الجزائر ـ انتخابات رئاسية دون مرشح إسلامي
١٧ أبريل ٢٠١٤فشلت الحركة الإسلامية الجزائرية، بجميع مكوناتها الحزبية، ولأول مرة منذ أول انتخابات رئاسية تعددية سنة 1995، في تسمية مرشح يمثلها. وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول سبب مقاطعة الإسلام السياسي لأهم انتخابات بالبلاد. وفي رأي العديد من المراقبين للحراك السياسي الجزائري، فإن خيار الأحزاب الإسلامية وشخصياته دخول الانتخابات الرئاسية من أبواب متفرقة، ليس وليد المرحلة الراهنة، وأن الصراع بين زعماء التيار يمتد إلى سبعينات القرن الماضي، ولم يحدث في تاريخ التيار أن توافقت أقطابه على مشروع أو قضية، وأن التباين بين المقاطعة والمشاركة أو دعم أحد المرشحين، هو نتيجة حتمية لفشل المبادرات التي أطلقت لتقريب وجهات النظر المتباينة حول الانتخابات الرئاسية بين زعماء التيار.
ويقول عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، وعراب إحدى مبادرات جمع المعارضة في قطب واحد، "إن الأوزان المهمة ممن اتصلنا بهم رفضت التنازل عن مواقفها للوصول إلى أرضية سياسية مشتركة، والاتفاق على مرشح توافق نواجه به مرشح السلطة". وأكد مقري في ندوة صحفية بمقر حزبه بأن "خيار المقاطعة لازال هو الخيار الأفضل لنا، وأن الانتخابات ستكون مزورة ومحسومة لصالح مرشح السلطة"، متوقعا "استئناف الصراع بين أجنحة النظام بعد الانتخابات الرئاسية التي سترفع فيها أقطاب المعارضة الضغط على السلطة لفرض انتقال ديمقراطي". واعتبر مقري أن غياب التيار الإسلامي عن الحملة الانتخابية أفقدها نكهتها، واصفا إياها بـ "المسخرة"، وأشبه بـ"كرنفال في دشرة".
"خصمنا هو التزوير"
من ناحيته، يرى نعمان لعور، رئيس كتلة حركة مجتمع السلم بالمجلس الشعبي الوطني بأن الإسلاميين المقاطعين للانتخابات الرئاسية أجبروا على هذا الخيار، وذلك "بعد إدراكهم بأن العملية الانتخابية ليس لها معنى في الوقت الراهن، وأنها عملية شكلية هدفها تكريس السلطة القائمة دون أي اعتبار لإرادة الشعب"، ويضيف لعور لـdw عربية بأن الانتخابات "كما رصدنا في حملتها، ليست نزيهة، وأنها محسومة مسبقا لمرشح السلطة"، وحول الاتهامات التي يكيلها خصومهم، بأن الإسلام السياسي انتهت مرحلته في الجزائر، يرد القيادي بالحركة الإسلامية قائلا: "إن هؤلاء واهمون، والتيار الإسلامي لازال قويا في الشارع الجزائري، وصاحب الأغلبية في صندوق الانتخابات لو كانت نزيهة". وقال لعور "لترفع السلطة يدها على إرادة الشعب وسوف ترون النتائج".
ويؤكد عبد المجيد مناصرة، رئيس جبهة التغيير (إسلامي)، والذي دعا للتصويت بـ "الورقة البيضاء"، بأن "الانتخابات الرئاسية تشكل منعطفا خطيرا، بعدما أفرغت من محتواها التنافسي، حيث اتسمت بالتنابز وكيل الاتهامات". ويرى مناصرة أن "الخيارات الموجودة لا ترقى لطموحات الشعب الجزائري، والدليل خطورة خطابات التهديد المتبادلة بين المرشحين". وتابع رئيس جبهة التغيير لـdw عربية بأن الانتخابات الرئاسية الحالية "لن تؤدي إلا إلى زيادة حدة الاحتقان بين زمر النظام لذلك قررنا التصويت بالورقة البيضاء".
