قنبلة أحمدي نجاد الدبلوماسية: تلطيف للأجواء أم مناورة لكسب الوقت؟
٩ مايو ٢٠٠٦بعد مرور 26 عاما على انقطاع العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية وجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أول رسالة من رئيس إيراني لرئيس أمريكي منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 وذلك من أجل الحد من شدة التوتر بين البلدين. أما فيما يتعلق بمضمون الرسالة فقد اكتفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين إلهام بقوله إن محمود أحمدي نجاد يقترح في رسالته على الرئيس بوش "وسائل جديدة للخروج من الوضع الهش الذي يعيشه العالم حاليا". وقال مسؤولون أمريكيون إن الرسالة التي تقع في 18 صفحة ربما جاءت في توقيت يستهدف التأثير على مناقشات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن إيران، في وقت تسعى فيه واشنطن لحشد تأييد حلفائها لإجراء أكثر صرامة ضد إيران لكنها تواجه مقاومة من الصين وروسيا لفرض عقوبات على طهران. وفي هذا السياق قال جون نجروبونتي مدير الاستخبارات الأمريكية للصحفيين في واشنطن: "نظرا لان قضية إيران أمام الأمم المتحدة حاليا، فمن المؤكد أن أحد الافتراضات التي يتعين التفكير فيها هو ما اذا كان توقيت إرسال هذه الرسالة يتصل بمحاولة التأثير بشكل ما على المناقشات في مجلس الأمن.
الرسالة لم تقدم حلولاً واضحة
ومن جهته أكد البيت الأبيض تلقيه رسالة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وأحيط بوش علما بمحتوياتها، إلا أن ما جاء بالرسالة لا يعالج بواعث القلق بشأن طموحات إيران النووية كما أكد سكوت مكيلان المتحدث باسم البيت الأبيض في حديث للصحفيين قائلاً: "هناك عدد من بواعث القلق لدى المجتمع الدولي بخصوص النظام الإيراني، والرسالة لا تفعل شيئاً فيما يبدو لمعالجتها". فالرسالة تورد تفاصيل ما اعتبره نجاد أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية ودافع فيها عن البحث العلمي كحق من الحقوق الأساسية للأمم. وتتطرق الرئيس الإيراني إلى الشبه بين الغزو الأمريكي للعراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل وبين التهديدات التي تواجهها إيران مشيراً إلى أكاذيب البيت الأبيض لتبرير الحرب وهي الآن تعاني من العواقب. وكتب الرئيس الإيراني: "وبذريعة وجود أسلحة دمار شامل جاءت هذه المأساة لتشمل شعبي الدولتين المحتلة والتي قامت بالاحتلال. وتكشف فيما بعد انه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل من الأساس". كما تتطرق لقضية إسرائيل وأبدى دهشته من معارضة البعض للحكومة الفلسطينية الجديدة التي تقودها حركة حماس. تساءل نجاد أيضاً حول كيفية وقوع هجمات 11 سبتمبر ايلول على الولايات المتحدة عام 2001 دون معرفة أجهزة المخابرات والأمن الأمريكية واسعة الانتشار. وفي النهاية أضاف أن القيم الدينية التي يشترك فيها العالم بأسره يجب أن تحكم الحياة السياسية، فالشعوب ستحاسب الرؤساء على مدى نجاحهم في إحلال السلام، لكن الرسالة لم تقدم مقترحات عملية لحل الخلافات بين الغرب وطهران بشأن طموحاتها النووية.
