الجزائر في مهب الاحتجاجات - هل يتكرر سيناريو تونس ومصر؟
١٢ فبراير ٢٠١١يقول خبراء إن الجزائر تعد من الدول العربية المرشحة لهزات إجتماعية وسياسية قوية قد تكون شبيهة بتلك التي عاشتها البلاد في خريف سنة 1988. وقد حذر رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور من إنفجار وشيك في البلاد إذا لم تتدارك السلطات الأوضاع بإدخال إصلاحات جوهرية في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أعلن بن بيتور عن تشكيل تحالف سياسي جديد أطلق عليه "التحالف من أجل التغيير"، وذلك بتزامن مع حراك اجتماعي وسياسي ودعوات لتنظيم احتجاجات ومظاهرات في البلاد.
وتتباين آراء الخبراء في مقارنتهم لأوضاع الجزائر مع تونس ومصر، وعما إذا كانت الجزائر مرشحة لثورة مشابهة لما حدث في البلدين العربيين. وفي حوار مع دويشته فيله استبعد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر الدكتور ناصر جابي قيام ثورة شعبية مشابهة لما حدث في تونس ومصر، بنفس الزخم و المطالب، لكنه اعتبر أن الاحتجاجات المتواصلة في عدد من مناطق البلاد تؤشر بأن الوضع "ليس على ما يرام"، وأن أغلب الجزائريين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة تستلزم "تدخل الدولة بإصلاحات حقيقية للوضع، وليس بالترقيع المعهود من الحكومات السابقة".
محاولة استباق الأحداث
وعن الأسباب الحقيقة لاحتجاجات الشباب الجزائري، يقول الخبير الاجتماعي ناصر جابي "إن التوزيع غير عادل للثروة، وبطالة الشباب وخريجي الجامعات المعاهد العليا الذين يتزايدون كل سنة، وغياي حرية وسائل الإعلام ، وعدم الاعتراف بالنقابات والأحزاب والتضييق على نشاطها، وتقييد بعض الحريات، وزيادة الهوة بين سياسات الحكومة وطموحات الشباب، هي أسباب رئيسية من كثير الأزمات والمشاكل التي يعشها المجتمع الجزائري والتي ستعجل بحراك شعبي لم تبرز الآن مؤشرات طبيعته وأبعاده".
وفي تقييمه لمحاولات الحكومة محاصرة الوضع بجملة من الإجراءات والقرارات على المستوى المركزي بمواجهة غلاء السلع الأساسية بواسطة الدعم، واستحداث آليات جديدة للحد من البطالة، ونزول الوزراء إلى المحافظات والاستماع لانشغالات المواطنين، يقول الباحث في العلوم الإدارية و التنظيمية بجامعة الجزائر الدكتور سمارة نصير إن ما قامت به الدولة إلى حد الآن لا يستجيب لتطلعات الشباب وطموحاتهم في ظل الوفرة المالية التي تعيشها الجزائر منذ عشرية على الأقل، حيث وصل احتياطي الصرف إلى 155 مليار دولار، وعائدات سنوية للخزينة العمومية تقدر ب 57 مليار دولار، إلا أن ذلك كله لم ينعكس على حياة المواطنين و معاشهم.
وأضاف نصيرة أنه" في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع خروج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقب الاحتجاجات الأخيرة في خطاب للشعب بحزمة من القرارات الحاسمة والإسراع في تنفيذها، جاءت بيانات مجلس الوزراء فارغة المحتوى، ولم يقدم إلى غاية اليوم إلا الوعود التي لا تعرف في غالبيتها طريقا للتنفيذ، وهو ما يؤكد بان السلطة لم تستوعب بطريقة جيدة التجربة التونسية والمصرية".
ويذكر أن السلطات الجزائرية قد أعلنت في الأيام الأخيرة انها تعتزم إلغاء قانون الطوارئ المفروض منذ 19 عاما ، لكن ما يزال الموضوع مطروحا أمام البرلمان الجزائري، وبمقتضى قانون الطوارئ تمنع السلطات الجزائرية تنظيم المظاهرات.
