بين تركيا والمسلحين الأكراد والمستمر منذ 40 عاما، لكن فرص نجاح هذا المسعى غامضة إذ لم تقدم أنقرة أي مؤشرات على ما قد تستلزمه مثل هذه الخطوة.
وقال عدد من السياسيين والمحللين لرويترز إن اقتراح سلام قدمه حليف وثيق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدد الأمل لكنه أثار أيضا التساؤلات حيال النهج الذي قد يتبعه أردوغان لتحقيق ذلك. وفي تأكيد على مدى صعوبة استئناف محادثات السلام بعد آخر مسعى بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بين عامي 2013 و2015، أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هجوم مسلح أودى بحياة خمسة في أنقرة الأسبوع الماضي.
لكن إحلال السلام سيجلب مكاسب كبيرة لتركيا، إذ سيخفف العبء عن قواتها الأمنية ويعزز الاقتصاد في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية ويخفف التوتر الاجتماعي. بالمقابل يأمل عدد كبير من الأكراد في أن يؤدي أي اتفاق السلام إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية وتعزيز استخدام اللغة الكردية ودعم حقوقهم الثقافية، وهي خطوات من المرجح أن تحظى بإشادة حلفاء تركيا من الدول الغربية.
ولا يزال المسؤولون يلزمون الصمت حيال أي خطة محتملة لتحقيق ذلك. لكن اتساع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط وقلق تركيا من وجود مسلحين في شمال العراق وسوريا يُنظر إليهما باعتبارهما من العوامل التي تأخذها أنقرة في حسبانها. وفي هذا السياق قال فاهاب جوشكون وهو محاضر في القانون بجامعة دجلة في ديار بكر جنوب شرق تركيا "أحد أهم الأسباب هو الديناميكيات الإقليمية، لأن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط تؤدي إلى زيادة التكلفة التي تتحملها تركيا بسبب المسألة الكردية".
وفي الأسبوع الماضي، اقترح زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهجلي أن يأتي زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلى البرلمان ويعلن نهاية الصراع واستسلام جماعته مقابل إمكانية إطلاق سراحه من السجن المحتجز به منذ 25 عاما في جزيرة قرب إسطنبول.
وقال العديد من النواب من التحالف الحاكم في تركيا لرويترز إن خطاب بهجلي فاجأ الجميع وإن الحديث عن محاولة جديدة لإنهاء الصراع سابق لأوانه. وجاءت تصريحاتهم بصورة غير رسمية بسبب حساسية القضية. وقال أحد النواب من حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان: "كما قال رئيسنا، لا يوجد شيء غير عادي في سعي تركيا للقضاء على الإرهاب بصورة كاملة في وقت تدور فيه حروب وأزمات في المنطقة".
فرصة سانحة
لم تتخذ أنقرة أي خطوة ملموسة حتى الآن سوى السماح لابن شقيق أوجلان بزيارة عمه، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها أفراد الأسرة منذ أربعة أعوام ونصف العام. ونقل في وقت لاحق عن عمه قوله إنه يملك السلطة لإنهاء الصراع "إذا توافرت الظروف المناسبة".
وأمس الأربعاء، وصف أردوغان اقتراح بهجلي بأنه "فرصة تاريخية سانحة" وحث الأكراد على قبول اليد الممدودة. لكنه قال أيضا إنه لم يتم توجيه أي دعوة إلى "بارونات الإرهاب الذين يتغذون على الدماء" في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني نفسه.
ووعد أردوغان "بأخبار طيبة لشعبنا من شأنها ضمان أمن كامل حدودنا الجنوبية". وخلف تلك الحدود يقع مقاتلون أكراد في سوريا والعراق يملك أوجلان سطوة عليهم.
وشنت تركيا عمليات توغل في شمال سوريا خلال العقد الماضي، مستهدفة قوات كردية تقول إنها مجموعة إرهابية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحزب العمال الكردستاني، لكنها كانت أيضا شريكا رئيسيا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتضغط أنقرة أيضا على بغداد من أجل مزيد من التعاون في مكافحة المسلحين المتمركزين في شمال العراق، حيث تسببت الضربات التي شنتها الطائرات الحربية والطائرات المسيرة التركية في خسائر فادحة لحزب العمال الكردستاني.
وقُتل أكثر من 40 ألفا في صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني، الذي صنفه أيضا حلفاء غربيون لأنقرة كجماعة إرهابية.
وأشار بهجلي لأول مرة إلى نواياه عندما صافح نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني المؤيد للأكراد في البرلمان هذا الشهر، وهي خطوة مفاجئة في ضوء تنديده طويل الأمد بهم باعتبارهم أدوات لحزب العمال الكردستاني. كما أشار إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في مكالمته لأوجلان، مما يشير إلى دور محتمل للحزب في أي عملية.
بدوره قال طيب تيميل، نائب زعيم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب إن دعوة بهجلي تستحق تقييما دقيقا، لكنه أضاف أن هناك حالة من التشكك العميق حيال خطط أنقرة. وقال تيميل لرويترز: "الحكومة بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن هذه القضية وخلق العوامل التي يمكن أن تبدأ العملية".
بيئة مواتية
وعلى الصعيد السياسي، هناك بيئة مواتية لحل الصراع، نظرا لأن الدعوة جاءت من بهجلي، الزعيم الأكثر معارضة لعملية السلام قبل عقد من الزمان. كما أشارت المعارضة الرئيسية في تركيا إلى دعمها لهذه الدعوة.
وقال بعض المعلقين إن التحالف الحاكم في تركيا ربما يكون مدفوعا برغبة في الفوز بدعم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب لإجراء تعديلات دستورية من شأنها أن تعزز فرص أردوغان في الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2028.
وهناك أيضا شكوك بشأن مستوى السلطة التي لا يزال أوجلان يمارسها على حزب العمال الكردستاني من داخل السجن. ووصف حزب العمال الكردستاني في بيان أوجلان بأنه المتحدث باسمه في أي مفاوضات مع أنقرة لكن من غير الواضح ما الذي قد يسعى إليه الحزب في أي عملية سلام.
وفي ديار بكر، قال صاحب متجر يدعى خالد كوتش إن الناس استجابوا بشكل إيجابي للاقتراح لكنه لا يزال متشككا. وأضاف "لقد وصلوا إلى المرحلة النهائية من عملية السلام من قبل ثم أوقفوها. ولا أعتقد أنهم (الحكومة التركية) سيكونون صادقين للغاية في عملية السلام هذه أيضا".
ع.غ/ ع.ش (رويترز)