"علاقة الذئب بالنعجة"
صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي أن منوشهر متكي قد حمل يوم الاثنين الثامن من الشهر الحالي سفير سويسرا، التي تتولى المصالح الأمريكية في إيران منذ انقطاع العلاقات معها، رسالة أحمدي نجاد إلى بوش. وأفادت مصادر غربية في إيران أن العلاقات بين البلدين قد اقتصرت حتى الآن على اتصالات دبلوماسية على مستوى وزارات خارجية البلدين واتسمت بطابع السرية. من جهتهم استبعد دبلوماسيون إيرانيون إجراء مفاوضات مباشرة مع واشنطن وأضافوا أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتعامل مع إيران على أساس المساواة. وهذه إشكالية قديمة أشار إليها آية الله الخميني في الثمانينات قائلا إن علاقة الولايات المتحدة بإيران أشبه ما تكون بعلاقة الذئب بالنعجة. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي يوم الاثنين إن "الولايات المتحدة تحاول إقناع الدول الأخرى بتبني سياستها ضد إيران بأسلوب يقوم على الترهيب لذلك فإننا نعتقد أن الظروف ليست مواتية حاليا من أجل مباشرة مفاوضات تقوم على الاحترام."
علاقات بين إيران وأمريكا
جاء انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في السابع من نيسان / أبريل عام 1980، في ظل أزمة ابتدأت حين قامت مجموعة من الطلبة الإيرانيين باقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز 52 رهينة أمريكية لمدة 444 يوما. وفي الثمانينات التقى مسئولون أمريكيون بزملاء إيرانيين مرارا. وخاصة أثناء فضيحة "إيران كونترا" حين قامت واشنطن ببيع أسلحة لإيران لقاء مساعدتها في تحرير رهائن أمريكيين احتجزوا آنذاك في لبنان. كما عرض الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1995 على شركة كونوكو الأمريكية عقد غاز طبيعي بقيمة مليار دولار، لكن الرئيس بيل كلنتون رفض ذلك في حينه. ومما يزيد من توتر العلاقات الأمريكية الإيرانية هو العداء الذي تكنه إيران لإسرائيل، ويعتبر عقبة للتطبيع بين البلدين، ناهيك عن تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأنه "يتعين محو إسرائيل عن على خارطة العالم". بالإضافة إلى الخوف من إيران الذي أكد عليه بوش أيضا في حديث له مع الصحيفة الألمانية "بيلد أم زونتاغ" قائلا إن "هذه التصريحات يجب الحذر منها باعتبارها تهديدا خطيرا لإسرائيل وغيرها من الدول"، فإسرائيل تقع على مرمى الصواريخ الإيرانية.
استراتيجية "عزل إيران ماليا"
أفاد مسئولون رسميون أوروبيون في مقابلات مع فرانس برس أن الولايات المتحدة أعدت استراتيجية تهدف إلى عزل إيران ماليا من قبل المجموعة الدولية المالية" وذلك بسبب برنامجها النووي. وقال مسئول غربي لا يريد أن يكشف عن هويته إن " الهدف يكمن في عزل النظام الإيراني عبر خلق دينامكية تقوم بموجبها المجموعة الدولية المالية بعزل حكومة الجمهورية الإسلامية أو الأعضاء الرئيسيين فيها. وأشار المسئول إلى أن هذه التدابير من الممكن أن تتضمن خطوات كعزل أنصار انتشار أسلحة الدمار الشامل في إيران ماليا، وعزل المسئولين في نظام الحكم الإيراني والمتورطين ماليا في تصرفات غير قانونية، وإقفال الحسابات المالية للحكومة الإيرانية، ووقف إجراء التعاملات المالية الرسمية للحكومة الإيرانية، وتجميد أرصدة الحكومة الإيرانية ومنع تخصيص قروض تصدير من أجل مشاريع في صالحها.
وأفاد مسئول رسمي أنه "بالنظر إلى الوضع المصرفي الدولي" لإيران، فإنه على الولايات المتحدة أن تطلب مساعدة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبشكل منفصل اليابان". ومن المتوقع أن يعقد وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا اجتماعا مخصصا للملف النووي الإيراني. كما ويعقد مندوبو الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن اجتماعا اليوم الاثنين من أجل البحث في مشروع قرار فرنسي بريطاني بدعم أمريكي في سبيل إلزام إيران بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم دون أن ينص على عقوبات ما.