2020 والشرق الأوسط.. عام الحرب بين إسرائيل وإيران؟
١٧ ديسمبر ٢٠١٩تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل مجددا منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي 2018 من الاتفاق الذي يعرف بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة" للحد من أنشطة إيران النووية مقابل رفع العقوبات التي فرضتها عليها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الموقع مع إيران عام 2015. يأتي ذلك وسط عجز الأوروبيين الموقعين على الاتفاق عن إنقاذ الاتفاق التجاري مع إيران ومنعها عن إعادة تخصيب اليورانيوم منذ منتصف عام 2019.
وبمبدأ "العين بالعين" يتصارع وكلاء الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في الخليج الفارسي وتتصاعد الهجمات الإسرائيلية على وكلاء إيران في سوريا والعراق. وبين طهران عداوة مع تل أبيب عداوة منذ 1980 لكن تصاعدت الأزمة بينهما بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003. ورغم أن الحضور الأمريكي كان مهيمنا إلا أن انسحابها ترك فراغا في العراق وسوريا. كما أن المملكة العربية السعودية التي تصارع في نزاعها مع الحوثيين باليمن حليف ضعيف للولايات المتحدة ضد التمدد الإيراني.
لكن محللين يقولون إن تدهور الالتزام ببقايا الاتفاق النووي وتقلبات الانتخابات في إسرائيل وإيران والولايات المتحدة وكذلك الافتقار إلى الاستقرار الإقليمي الشامل يثير الشكوك في أن الصدام العنيف بين طهران وتل أبيب يمكن أن يخرج عن السيطرة.
ووصف الخبير في الشأن الإيراني بمجموعة الأزمات الدولية، علي فايز، الصراع بأنه "الطنبور الذي يعمل إلى جانب واحد فقط ويشتد بمرور الوقت"، مضيفا أنه "يوجد مخاطر حقيقية من سوء التقدير الذي يمكن أن يدفع الأطراف إلى مواجهة أكبر".
سلسلة من الهجمات
نفذت إسرائيل، لفترة طويلة هجمات غير معلنة على أهداف إيرانية في سوريا، لكن في الأشهر الأخيرة رأينا مسؤولين يدعون علنا إلى تكثيف الهجمات وتوسيع مسرح العمليات. وهاجمت إسرائيل أكثر من 200 هدف مدعوم من إيران في سوريا خلال عامي 2014 و2018. وفي اعتراف نادر، تبنى الجيش الإسرائيلي في نوفمبر/ تشرين الثاني، واحدة من أكبر الهجمات على أهداف إيرانية وسورية في دمشق بالسنوات الأخيرة في خضم اشتعال العنف في غزة.
وزادت حدة العمليات منذ توترات الخليج بداية مايو/ أيار، عندما نشرت الولايات المتحدة قواتها حول مضيق هرمز بعد الهجوم على عدد من ناقلات النفط وسقوط طائرات دون طيار. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح المسؤول عن الهجوم الذي استهدف ناقلة النفط الإيرانية بالبحر الأحمر في أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو قال في نوفمبر/ تشرين الثاني إن إسرائيل وسعت عملياتها ضد إيران لتصل إلى اليمن "لمنعها من ترسيخ نفوذها في المنطقة".
كما جرى استهداف قواعد لقوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران مع مليشيات شيعية بالقرب من بغداد هذا العام، رغم أن المسؤولين عن تلك الهجمات غير معروفين.
نفوذ إيران المتزايد
وزادت إيران من نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. في سوريا، عززت عملياتها مع الرئيس السوري بشار الأسد. وفي العراق تدعم طهران الأطراف السياسية ومليشياتها الشيعية منذ الغزو الأمريكي في 2003. وفي اليمن، تدعم الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية.
وفي الشمال من إسرائيل، حافظت إيران على دعم إستراتيجية حزب الله -أقوى حزب سياسي لبناني- مع قواته شبه العسكرية الواسعة تعتبر أكثر قوة من الجيش اللبناني. يقول مسؤولون أمريكيون إن إيران نقلت أجزاء صورايخ لحلفائها في اليمن. في ديسمبر/ كانون الأول، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، عن مسؤولين لم تذكر أسمائهم أن إيران بنت ترسانة من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في العراق.
يقول تريتا بارسي نائب الرئيس التنفيذي بمعهد كوينسي -مركز أبحاث مقره واشنطن-، إن إيران تحاول إنشاء توازن في المنطقة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية اللتين تتفوقان بشكل كبير على المعسكر الإيراني، وعلى الجانب الآخر تملك إسرائيل أسلحة نووية وسلاح جوي محدود من طائرات مقاتلة أمريكية لا يستطيع منافستها إلا الصاروخ الإيراني.
أرامكو "تغير اللعبة"
في سبتمبر/ أيلول، تغير التهديد الإسرائيلي بطريقة دراماتيكية في أقصى الخليج عندما استهدفت طائرات مسيرة وصورايخ كروز بالستية قصيرة المدى منشأتي بقيق وخريص النفطيتين التابعتين لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية وقطعت إنتاجها إلى النصف حيث يعتقد أن الهجوم نفذته إيران. لكن جماعة الحوثي باليمن حليفة إيران تبنت الهجوم، في الوقت الذي أنكرت إيران صلتها به.
"هجوم أرامكو كان بمثابة تغير في موازين اللعبة بالمنطقة"، يقول فايز، مشيرا إلى أن الدفاعات الإسرائيلية تصدت لصورايخ بالستية لكنها لم تستطيع منع صواريخ كروز التي تطير على ارتفاعات منخفضة وتضررت منها السعودية. ويؤكد فايز أيضا أن أي من الدفاعات الإسرائيلية لا تستطيع منع "السيناريو الكابوسي" إذا ما شنت إيران هجوما كيميائيا أو نوويا "يجعل أجزاء من إسرائيل غير صالحة للعيش لعقود".
