الاستفتاء على تعديل الدستور المصري اختبار للعملية الديموقراطية
موقفان متباينان يلقيان بظلهما على الشارع السياسي المصري: بينما تؤكد الحكومة المصرية على أن التعديل الدستوري الجديد يعمل على إرساء الديموقراطية في البلاد ترى أحزاب المعارضة أن القواعد الجديدة التي تقرها المادة 76 تفرغ هذا التعديل من مضمونه ومعناه. ولكن بالرغم من هذين الموقفين المتناقضين تُقدم مصر اليوم على خطوة لم يسبق لها مثيل في تاريخها السياسي تتمثل في أخذ رأي الشعب بشأن تعديل دستوري يتعلق بمنصب أكبر سلطة رسمية في البلاد هو منصب رئيس الجمهورية. ويتم التصويت بواسطة بطاقة انتخاب وردية اللون تحمل سؤالا واحداً: "هل توافق على تعديل المادة 76 من الدستور الذي اقره مجلس الشعب" أما على ظهر البطاقة فيرى المرء النص القديم للمادة ونص التعديل المقترح.
يأتي هذا الحدث الهام بعد إخفاق مساعي المعارضة المصرية لمنع وقوعه، خاصة بعد أن رفضت محكمة القضاء الإداري عدة قضايا رفعها معارضون لوقف الاستفتاء. وكان مجلس الشعب المصري قد صوت بأغلبية ساحقة على تعديل المادة 76 المتعلقة بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية. وينص هذا التعديل السماح لأكثر من مرشح بخوض الانتخابات الرئاسية وإمكانية أن يخوض مستقلون هذه الانتخابات شريطة أن يحصلوا على موافقة 250 عضو من مجالس الشعب والشورى والمحليات، مع العلم أن 90 بالمائة من النواب المصريين ينتمون إلى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.
هل توافق على تعديل المادة 76؟
ترى أحزاب المعارضة أن استفتاء الشعب المصري بشأن التعديل الدستوري بطرح سؤال "هل توافق على تعديل المادة 76؟" هو "سؤال غبي" في حد ذاته على حد تعبير رفعت السعيد رئيس حزب التجمع. يؤكد رفعت السعيد أن مقاطعة الاستفتاء هي الحل الأمثل لمعارضة نص المادة، لذلك يقول "إذا ذهبنا (للاستفتاء) و قلنا "لا" سنكون قد قمنا بخيانة مبادئنا التي تطالب بتعديل الدستور. وإذا قلنا "نعم" نكون قد خنا مبادئنا التي ترفض هذا النص غير القبول، ولا حل لنا إلا المقاطعة." وكانت أحزاب المعارضة الرئيسية وهي الوفد والتجمع والناصري والغد قد تبنت الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء.
وفي بيان مشترك دعت الأحزاب المعارضة المواطنين المصريين إلى البقاء في منازلهم اليوم للتعبير عن رفضهم للصيغة التي صدر بها التعديل. الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد يري "أن هذه الصياغة صدرت لدعم الحزب الوطني دونما الأحزاب الأخرى" فالحزب الوطني على حد تعبيره "يريد أن يكرس سيطرته على مصر من خلال رئيس الجمهورية إلى الأبد". لذلك ينظر هذا المعارض البارز إلى الاستفتاء على تعديل المادة 76 باعتباره "فرصة سيئة وبغيضة ونحن نرفضها ونجد أن الذهاب للقول "لا" هو نوع من الاحترام لهذه الصياغة ونحن نرفض احترامها" على حد قوله.
