الانتخابات المصرية: ما لها وما عليها من استحقاقات الديمقراطية
حسم الرئيس المصري حسني مبارك التكهنات حول إعادة ترشيح نفسه لفترة رئاسية أخرى، رغم أن ذلك كان متوقعا بشكل كبير. إذ انه من غير العادة في الحياة السياسية العربية أن يتخلى رئيس عربي عن السلطة مادام على قيد الحياة. الإشكالية الديمقراطية في مصر تمثلت سابقا في عدم السماح بوجود أكثر من مرشح للرئاسة، وبعد تجاوز هذا الأمر من خلال سماح مبارك بوجود مرشحين غيره، نشأت إشكالية جديدة تتمثل في عدم حصول المرشحين المنافسين للرئيس الحالي على فرص متكافئة. تباطؤ مبارك في إعلان إعادة ترشيح نفسه لم يكن أكثر من مسرحية هزلية يعاد عرضها على خشبة المسرح السياسي العربي منذ عقود. وهي مسرحية أبطالها، آو بالأصح بطلها الوحيد، معروفون سلفا كما أن نهايتها غير السعيدة معروفة سواء لمن سبق حضور مثل هذه العروض أو لمن لم يحضرها.
وعود انتخابية
حرص مبارك، الذي يحكم مصر منذ 24 عاما، على أن يسبق المعارضة المصرية وينزع حججها بالعزف على وتر الإصلاحات الدستورية، ومراجعة قانون الطوارئ الساري المفعول منذ توليه للسلطة في عام 1981. وظلت المعارضة تطالب هذا القانون منذ فترة طويلة لأنه، حسب رأيها، " يخنق الحريات السياسية ولا يخدم إلا الحزب الحاكم". وحرص مبارك على أن يجعل من إعادة انتخابه ضرورة وطنية ملحة "تستدعيها الظروف المحلية والإقليمية والدولية."، مشيرا الى إلى أن ترشحه لفترة رئاسية أخرى يأتي لرغبته في استكمال ما اسماه "برنامجه الإصلاحي" واستجابة للمبادئ والمثل التي يؤمن بها وليس طمعا في المنصب. ووعد مبارك بان تجري الانتخابات في ظل شفافية كاملة وتكافؤ الفرص. وبذلك يكون الرئيس المصري قد أعلن عن بدء حملته الانتخابية. ولأول مره سوف يقوم الشعب المصري بالاختيار بين أكثر من مرشح، حيث كانت العادة أن يجرى استفتاء على التمديد لمبارك ويجاب "بنعم" او "ولا" من دون أن يكون هناك منافسون آخرون.
ردود أفعال المعارضة المصرية
جاءت ردود فعل المعارضة المصرية على إعلان مبارك ترشيح نفسه متباينة إلى حد ما، ولكنها من حيث المبدأ، ردود فعل نقدية. فقد انتقدت الحركة المصرية من اجل التغير(كفاية)، المناهضة "للتمديد" لمبارك، ما جاء في خطاب الرئيس. وعلق جورج إسحاق، أحد مسؤولي حركة "كفاية" على إعلان مبارك بالقول: " لقد سمعنا هذه الوعود أكثر من مرة ولكن لاشيء تغير. حركتنا سوف تقاطع الانتخابات لأنه لا فائدة منها في نظرنا". وقال إن حركة "كفاية" سوف تلجأ مجددا للقضاء لإلغاء نتائج استفتاء تعديل الدستور "المزورة" والتي بموجبها سوف تجري الانتخابات القادمة و"ما بني على باطل فهو باطل" حسب تعبيره.
وانتقدت الحركة ما أسمتها "ديمقراطية مبارك". وجاء في مقال نشر على موقع الحركة أن "مشكلة النظام المصري كما معظم الأنظمة العربية(هي) انه شاخ والسياسات التي عاش عليها كما عاشت عليها معظم الأنظمة العربية انتهت صلاحيتها. أما الوعود بالانفتاح الفعلي والديموقراطية الآن، فهي مثل محاولات التصابي التي في أحسن الأحوال تأخرت، وفي أسوأها تكشف حجم الحقيقة". وقد دعت الحركة إلى مظاهرة عامة ضد "التمديد لمبارك" وأكدت (كفاية) على ثبات موقفها برفض التمديد لمبارك معتبرة أن وعوده بالإصلاح التي وردت في خطاب إعلان الترشيح "لا تتناسب مع المطلب الرئيسي بدستور جديد للبلاد".
من جانبه وصف زعيم حزب الغد، ايمن نور، الذي يعتقد على نطاق واسع انه سيكون المنافس الرئيسي لمبارك، وصف خطاب مبارك بعدم المصداقية، معبرا عن أسفه أن يتحدث مبارك الآن عن إصلاح "ما دمره خلال الـ 24 عاما الماضية" في الست السنوات القادمة، ودعا مبارك إلى إلغاء قانون الطوارئ ان كان جادا فيما يقول.
وفي الوقت الذي قالت فيه جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر أنها لا تعارض مبارك كشخص وانما سياسته وعليه فإنها لن تصوت له في الانتخابات، اعتبر حزب التجمع الذي يعتزم أيضا مقاطعة الانتخابات أن سياسات الرئيس مبارك خلال الـ24 السنة الماضية قادت البلاد إلى عدة أزمات منها زيادة معدلات الفقر وانتشار الفساد واستمرار ما وصفه بالحكم الرئاسي المستبد.
تكافؤ فرص المنافسة الانتخابية
يعتزم جانب كبير من قوى المعارضة المصرية مقاطعة الانتخابات لاعتقادها بان التعديلات الدستورية التي تمت مؤخرا لا تعدو أن تكون في حقيقة الأمر قيودا على المرشحين المنافسين. فهذه التعديلات قد اشترطت في المرشح للانتخابات أن تتم أولا الموافقة عليه من قبل مجلس الشعب المصري الذي تسيطر عليه أغلبية الحزب الوطني الحاكم. هذا يعني عمليا أن فرص المنافسة ضئيلة جدا أمام المرشحين الآخرين عموما ومرشحي المعارضة بوجه خاص. لذلك تسعى المعارضة إلى الطعن في تلك التعديلات أمام القضاء ومواصلة النضال من اجل الحصول على فرص انتخابية متكافئة. ويعتقد المراقبون أن فرص المعارضة ضئيلة في الوصول إلى كرسي الرئاسة المصرية. غير أن كسر حاجز الخوف والدعوة إلى التغير ورفع الأصوات بـ "كفاية" يعد مكسبا مهما. ويعتقد هنري فورجت، من معهد الشرق بألمانيا، بأنه حتى ولو لم يكن هناك حاليا منافس لمبارك، فيكفي أن الدعوة إلى التغيير قويه وهذا بحد ذاته مكسبا مهما.
د: عبده جميل المخلافي