مبادرة المعارضة الجزائرية
وفي خطوة اعتبرها البعض مؤشر على أداء جديد للمعارضة الجزائرية تم تأسيس بداية الأسبوع الجاري تحالف سياسي "من أجل التغيير" يضم في صفوفه بعض أحزاب المعارضة إضافة لشرائح متنوعة من مختلف أطياف المجتمع الجزائري من مثقفين وجامعيين وإعلاميين. و يهدف مؤسسو هذا التحالف إلى "بعث مشروع وطني للتغيير السلمي البناء من خلال عرض أرضية حملت تسمية: ميثاق الحقوق والحريات الديمقراطية في الجزائر".
و في تصريح لجريدة الخبر الجزائرية أكد رئيس التحالف الدكتور أحمد بن بيتور بأن "النظام القائم حاليا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ترك الأمور تتدهور نحو انفجار وشيك، أو اختيار طريق الانفتاح في أسرع الآجال الممكنة". وأضاف بن بيتور إن السلطة الحالية دمرت حتى المؤسسات التي يفترض أن تكون في صالحها، فما بالك بالمؤسسات المعنية بالمواطن''، وهو ما اعتبره من أسباب الانهيار الوشيك للسلطة. وأوضح بن بيتور أن الوضع القائم ''يحتاج لضغط من المجتمع المدني بصفة قوية ومتواصلة''، وأضاف''إجماع قوى التغيير على إنشاء تحالفات استراتيجية''، وثالثا: ''وجود عامل محرك''.
وعاد بذلك إلى الأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزائر وقال: ''كان فيها محرك وهو الوضع الاجتماعي، ثم حدث ضغط لمدة بضعة أيام''، لكن الذي لم يكن موجودا هو: ''أنه لم تكن هناك تحالفات إستراتيجية بين قوى التغيير''.
ويرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عامر مصباح سبب غياب هذه التحالفات فيما سبق، و صعوبة تشكلها لاحقا لما تعيشه المعارضة من أزمة ثقة بين أطيافها، و تعارض برامجها ومرجعياتها مع بعضها البعض في ظل غياب ثقافة الحوار المؤسسة لكل تحالف أو التقاء.
غياب دور النخب
أما عن الدور المرتقب أن تلعبه الجامعة والهيئات الأكاديمية خلال الفترة القادمة يقول الباحث ناصر جابي" إن النخبة الجامعية في الجزائر كفاعل اجتماعي وسياسي ضعيفة ومغيبة، و لا يمكن التعويل عليها كثيرا في تحقيق أي إصلاح منشود، فالوضع الاجتماعي للأساتذة الجامعيين سيئ على الرغم من الزيادات الأخيرة في الأجور، و تاريخ هذه المؤسسة التي همشت دوما من ظرف النظام على مر الزمن، جعلت هاته النخب تحجم عن الانخراط في العمل العام".
وبرأي الدكتور محمد بوشكندة الباحث في الهندسة البيولوجية بجامعة قسنطينة فإن "الجامعة الجزائرية في حالة تدهور مستمر بسبب السياسات الحكومية التي تفضل الكم على حساب الكيف، الأمر الذي أثر سلبا على نوعية التكوين الذي يحصل عليه هؤلاء الجامعيين" وأضاف بأن "الضعف يشمل الأساتذة المؤطرين أنفسهم، ونقص الكفاءة لديهم".
وعن السبب في تدهور المستوى الأكاديمي وتراجع دور النخب الجامعية، يقول بوشكندة "إن السبب ليس ضعف الإمكانيات المادية فالدولة وضعت للنهوض بالقطاع خلال الخماسي الجاري ما مقداره 100 مليار دينار جزائري (1.48 مليار دولار)، لكن هذه المبالغ الضخمة لن تأتي بالثمار الايجابية ما لم تدعم بإستراتيجية وطنية لتحسين البحث العلمي تقوم على الكيف و ليس على الكم كما هو حاصل الآن".
ويلاحظ الخبراء بأن الجزائر التي لم تشهد بعد ازدهار اقتصاديا بالرغم من الارتفاع الكبير في عائداتها المالية من تصدير النفط، تقف على حافة انفجار اجتماعي قريبا من ذلك الذي حدث في 05 اكتوبر من سنة 1988، خاصة مع استمرار الظلم الاجتماعي على المواطنين و التوزيع غير عادل للثروة، واستشراء الفساد الذي بات ينخر الاقتصاد و المال العام، و يدعم كل هذا نخبة جامعية مهمشة و معارضة مشتتة.
توفيق بوقاعدة - الجزائر
مراجعة: منصف السليمي