الحراك الشعبي في لبنان ـ مخاوف من الانزلاق نحو المجهول
١٧ ديسمبر ٢٠١٩يشهد لبنان منذ شهرين حراكاً شعبياً غير مسبوق وسط موجة احتجاجات كبيرة منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول أدت إلى استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء وسط غضب واتهامات للحكومة بالاخفاق في معالجة أسوأ أزمة اقتصادية بالبلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وحتى اليوم لا يزال اللبنانيون في الشارع، مطالبين بتنحي الطبقة السياسية مجتمعة، ويحملون عليها فسادها وعجزها عن وضع حدّ للأزمة الاقتصادية الحادة، فيما لاتزال تلك الطبقة السياسية مختلفة فيما بينها على تسمية رئيس للحكومة دون وجود حلول لكيفية حلحلة الأزمتين السياسية والاقتصادية.
شارع لبناني..أم شوارع لبنانية؟
ولعل أكثر ما يلقي بظلال الخوف على المشهد اللبناني هو حدوث حالة انقسام في الشارع. فحتى الآن لم يظهر للحراك قيادة موحدة واضحة يمكنها أن تفاوض السلطة الحالية على مطالب محددة. صحيح هناك عدد من الخطوط العريضة حدث عليها توافق لدى قطاع عريض من اللبنانيين، لكن دون وجود قيادة حقيقية للحراك.
وترى الدكتورة ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية أنه لا توجد مطالب موحدة لدى المتظاهرين في الشارع اللبناني، "والحقيقة أنه ليس شارع واحد وإنما شوارع متعددة، وهذا ما يصعب الاتفاق على رؤية موحدة لما يمكن أن تكون عليه الأمور في لبنان مستقبلاً"، مضيفة في مقابلة مع DW عربية أن "عدم وجود قيادة موحدة يجعل من الصعب تحقيق أي مطالب حقيقية، إضافة إلى وجود التمويل الخارجي والتدخلات الخارجية والتي تجعل الممول يملي شروطه ويفرض أجندته ما يعقد الأمور أكثر".
تتفق مريم قصار القيادية بجمعية "وردة بطرس” والناشطة بالحراك اللبناني مع فكرة صعوبة توحيد الشارع تحت قيادة واحدة. وتضيف قصار في حوار مع DW عربية أن "سبب الصعوبة هو أن الشارع متنوع للغاية لكن ما يمكن عمله حالياً هو توحيد المطالب وهو أمر متفق عليه إلى حد كبير".
مطالب متفق عليها؟
من العوامل المثيرة للقلق أيضاً في أي حراك شعبي عدم وضوح الرؤية أو المطالب، خاصة إن كان الحراك قد وقع كردة فعل دون تنسيق مسبق بين المشاركين فيه. لكن هل تخطى الشارع اللبناني هذه المرحلة؟.
يتمسّك المتظاهرون بتشكيل حكومة مؤلفة من اختصاصيين فقط (تكنوقراط)، لإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور. ويتهم المتظاهرون السلطة بالسعي إلى الالتفاف على مطلبهم هذا بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين بعيداً عن الوجوه السياسية التقليدية، وهو مطلب يأتي ضمن جملة من المطالب الأخرى.
وتقول مريم قصار الناشطة بالحراك اللبناني إن الشارع في أغلبه متفق على عدة مطالب مثل وجود حكومة ليست مرتبطة بأطراف الحكم الحالي، وأن تكون حيادية وليس بالضرورة أن يكون عدد الوزراء فيها كبيراً، بل يمكن الاكتفاء بعدد قليل يحقق المطلوب من إقرار القانون الانتخابي وفتح ملفات الفساد واستعادة المال المنهوب ومحاسبة الفاسدين.