"انخفاض شعبية التيار"
ويرفض البروفيسور بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة، الأطروحات التي يسوقها أنصار التيار الإسلامي وقياداته، بأن التزوير وحده من دحرج شعبية التيار، ويؤكد بأن رواد الإسلام السياسي في الجزائر "فقدوا أولا الكثير من رصيدهم ومريديهم ومناضليهم لأنهم زكوا وباركوا أداء السلطة في وقت من الأوقات، وكانوا جزءا من أدواتها، ولذلك يصعب على الكثير من الناخبين أن يضعوا ثقتهم فيهم، وثانيا التيار الإسلامي عرف انقسامات عديدة عموديا وأفقيا إلى أحزاب كثيرة بعضها سند رئيسي للسلطة الآن". وأضاف بوحنية قوي في حديثه لـdw عربية بأن "المعارضة الإسلامية المقاطعة لن تغيّر في واقع الخارطة السياسية لما بعد انتخابات 17 أبريل/ نيسان، لأنهم لم يستوعبوا جيدا درس الربيع العربي، وبقوا أسيري حالة الانبهار والاستلهام من التجارب التركية والتونسية والمصرية".
"الانتخابات لم تعد مجدية"
ويرى الدكتور زهير بوعمامة، أستاذ العلوم السياسية بالمدرسة العليا للعلوم السياسية في الجزائر، بأن "الفعل الانتخابي بالنسبة للإسلاميين، لم يعد مجديا، ما دامت قواعد اللعبة السياسية في الجزائر لا تزال مغلقة". ويضيف بوعمامة لـdw عربية "مقاطعة الأحزاب الإسلامية الرئيسية للمشهد الانتخابي هو في جانب منه انعكاسا لصدمة النتائج التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية الماضية، بعد أن كانوا يمنوا أنفسهم باكتساح مواقع جديدة، وهم الآن يخشون من استحقاق انتخابي يثبت عليهم حقيقة تراجعهم".
ويؤكد بوعمامة بأن التيار الإسلامي الآن يتحرك وفق "إستراتيجية أخف الأضرار"، إلى أن "يحدث التغيير الذي يستعيدون بعده ما فقدوه من مواقع ومناضلين، وهم في الوقت الراهن ممنوع عليهم الوصول إلى الرئاسة". وحول موقعهم في الخارطة السياسية لما بعد الانتخابات الرئاسية، فيرى بوعمامة بأنهم "سيضلون رقما وحقيقة موجودة على الأرض، خاصة وأنهم يدفعون بقوة في اتجاه مرحلة انتقالية تعيد تشكيل المشهد السياسي بما يعيد لهم قوتهم وأدوارهم السياسية في المستقبل".
"المصالحة والمراجعة"
ويرى البروفيسور بوحنية بأن تيارالإسلام السياسي في الجزائر بحاجة لمراجعات عميقة ترتبط بالمنهج وآليات العمل، والمكاشفة في النقد مع أدواتهم السياسية السابقة. وأولى هذه المراجعات، يقول بوحنية "هي تقديم البدائل للعمل الاجتماعي لأنه السبيل الوحيد لدخول ساحة العمل السياسي". ويتوقع بوحنية بأن تعرف السنوات المقبلة "تراجع الإسلام السياسي في الجزائر في ظل تزايد الانقسامات الموجودة". والسبيل الوحيد لتفادي ذلك، يضيف بوحنية "هو القيام بمصالحة بين قيادات هذه الأحزاب وقواعدها المتذمرة، إذا رغبت في استمرار وجودها".
أما بوعمامة، فيرى بأن الإسلام السياسي في الجزائر على غرار دول عربية كثيرة "يعبر مرحلة مأزق تاريخي وليس أمامه كثير من الخيارات". ويقول بوعمامة "هم بحاجة للخروج من قوقعتهم التي كلفتهم الكثير، والانفتاح على كل فئات المجتمع بكل توجهاتها الفكرية والسياسية، لبلورة مشروع جديد بعيد عن الخطابات المثقلة بالإيديولوجية، أي خطابات تقدم إجابات وحلول واضحة لمشاكل الناس اليومية".