الجزائريون متفقون حول ضرورة التغيير لكنهم مختلفون حول السبيل إليه
٢٢ فبراير ٢٠١١بينما أعلنت مصادر رسمية في الجزائر ان الحكومة الجزائرية اقرت اليوم الثلاثاء (22 فيبراير/شباط) أمرا برفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ تسعة عشرعاما في تنازل يستهدف تجنيب البلاد موجة من الاحتجاجات تجتاح العالم العربي. يستمر الجدل في البلاد حول فرص تنظيم إحتجاجات جديدة، بعدما تعرضت محاولات سابقة للمحاصرة والمنع من قبل قوات الشرطة، تطبيقا لقانون الطوارئ.
وقد اختلف المنظمون والصحافيون ورجال الأمن حول عدد المشاركين في المظاهرة التي نظمتها "تنسيقية التغيير والديمقراطية"الجزائرية المعارضة نهاية الأسبوع الماضي، فقد قدرهم المنظمون على لسان المحامي مصطفى بوشاشي رئيس اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بخمسة آلاف، فيما قدرتهم مصالح الأمن بمائة وخمسين. وأيا كانت الأرقام، فإن جل المراقبين يتفقون على أن عدد المشاركين في المظاهرة الثانية أقل ممن شاركوا في المظاهرة الأولى قبل أسبوع.
وقد اشتكى منظمو المظاهرة من تدخل قوات الأمن بشكل" مكثف وعنيف لتفريق المتظاهرين وإصابة نائب برلماني" ونفت قوات الأمن ذلك، لكن لوحظ وقوفها (مصالح الأمن) متفرجة من دون أي تدخل عندما وقع اشتباك بين خصوم بوتفليقة الذين نظموا المظاهرة وكانوا يحاولون الدفاع عن أنفسهم من اتهامات أنصار بوتفليقة ب"التعصب اللغوي وبمعاداة مبادئ الشعب العربية الإسلامية".
وعندما وصل منظمو المظاهرة إلى ساحة أول مايو بعد الثامنة صباحا بقليل، وجدوا أنفسهم لوحدهم قبالة قوات الأمن، يرددون الشعارات الداعية ل"تغيير النظام" و"جزائر حرة ديمقراطية" و"السلطة قاتلة" و"الشعب يريد إسقاط النظام". إلا أن أنصار بوتفليقة أطلوا عليهم من الشوارع المحيطة بساحة أول مايو مكان التجمع، واختلطوا بهم، وحدثت بعض الاشتباكات بالأيادي واللسان، ثم بدأت تهدأ الأمور وتواصلت الهتافات والهتافات المتبادلة بين الفريقين.
مخاوف جزائرية من سيناريو عنيف
وحول رأيه في فرص نجاح الاحتجاجات التي تسعى بعض قوى المعارضة تنظيمها، يقول سليمان شنين مدير مركز الرائد للدراسات الاستراتيجية حول هذا الوضع: " أنا متفائل جدا، التغيير قادم لكنه ليس اليوم، صحيح أن المسيرة قد فشلت إلا أن كل مسببات الانفجار متوفرة، أنا موقن أن النظام سيتغير لا محالة". وقد صرح سليمان شنين بهذا لدويتشه فيله، عندما هاجم أنصار بوتفيلقة خصومهم بالألعاب النارية، وكان المشهد أقرب إلى الحرب أحيانا لكن لم تنزلق الأمور إلى ما لاتحمد عقباه.
و يقول سمير أحد شباب حي بلكور: " أين كان هؤلاء في التسعينات عندما كانت تعاني الجزائر من ويلات الإرهاب...والناس يموتون هنا في العاصمة وفي مدن أخرى، أنا مع بوتفليقة الذي قضى على الإرهاب، يحيا بوتفليقة".
وتتساءل المحللة السياسية غنية عكازي في حوار مع دويتشه فيله قائلة: "إن ما يجري في الجزائر الآن لا يعكس فكر التغيير الشامل الذي ينتظم الآن في البلاد العربية الأخرى، بل وسقط بسببها زين العابدين بن علي في تونس ثم مبارك في مصر وربما القذافي في ليبيا". وتضيف غنية عكازي: "أعتقد أن للجزائر خصوصية في الظرف الحالي، وتتوفر فيها كل شروط الانفجار الهائل، إلا أن الشعب لا يريد خوض تجربة دموية كما حدث في التسعينات، بل يريد أن تفهم الدولة نفسها وتحدث التغيير بنفسها".
ويقول فؤاد حي القصبة لدويتشه فيله: " لقد كنت أرى بأم عيني الرؤوس المقطوعة زمن الإرهاب في التسعينات، ولا أريد خوض نفس التجربة الآن ، ما حدث في تونس مهم جدا، لكنني خائف جدا من التغيير المفاجئ في الجزائر."
وتحمل هذه الإشارات مخاوف من دور الجيش الذي له ثقل كبير في الحياة السياسية بالبلاد، واحتمال تدخل عنيف منه ضد المتظاهرين. إذ ما يزال تظاهر ممنوعا في الجزائر العاصمة بمقتضى قانون الطوارئ، الذي وعدت الحكومة برفعه.
التغيير آت والسؤال متى؟
ومن يتابع ما تنشره الصحافة الجزائرية، يرصد انقساما ملحوظا بين آراء للمتظاهرين ونجد صداها خصوصا في الصحف الناطقة باللغة الفرنسية، بينما تميل الآراء في صحف عديدة ناطقة باللغة العربية إلى معارضة للمتظاهرين ولكن ليس من أجل تأييد بوتفليقة، وإنما للقول إجماعا بأن التغيير في الجزائر يجب أن يكون سلميا هادئا، لأن الجزائر قد دفعت الثمن باهضا زمن الأزمة الأمنية في تسعينات القرن الماضي.
و قد علمت دويتشه فيله من مصادر حكومية، أن هناك قرارات بالغة الأهمية ستتخذ قبل نهاية الشهر فبراير/شباط الحالي، و لكن لا يُعلم هل ترقى إلى مستوى الجوائز السياسية التي حصل عليها الشعبان التونسي و المصري؟ غير أن ريح التغيير قد هبت إن لم تكن قد عصفت بالدولة الجزائرية ككل.
علما أن بعض المحللين يراهنون على تغيير سياسي شامل خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا لم تفي الحكومة بتعهداتها للمواطنين، عندما أعلن التلفزيون الرسمي أن الدولة ستسمح بتشكيل الأحزاب السياسية وستفتح مجال الاستثمار بشكل كامل.
و يرى مراقبون بأن تشتت قوى المعارضة وعدم اتفاقها حول استراتيجية موحدة للتغيير يساهم في إضعاف فرصها في المبادرة، ويقول المحلل السياسي رابح هوادف: "التغيير يحتاج إلى مفتاح، و قد أخطأ المنظمون بتقديمهم سعيد سعدي كمفتاح لتغيير شامل، وعلى كل حال الباب لا زال موجودا، و ما وراءه هو أفضل مما عليه الأوضاع السياسية والأمنية الآن، والمفتاح قد يكون تنازلا شاملا للدولة لصالح الشعب، أو هبة شعبية لا نعرف تاريخها ولكن نعلم أنها ستحدث، فهي كالهزات الأرضية مجهولة الموعد".
هيثم رباني - الجزائر
مراجعة: منصف السليمي