تكتل معارض لم يسبق له مثيل
وبهذه المقاطعة تنضم أحزاب المعارضة لحركة كفاية "الحركة المصرية من أجل التغيير" والتي دعت لمقاطعة الاستفتاء في اليوم التالي لتصديق مجلس الشعب على صيغة التعديل. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحركة جورج إسحق في حديث خاص بـ "دويشه فيله" على أن "كفاية" "ستدعو إلى عصيان سياسي، الأمر الذي يعني أنها لن تشارك فيما وصفه المتحدث بـ "الاستفتاء المقنّع" ولا في الانتخابات المقرر تنظيمها في سبتمبر/أيلول المقبل وعلى أن الحركة "ستدعو جميع المصريين إلى القيام بالمثل." ومن المتوقع أن تنظم حركة كفاية اليوم مظاهرات في 20 محافظة تطالب فيها كل المصريين بمقاطعة الاستفتاء على حد قول أمين اسكندر عضو الحركة.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر قد نظمت عدة تظاهرات خلال الأسابيع الماضية مطالبة بالإصلاح وتعديل الدستور وإلغاء قانون الطوارئ ورفع القيود عن الترشيح لرئاسة الجمهورية. وبالرغم من كافة الضغوط والاعتقالات التي جرت في صفوف الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة أعلنت الحركة انضمامها للأحزاب المعارضة في مقاطعة الاستفتاء. بذلك تواجه الحكومة المصرية تكتل لم يسبق له مثيل يضم معارضين من مختلف الاتجاهات السياسية.
حملة دعائية حكومية
وبينما تعتبر المعارضة التعديل الدستوري والاستفتاء عليه مجرد محاولة واهية من قبل الحكومة المصرية لتحسين صورة البلاد في الخارج دون إحداث أي تغيير حقيقي، ترى الحكومة أنه تعزيز للديمقراطية في البلاد. وبدأت أجهزة الدولة الأسبوع الماضي حملة غير مسبوقة لحث الناخبين على التوجه لصناديق الاستفتاء. كما "شنت" وزارة الإعلام حملة دعائية لتحفيز المواطن على ا لمشاركة في الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور وذلك تحت شعارين هما "لحظة تاريخية في عمر الوطن" و "شارك بصوتك من أجل مستقبلك". ونفى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري أكثر من مرة أن يكون التعديل الدستوري قد انطوى على شروط تعجيزية وقال: "إنه لا يضع أي شروط أمام مرشحي الأحزاب القائمة بالفعل، ويضع شروطا معقولة تفي بالحد الأدنى المطلوب لرئاسة أكبر دولة عربية."
مراقبة دولية مثيرة للقلق
وتكررت تصريحات أحمد نظيف المؤكدة على حسن نية الحكومة المصرية ورغبتها في إجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد من خلال تعديلات دستورية خاصة أثناء زيارته لواشنطن الشهر الحالي. وجاءت تلك التصريحات بعد أن لمس الرئيس الأمريكي جورج بوش وترا حساسا عندما اقترح قبول الحكومة المصرية لمراقبة دولية في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فالضغوط الأمريكية المتواصلة لمراقبة الانتخابات تمثل اختيارا صعبا للحكومة المصرية. وسينظر لرفض المراقبة الدولية على أنه اعتراف بأن الانتخابات المصرية لا تلبي المعايير الدولية. كما أن القبول قد يكشف عن ممارسات تقول جماعات حقوق الإنسان أنها تشمل وضع بطاقات انتخاب مزورة في صناديق الاقتراع واعتقال المنظمين التابعين للمعارضة.
الكلمة الأخيرة للشعب؟
تصور وسائل الأعلام المصرية الشعب كما لو كان له العليا في البت بشأن تعديل الدستور. و لكن من المعروف أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات ضعيفة بصفة عامة منذ الإطاحة بالملكية في مصر عام 1952. ويتفق غالبية المحللين المصريين على حالة العزوف السياسي التي تسود بين المصريين. أما الشارع المصري فكعادته قابل الأمور بالسخرية السوداء حيث تندر المواطنون بأنه من الممكن مستقبلاً التصويت على تعديل دستوري ينص على أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية بالغ من العمر 77 عاماً وأمضي في الرئاسة 24 عاماً في إشارة واضحة للرئيس المصري حسني مبارك.
علاء الدين سرحان