الدول الكبرى تخفق في التوصل إلى قرار بخصوص النزاع النووي مع طهران
١٠ مايو ٢٠٠٦أجرى وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا مساء الاثنين مشاورات استغرقت ثلاث ساعات بخصوص الملف الإيراني دون التوصل إلى توافق حول قرار يلزم إيران. وأعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز أنه لم يتم الاتفاق على فرض عقوبات على إيران يمكن أن تؤدي إلى اللجوء إلى القوة في آخر المطاف. وأضاف أن فرص التوصل إلى اتفاق خلال الأسبوع الحالي ضعيفة وأن الأمر سيتطلب عدة لقاءات. يشار إلى أن واشنطن كانت خلال الأيام الأخيرة تعرب عن ثقتها في اعتماد القرار قريباً. وتقول واشنطن إنها تفضل حلا دبلوماسيا للأزمة، لكنها لم تستبعد الخيارات العسكرية. وفي مؤشر إلى أن الانقسامات لا تزال عميقة بين الأطراف التي حضرت الاجتماع، استبعدت الولايات المتحدة الأمريكية التفكير في ضمانات أمنية لإيران في حال تخلت عن برنامجها النووي. ويعكف أعضاء مجلس الأمن الدولي على النظر في مشروع قرار ملزم، لكن الصين وروسيا تبديان تحفظا كبيرا حول الإشارة إلى الفصل السابع، الذي يسمح بفرض عقوبات بل وشن حرب، وهو الذي سمح للولايات المتحدة عام 2003 باجتياح العراق. هذا وتربط بكين وموسكو علاقات تجارية وثيقة مع طهران. لذلك تخشى الدولتان أن تستغل الولايات المتحدة القرار لتبرير القيام بعمل عسكري ضد إيران. حتى أن الصين أعلنت أنه ينبغي حذف أي إشارة إلى عقوبات محتملة أو إلى حرب من قرار الأمم المتحدة الذي يطالب إيران بالحد من برنامجها النووي. وكانت بريطانيا وفرنسا قد أبديتا استعدادهما لطرح مشروع القرار للتصويت هذا الأسبوع دون مساندة روسيا والصين، لكن امتناع أي من الدولتين عن التصويت من شأنه أن يظهر الانقسامات. يشار إلى أن ملف إيران أحيل إلى مجلس الأمن بسبب مخاوف من سعيها لامتلاك أسلحة نووية وهو ما تنفيه طهران. وإضافة إلى كوندوليزا رايس وفيليب دوست بلازي وسيرجي لافروف شارك أيضا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ووزراء خارجية الصين لي زهاوكسينج وبريطانيا مرجريت بيكت وألمانيا فرانك فالتر شتاينماير.
"رسالة نجاد" خطوة إيجابية أم هدنة سياسية؟
على الصعيد ذاته، أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك أن المحادثات "جرت على مستوى استراتيجي" وتناولت أيضا مسألة حقوق الإنسان في إيران ودعم هذا البلد المفترض للإرهاب. وقال ماكورماك إن رايس "تحدثت باختصار" عن الرسالة التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الاثنين إلى نظيره الاميركي جورج بوش مقترحا "وسائل جديدة" لخفض التوتر في العالم، واعتبرت واشنطن أن الرسالة لا تحمل جديدا. الرسالة ركزت بشكل أكبر على انتقاد السياسة الأمريكية الخارجية وجاء فيها أن "الديمقراطية والليبرالية الغربية قد فشلت." كما ركزت على حق كل دولة في القيام بتجارب علمية وأضاف أن لديه اقتراح لسبل جديدة لتسوية العديد من المشاكل التي تواجه الإنسانية. وقال الرئيس الإيراني إنه ينتظر الرد الأمريكي على هذه الرسالة في الوقت التي وصفها المسئولون الأميركيون بأنها تخرج عن سياق الخلاف الدائر حول برنامج طهران النووي.
أما الصحافة الإيرانية فقد أشادت بالرسالة. وجاء في بعض الصحف المعتدلة أن الرسالة تزيد الأمل في تهدئة التوتر بين البلدين، إذ أن مثل هذا الاتصال أياً كان محتوى الرسالة قد يقود الطرفين إلى محادثات مباشرة. وجاء في صحيفة (شرق): "مهما كان محتوى الرسالة، فإنها تخطت الخط الأحمر من اللامفاوضات. وإذا وجدت الرسالة رد فعل ايجابي, فإن فصلا جديدا قد يبدأ وبالتالي يصبح بإمكاننا التحدث عن احتمال إجراء محادثات والحصول على نتائج وسط ظلال الحرب." فيما امتدحت الصحف المتشددة ما وصفته بـ"جرأة" الرئيس الإيراني وحرصت على التأكيد على أن البادرة الدبلوماسية المفاجئة لا تشكل تنازلاً بأي شكل من الأشكال وقالت إن "الرئيس أمسك بزمام المبادرة في الدبلوماسية العالمية" مضيفة أن أحمدي نجاد أوضح فقط أن الدول النووية في العالم يجب أن "تقبل حقيقة إيران نووية." وأعربت صحيفة "سياسة روز" المحافظة كذلك عن "دعمها لتلك الخطوة." وقالت "نتوقع من الحكومة أن تجعل العدو يفهم أن عليه أن يغير مواقفه العدوانية، لأن المستقبل هو للإسلام."
