الاقتصاد التونسي يدفع ضريبة الحرب في ليبيا
١٧ أغسطس ٢٠١١تتزايد من يوم لآخر القيود المفروضة على المعابر الحدودية بين تونس وليبيا بعد أن سبب نزيف تمرير السلع من مواد غذائية بكميات كبيرة إلى ليبيا أزمة في الأسواق التونسية، فقد تنامت ظاهرة التهريب نحو ليبيا، ما أثر على انتظام تزويد السوق التونسية من بعض المنتجات كالسكر والحليب والمياه المعدنية. وهذه الأزمة ضاعفت من الاحتكار في شهر رمضان، الذي يكثر فيه استهلاك التونسيين.
وعلى طول الطريق إلى معبر ذهيبة جنوب شرق تونس عند الحدود مع ليبيا على بعد مسافة خمسة كيلومترات عن بلدة وازن الليبية، بدت الحركة التجارية ضئيلة خلافاً لما سمعناه قبل زيارتنا إلى الجنوب التونسي. عدد من العربات الصغيرة الحجم تحاول تجاوز الحواجز التي تضعها قوات الجيش الوطني والجمارك التونسية. أما السلع التي تمر من معبر ذهيبة، فلا تعدو أن تكون كميات محدودة من الخضر والغلال، فمنذ اليوم الثاني من شهر رمضان أصبح من الصعب تمرير المواد الغذائية المدعمة، التي تفتقر إليها السوق المحلية التونسية نفسها.
تضييق الخناق على الثوار
تمرير السلع هنا في معبر ذهيبة نحو ليبيا لا يمكن تصنيفه ضمن التصدير الشرعي أو تسميته تهريباً للمواد الغذائية والمحروقات، فالمنطقة منطقة حرب وكل الحواجز الجمركية سقطت منذ بداية الحرب في ليبيا. وفي حاجز للجيش التونسي وقف التاجر الليبي علاء الدين محمد خليفة ليكشف لأعوان الجيش عن حمولة سيارته الصغيرة، خضر وغلال يريد علاء الدين محمد خليفة الدخول بها لمناطق الجبل الغربي، حيث يسيطر الثوار الليبيون.
وبعد أن كان خليفة ينقل قبل أيام قليلة كميات مهولة من المواد الغذائية المدعمة، فإن القيود على المعبر الحدودي من جهة ذهيبة باتت تعيق ذلك اليوم. ويقول خليفة في حوار مع دويتشه فيله: "السلطات التونسية أصبحت تصعب علينا تمرير المواد الغذائية والبنزين، لقد اتخذت الحكومة التونسية قراراً بعدم ترك هذه المواد تمر منذ اليوم الثاني من رمضان. بدؤوا يضيقون علينا الخناق والمشكلة أنه لا يوجد لدينا الوقود ولا الغذاء في شهر رمضان. نتمنى أن تساعدنا الحكومة التونسية وتفتح لنا المجال من جديد لأننا نعاني نقصاً في هذا الشهر".
لم تكن الحركة كبيرة على طول الطريق الرابطة بين ولاية تطاوين جنوب العاصمة تونس ومعبر ذهيبة الفاصل بين التراب التونسي والتراب الليبي، فواصلنا طريقنا لنجد أمامنا علي الزنتاني الذي ملأ سيارته بالخضر والغلال، مضيفاً إليها بعض أكياس المعكرونة والحليب والبيض. رفض علي في البداية الحديث معنا خوفاً على حياته وحياة عائلته في مدينة زنتان الليبية، لكنه قال فيما بعد: "لم يعد لنا ما نخسره، سأتحدث معكم فاسمي موجود في قائمة المناهضين للقذافي". يدخل علي الزنتاني محل صديقه التونسي أمين للتزود بأكثر قدر ممكن من الغذاء لبلدته زنتان فقد واجهته صعوبات في الطريق إلى ذهيبة.
تواطؤ بين الحكومة التونسية ونظام القذافي؟
صعوبات وحواجز يقول علي الزنتاني إن فيها الكثير من التمييز ونوايا مبيتة من النظام الليبي الذي يريد إغلاق باب الإمدادات للثوار الذين يسيطرون على الجبل الغربي من جهة معبر ذهيبة. ويتحدث الزنتاني غاضباً فيقول: "صدر قرار في الديوانة التونسية بعدم تمرير السلع لأهالينا في الجبل الغربي في حين مازالت السلع تمر من معبر راس جدير حتى الآن بكثافة. قبل صدور هذا القرار بيوم سمعنا أن مبعوثاً من نظام الطاغية معمر القذافي، وهو عبد العاطي العبيدي، كان هنا في تونس وبعدها بيوم مباشرة صدر القرار بعدم تمرير المواد الغذائية و البنزين من ذهيبة".
