الأزمة في لبنان.. لماذا كل الطرق تؤدي إلى الحريري؟
١١ ديسمبر ٢٠١٩يمضي الوقت والأزمة اللبنانية مازالت تراوح مكانها رغم كل التحذيرات من أن الوضع الاقتصادي أصبح على شفير الانهيار. فالاحتجاجات الغاضبة من النخبة السياسية المتهمة بالفساد مازالت متواصلة، والسلطة عاجزة عن تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة سعد الحريري تحت ضغط الشارع.
رئيس الوزراء المستقيل، سعد الحريري، تحول إلى العنوان الأبرز لحالة الجمود التي تشهدها المشاورات لتشكيل حكومة جديدة، فبينما ينتشر في كل مرة الحديث عن شروط يضعها (الحريري) للعودة إلى رئاسة الحكومة ويعلن هو شخصيا أن استقالته لا رجعة فيها، يتزايد الإصرار عليه، سواء من ممثلي طائفته أو حتى من تيارات سياسية أخرى. فلماذا هذا الإصرار على الحريري داخليا، وما مكانته على الصعيد الإقليمي؟
الإصرار على الحريري
السيناريو ذاته يتكرر في لبنان وفي غضون أسابيع؛ ففي كل مرة يقترب فيها الإعلان عن التوافق على وجه جديد لتشكيل حكومة لبنانية منذ استقالة الحريري، يعتذر هذا الإسم في آخر لحظة ليعود الوضع إلى المربع الأول. فبعد بهيج طبارة ومحمد الصفدي، جاء الدور على رجل الأعمال اللبناني سمير الخطيب ليعتذر هو الآخر عن تشكيل الحكومة الجديدة.
الصفدي رشح الحريري والخطيب أعلن أن هناك توافقا على رئيس الوزراء المستقيل داخل الطائفة السنية. هذا الإصرار على الحريري يقابله إصرار من الأخير على عدم التراجع عن استقالته ما لم تنفذ شروطه، ما يفتح لبنان على أكثر من سيناريو منها تكرار الأزمة الحكومية السابقة.
الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية يقول في مقابلة مع DW عربية إن الإصرار على الحريري يأتي من منطلق المبدأ الذي وضعه رئيس الجمهورية (ميشال عون) ويكمن في أن "القوي في طائفته هو من يحكم" والحريري هو القوي في الطائفة السنية. ويضيف قمورية أن الحريري لم يُسَم أحدا لخلافته من طائفته، كواحد من البدائل التي اقترحت عليه، ولكن عندما سُمي الصفدي ثم الخطيب كان يجعل أنصاره يخرجون لرفض ترشيح أي منهما. بالتالي فإن الحريري "يناور" وهو بذلك يضغط لكي يعود إلى الحكومة ولكن بشروطه.
والشرط الأساسي حسب الخبير اللبناني هو تشكيل حكومة تكنوقراط وهو ما يرفضه بالخصوص الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، لأنه سيعني خسارتهما للأفضلية التي حققاها في الانتخابات الأخيرة، كما يقول قمورية.
أين السعودية مما يحدث في لبنان؟
رغم ذلك فإن "الثنائي الشيعي" هو نفسه يريد أن يبقى الحريري على رأس الحكومة. عن أسباب ذلك يقول قمورية إن عودة الحريري للحكومة ستعني بالنسبة لحزب الله وحلفائه عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاحتجاجات الشعبية، أي حكومة مستقرة له فيها نفوذ. ويزيد من تعقيد المشهد اللبناني أبعاده التي تتجاوز حدود البلد وترتبط بدول إقليمية لها نفوذ كبير، وفي الوقت ذاته مصالح متناقضة في لبنان، وعلى رأس هذه الدول الغريمان السعودية وإيران.
وعما إذا كان الحريري ما يزال رجل السعودية في لبنان رغم أزمة 2017، يقول قمورية إن السعودية لو لم تكن تدعمه حتى الآن لاختارت شخصية أخرى من تيار المستقبل نفسه لدعمها، ولكنها مازالت على موقفها من الحريري وشروطه الآن تناسبها وإذا تحققت (تشكيل حكومة تكنوقراط) فسيعني ذلك سقوط "التسوية" التي كانت السبب في الأزمة بين الحريري والرياض. ويقصد قمورية بالتسوية تشكيل حكومة من التيار الوطني الحر (حزب الرئيس ميشال عون) والثنائي الشيعي والحريري.
وكانت العلاقات بين الحريري والرياض شهدت في نوفمبر 2017 تدهورا وصل إلى حد إعلان الحريري استقالته من السعودية وسط اتهامات للمملكة باحتجازه وإجباره على ذلك بسبب غضبها من تنامي نفوذ حزب الله في لبنان، وهو ما تنفيه الرياض.
الحريري رجل الغرب أيضا في لبنان
بالإضافة إلى كونه "الأقوى في طائفته"، رغم أن أحد أهم مطالب الحركة الاحتجاجية الحالية هو إلغاء المحاصصة الطائفية في البلد، وعلاقاته الجيدة بدول الخليج خاصة السعودية التي يحمل جنسيتها، يُحسب للحريري أيضا علاقاته القوية بالغرب خصوصا فرنسا التي يحمل أيضا جنسيتها والولايات المتحدة، لدرجة أنه ينسب لباريس الفضل في "إنقاذه" من غضب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إبان أزمة 2017.
وفي هذا السياق يقول قمورية إن هناك وعيا لدى التيارات السياسية الأخرى، حتى تلك المدعومة من إيران، بأهمية اسم الحريري الذي يمكن أن يكون غطاء لمساعدات من الخارج يحتاجها لبنان بالخصوص في الوقت الحالي والأوضاع الاقتصادية في تدهور كبير.
يُضاف إلى ذلك، حسب الخبير، أنه رغم "كون حزب الله وحلفائه يحظون بغالبية نيابية وحتى إن تمكنوا من تشكيل حكومة أغلبية، إذا لم يوافق عليها زعيم الطائفة السنية ستكون أشبه ببطة عرجاء". علاوة على ذلك ستكون "حكومة إيران التي سيعاقبها الغرب" حسب تعبير قمورية.
يشار إلى أن باريس ستستضيف غدا مؤتمرا دوليا خاصا بلبنان، وتكمن أبرز أهدافه في الدفع نجو تشكيل حكومة لوضع حد للأزمة السياسية وإجراء إصلاحات اقتصادية. ويقول قمورية إن فرنسا أكثر دولة غربية مهتمة بأن يبقى لبنان مستقرا، لأنه "الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي مازال لديها فيها نفوذ، فقد فقدت نفوذها في العراق، وتفقد جزءا من نفوذها في ليبيا"، بالتالي ففرنسا معنية جدا بأن يتوصل اللبنانيون إلى حل ينهي الأزمة المتصاعدة، حسب اعتقاده.
سهام أشطو