في مواجهة هذا الخطر الأكبر، يضيف فايز أن "السؤال إلى إسرائيل سواء أنها يجب أن تتجنب الصدام وتسمح للتهديد أن يحيق بها، أم أنها تأخذ الخطر على محمل الجد وتقضي عليه في المهد". يؤيد نتنياهو، فكرة القضاء على الخطر الذي يحاك ضد إسرائيل في المهد، لأن إيران أعادت تشغيل برنامجها النووي وحلفائها ربما يصعدون هجماتهم على نحو متزايد.
انهيار الاتفاق النووي؟
كان تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشف في سبتمبر/أيلول، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كاد أن يشن هجوما على إيران في عام 2012. وكان سيسحب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما إلى حرب ضد إيران الذي لعب دورا بارزا بعد ذلك في إبرام اتفاق نووي مع إيران عام 2015. ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، حاولت بريطانيا وألمانيا وفرنسا ضم دول أخرى إلى آلية التبادل التجاري التي أسستها لتفادي العقوبات الأمريكية لكنها فشلت في وقف خروج الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية.
وكطريقة لخلق قوة فاعلة، انتهكت إيران الاتفاق النووي على الأقل أربع مرات. وزادت من عمليات تخصيب مخزون اليورانيوم إلى مستوى وصلت نسبته إلى 4.5 بالمئة. ويعني الوصول إلى هذا المستوى أنها أجرت مزيدا من التخصيب، وأنه أصبح من السهل على إيران الحصول على سلاح نووي في غضون عام من انهيار الاتفاق الاتفاق النووي، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
لكن الخبير في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز، قال إن "هدف إيران ليس امتلاك قنبلة ولكن لرفع تكلفة الضغط الأمريكي عليها وإجبار الموقعين على الاتفاق النووي للإبقاء عليه".
وتصدت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي لترتيب فرض عقوبات جديدة على إيران عن طريق الأمم المتحدة الأمر الذي لم يكن يقتصر على انهيار الاتفاق النووي وحسب، بل يمتد تأثيرها إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن إيران ستتخذ خطوة أخرى في خرق الاتفاق النووي يناير/ كانون الثاني المقبل.
اختلاف الرؤى
وفي خضم تلك التواترات، تقول سنام فاكيل، رئيسة المنتدى الإيراني بمعهد تشاتام هاوس البريطاني، إن "موقف الاتحاد الأوروبي يتوافق ببطء مع الولايات المتحدة"، مشيرة إلى أنه إذا وصلت نسبة التخصيب إلى 20 بالمئة - التي وصلت إليها قبل الاتفاق- سينهار الاتفاق الذي بمثابة خط أحمر لإسرائيل.
وربما تدفع الاحتجاجات على النفوذ الإيراني في لبنان والعراق في الضغط على حكومة طهران نحو المفاوضات الدبلوماسية، بحسب فاكيل، "مثلما تأتي الأخبار، فهمنا أن التظاهرات أكثر عنفا وتهديدا مما كنا نعتقد"، مضيفا: "هذا ربما بمثابة جرس إنذار لحسابات إيران لدفعها إلى المفاوضات أو احتمال التصعيد، حيث نُحيت إيران الآن جانبا، وأصبحت خياراتها محدودة لمواصلة الصدام مع واشنطن".
لكن علي فايز يقول إنه "بينما تشارك واشنطن الرأي بأن الاحتجاجات إشارة إلى أن ورقة الضغط الاقتصادية فعّالة، كانت وجهة نظر طهران أنهم نجحوا في التراجع ضد الولايات المتحدة بتكلفة قليلة، وهاجموا أرامكو دون أي عواقب وسحقوا الاحتجاجات في غضون أيام، مما خلق شعورًا بالثقة بالنفس".
يرى فايز أن هذه الخلافات في الروئ تُبقي الخطر الرئيسي قائما، حيث باب التصعيد بين طهران وواشنطن يبقى مفتوحا، ويحتمل أن ينتهي به المطاف في صراع لا يريده أحد، لكن يمكن أن يخرج بسهولة عن السيطرة.
الحل الدبلوماسي يبتعد
ومع قرب الانتخابات في إيران والولايات المتحدة وإسرائيل تنغلق نافذة الحل الدبلوماسي. وقد يلجأ ترامب ونتنياهو إلى وسيلة لصرف الانتباه أو إعاقة أي حل قبل الاقتراع. في نفس الوقت قد تقدم إيران على التعامل مع ترامب وهو منشغل بالانتخابات دون أن تقدم تنازلات، وهنا سيفقد روحاني الدعم في البرلمان للمتشددين.
كما قد تفتح سمعة ترامب على أنه يعتمد أكثر على تويتر الباب أمام سوء تقدير ردة فعل الرئيس الأمريكي من جانب إيران. يقول فايز، "ربما يقف الرئيس ترامب ليحقق مكاسب محلية بالرد على الاستفزاز الإيراني".
وليس لدى إيران شيء يذكر لتخسره، بعد أن أبقت على التزامها بالاتفاق دون أي عائد، كما أن اندفاعها مجددا في برنامجها النووي لم يكن له أثر. ربما أيضا ترى طهران أن ترامب لن يرد عليها مهما فعلت. وقال فايز "هذا المزج من أن هناك القليل لخسارته والقليل للخوف منه هو شديد الخطورة."
توم ألينسون/ محمد مجدي