اتفاق على اتخاذ خطوة واختلاف على ماهيتها
من جانبه أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الجميع متفق على ضرورة تسوية المشكلة النووية الإيرانية بالوسائل السياسية والدبلوماسية وأضاف: "نحن متفقون على ألا تتمكن إيران من امتلاك أسلحة نووية،" موضحاً أن الوزراء عبروا عن قلقهم من عدم تقديم إيران أجوبة حول نشاطاتها النووية وعدم وقفها برنامج تخصيب اليورانيوم. أما وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة مارجريت بيكيت التي تسلمت مهام منصبها الجديد منذ أربعة أيام فقط فقد أكدت أنه لا يعتزم أحد أخذ مسار التحرك العسكري وأضافت: "الكل مقتنع بأنه يتعين على إيران أن تتحرك صوب الإذعان لتوصيات ومطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الكل يريد أن يجد طريقاً لتحقيق ذلك. وجاءت تصريحات بيكيت على نفس الخط الذي اتخذه توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي استبعد أي غزو لإيران. وكانت وسائل الإعلام البريطانية قد رددت أن بلير نحى وزير الخارجية السابق جاك سترو الأسبوع الماضي الذي خلفته بيكيت بسبب موقفه المتساهل مع إيران. لكن بيكيت أشارت إلى أنه قد يكون من الضروري فرض عقوبات على عكس وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي عن استخدام كلمة عقوبات مفضلاً الحديث عن إجراءات "رادعة" لدفع إيران إلى "التعقل" وأضاف: "إما أن تتعاون إيران فيصبح عندها المجتمع الدولي مستعداً لطرح اقتراحات طموحة أولاً في مجال الطاقة وثانياً في المجال التجاري والتكنولوجي وربما أيضاً طموحها الأمني وإما أن تعتمد إيران موقفا منغلقا ولا تقبل بتعليق النشاطات النووية الحساسة أي تحويل اليورانيوم وتخصيبه بما في ذلك لأغراض البحث، وهو ما سيواجهه المجتمع الدولي بإجراءات رادعة". لكنه أكد أنهم لم يناقشوا تفاصيل مشروع القرار بعد وأنهم كلفوا السفراء بهذه المسألة. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه يجب تسوية عدة مسائل قبل اتفاق القوى الكبرى على مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي بخصوص البرنامج النووي الإيراني. ونقل عن شتاينماير قوله خلال مقابلة مع قناة (زد.دي.اف) التلفزيونية: "نريد أن نتأكد من أننا لن نبدأ شيئا قد لا يمكننا وقفه ويمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بعد ذلك. لا تزال هناك خمس أو ست مسائل يتعين البت فيها قبل إمكانية التوصل إلى مشروع قرار يدعو إيران إلى وقف تخصيب اليورانيوم".
إيران تبدي اهتمامها المجدد بالعرض الروسي
في الوقت ذاته، خففت إيران من لهجتها، إذ أعلن علي لاريجاني كبير المفاوضين الإيرانيين في القضية النووية أن الاقتراح بالسماح لطهران بتخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الروسية ما يزال مخرجا ممكنا للخروج من الأزمة الراهنة بشأن البرنامج النووي لبلاده لكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت. وأدلى لاريجاني بهذه التصريحات للصحفيين في العاصمة اليونانية أثينا بعد أن فشل وزراء خارجية الدول الكبرى في محادثات جرت مساء أمس الاثنين في نيويورك في الاتفاق على استراتيجية موحدة للتعامل مع إيران التي يشتبه الغرب في أنها تسعى لامتلاك اسلحة نووية. وتنفي إيران ذلك وتقول إن برنامجها سلمي لتوليد الطاقة النووية فقط. وقال لاريجاني: "... المجتمع الدولي متعجل للغاية ولم يسمحوا بالتوصل إلى اتفاق بشأن الاقتراح الروسي،" مشيرا إلى قرار إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن بسبب برامجها النووية. وصرح لاريجاني بعد أن اجتمع مع دورا باكوياني وزيرة خارجية اليونان أن الوقت مازال يسمح بالعودة إلى الخطة الروسية. وقال "لم يفت الوقت بعد لوضع الملف النووي الإيراني في الوجهة الصحيحة." وأبدت إيران من قبل اهتمامها بعرض موسكو لتخصيب اليورانيوم لصالح حكومة طهران في الأراضي الروسية للتعامل مع المخاوف الغربية من تحويل الوقود النووي لتصنيع الأسلحة. لكن كل المفاوضات السابقة عن الخطة انهارت بسبب إصرار إيران على حق إنتاج الوقود النووي في أراضيها ايضا." كما أعلن لاريجاني أنه لا دافع لانسحاب بلاده من معاهدة الحد من الانتشار النووي، خلافاً لما ألمح به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث هدد ضمناً بانسحاب إيران من هذه المعاهدة.