ومن بين المطالب أيضاً بحسب ما قالت قصار- إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية بدلاً من القوانين المتعددة لكل طائفة والتي تعمق الفرقة بين اللبنانيين، حسب قولها. وحق المرأة في منح جنسيتها لأولادها وقانون للانتخابات يجعل لبنان كله دائرة واحدة ويخرجه من دائرة الطائفية. وتتساءل الناشطة اللبنانية قائلة: "كيف يكون لدينا 128 نائبا و 33 وزيرا، وكل هؤلاء لا يستطيعون الاتفاق ويريدون من عدة ملايين -الشعب- الاتفاق؟ هل هذا منطقي؟"
ورفض المتظاهرون إعادة تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة قائلين إنه "إعادة انتاج للحكومة ذاتها وفق المنظومة السياسية القديمة". لكن وحتى إن توافقت القوى السياسية على تسمية رئيس جديد للحكومة فلا يعني ذلك أن ولادتها ستكون سهلة، إذ غالباً ما تستغرق هذه العملية في لبنان أشهراً عدة جراء الخلاف على تقاسم الحصص.
وفيما يصرّ الحريري على أن يترأس حكومة اختصاصيين فقط (تكنوقراط)، أعلن حزب الله، أبرز خصومه السياسيين، أنه لا يعارض تكليفه على أن يشكل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيسي، منبهاً في الوقت ذاته الى أنّ "عملية التأليف لن تكون سهلة". وأعلنت الرئاسة اللبنانية (الاثنين 16 ديسمبر) أن الرئيس ميشال عون أرجأ الاستشارات النيابية، المعنية بتكليف رئيس للحكومة اللبنانية القادمة، إلى الخميس القادم.
ووفقا للدستور اللبناني ، يتعين على الرئيس التشاور مع الكتل البرلمانية قبل أن يكلف رئيس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة. كما ينص الدستور أيضًا على أن يكون الرئيس مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيًا.
مخاوف من الانزلاق نحو حرب أهلية
كلما ذكر لبنان قفز الى الذهن شبح الحرب الأهلية التي مر بها والتي مزقت البلاد ودمرت الاقتصاد الذي لم ينجح الى اليوم في التعافي من اثر تلك الحرب.
وبالأمس أصيب عشرات الأشخاص، في مواجهات عنيفة اندلعت بين مناصري حزب الله وحركة أمل والقوى الأمنية في وسط بيروت على خلفية فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يُعرف تاريخ تصويره، يظهر شاباً، قيل إنه خارج البلاد ويتحدر من مدينة طرابلس، يتوجه بالإهانات لمقدسات الشيعة.
وقال محتجون إن العنف تم تنفيذه "من قبل متسللين ينتمون إلى الجماعتين الشيعيتين، حزب الله وحركة أمل".
وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الاتهامات من عدمها، فهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها مناصرون من حزب الله وحركة أمل ساحات التظاهر، التي تكون خالية ليلاً من المتظاهرين. وحذّر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من الإنجرار إلى ما صفوه بـ"الفتنة"، معتبرين أن وقوعها يخدم الطبقة السياسية فقط واستهداف ساحات التظاهر.
ولا تعتقد دكتورة ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية أن الأمور يمكن أن تتطور إلى حرب أهلية ، "لكن الأمر عموماً لا يخلو من بعض الفوضى المنضبطة لأن مقومات قيام حرب اهلية غير متوافرة في الحالة اللبنانية الحالية كما أن ميزان القوى في لبنان ليس متكافئا على وجه الإطلاق".
وترى مريم قصار الناشطة بالحراك اللبناني أن ما حدث بالأمس من احتكاكات بعد 60 يوماً من التظاهرات ولم يتسع ولم يستمر وكان في إطار ضيق للغاية هو أمر له دلالة على فشل محاولات خلق الخلاف والفرقة في الشارع اللبناني.
كلمات مريم قصار أكد عليها مغردون وناشطون لبنانيون نشروا فيديوهات وأطلقوا وسم #لا_للفتنة على مواقع التواصل الاجتماعي يرفضون فيها تقسيم اللبيانيين من جديد بعد أن اتحدوا تحت مطالب وطنية:
وتوضح قصار قائلة: ما حدث كان ردة فعل على فيديو مسيء وعدم اتساع نطاق هذه المصادمات هو دليل على أن الشعب اللبناني بفهم جيداً ما يراد أن يحاك له وأن وعيه مرتفع، مشيرة إلى أن "التفاف الناس حول مطالب وطنية جعلهم ينزعون عن أنفسهم ثوب الطائفية ويغيرون من أولوياتهم، ولو أن ما يفعله من يريدون إفشال الحراك سينجح لكان قد نجح منذ شهرين وليس الآن".
عماد حسن