ويشير الزنتاني إلى وجود تواطؤ كبير بين الحكومة التونسية ونظام القذافي فيما يتعلق بإغلاق مجال تمرير السلع للثوار الليبيين: "أنا متأكد من أن نظام الطاغية القذافي له يد في هذه الأزمة فقد اشترى أنصاره كميات كبيرة من منتوجات المصانع والمعامل مثل الطماطم والمعكرونة والزيت وغيرها من المواد الغذائية، ودفع القذافي للمزودين أسعاراً مضاعفة وكان الهدف الأهم هو ألا تمر هذه المواد لذهيبة". ويزود الزنتاني قبل مغادرته آخر محطة في ذهيبة سيارته بالوقود، فيملأ خزان السيارة ويحاول إتمام إجراءات العبور إلى الجبل الغربي قبل نزول الظلام فالطريق إلى زنتان خطيرة في الليل رغم سيطرة الثوار على جهة الجبل الغربي.
تخمة بن قردان وخواء المدن الأخرى
تركنا جهة الجنوب الشرقي في الحدود بين ليبيا وتونس لننتقل إلى بوابة راس جدير من جهة بن قردان. معبر راس جدير كان منذ أشهر عديدة المنفذ الوحيد إلى الخارج بالنسبة لتزود كتائب القذافي المسيطرة عليه، كما أنه المنفذ الوحيد لعناصر النظام الليبي نحو الخارج. بدت الحركية مختلفة فعلاً عما هو عليه في معبر ذهيبة، فهنا تمر مئات العربات الكبيرة المحملة بشتى أنواع المواد الغذائية، عربات ضخمة مليئة بالحبوب والقهوة وعربات صغيرة تحمل مئات الليترات من البنزين.
اقتربنا من البوابة نحاول رصد الأوضاع فوجدنا لافتة ضخمة كتب عليها ممنوع تمرير المواد الغذائية من زيت وسكر وحليب وماء ثم التفتنا إلى الجهة الأخرى فرأينا صفاً طويلاً لعربات ضخمة مليئة، على حد تصريح سائقيها، بالحبوب التي ستصل إلى العاصمة الليبية طرابلس. منعنا أهالي مدينة بن قردان من الاقتراب من البوابة والتصوير. فرغم وجود عناصر من الجمارك التونسية، إلا أن الأمور تبدو خارجة عن سيطرتهم، فالمعبر تحت سيطرة مواطني بن قردان وتجارها. وهم وحدهم يقررون مرور هذه العربية أو منعها من العبور.
استسلمنا لأوامر أهالي بن قردان الذين هددونا في حالة بقائنا في المعبر الحدودي بتكسير معدات تصويرنا في ظل غياب حماية أمنية لنا وتملص قوات الأمن الحدودي من الدخول في صراع مع أهالي المنطقة. وغادرنا البوابة بعد أن فهمنا أن شرطة الحدود لا تملك القرار مع هؤلاء التجار الذين امضوا حياتهم في تهريب السلع بين تونس وليبيا.
عدنا الأدراج إلى بوابة قبل الوصول إلى معبر راس جدير، فالتقينا هناك صديق بوسدرة وصديقه عبد الحميد الخوذي، وجاءا من ولاية سيدي بوزيد لتمرير عربة مليئة بالخضر والغلال للمدن الليبية المحاذية لمعبر راس جدير. ولم يحمل صديق بوسدرة إلى ليبيا في الفترة الأخيرة غير الخضر والغلال فذلك اختصاصه في المتاجرة بين تونس وليبيا، غير أن التاجر التونسي بوسدرة يتحدث بألم عن الوضع المتأزم، الذي أدخل البلبلة على المنظومة الاستهلاكية للتونسيين خاصّة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الأجور وتزايد البطالة وانتشار الفوضى.
بدا التشنج واضحاً على بوسدرة فهو مثل غيره من المواطنين لا يجد في الأسواق ما يحتاجه من السكر والماء والحليب. عن ذلك يقول بوسدرة: "هناك تجار يستغلون هذه الأزمة الليبية للربح المادي على حساب الشعب التونسي .نحن ندخل إلى ليبيا سلعاً من الخضروات والغلال، وهذه سلع متوفرة بقدر كاف في السوق التونسية. أما المواد الغذائية المدعمة فالمفروض ألا تمر حتى تحقق السوق التونسية اكتفاءها الذاتي".
لكن أكثر ما يقلق بوسدرة هو احتكار كميات كبيرة من السلع والمواد الغذائية وتكديسها في محلات تجار مدينة بن قردان. ويتساءل في هذا السياق قائلاً: "هل يعقل أن منطقة مثل باجة التي تنتج أطناناً من السكر تكون مفرغة من هذه المادة ثم نأتي هنا إلى بن قردان لنجد أطناناً أمام المحلات؟" يؤكد بوسدرة أنه ذهب إلى سليانة لشراء كميات من الطماطم، فاشترط عليه المزود ضعف السعر المطروح في الأسواق فتجار ليبيا سيشترون من الفلاح بسعر مرتفع وكميات كبيرة.
من جانبه يعيب عبد الحميد الخوذي على الحكومة التونسية المؤقتة والسلطات الجمركية التقاعس في اتخاذ إجراءات تمنع خروج السلع المدعمة لليبيا ويقترح أن يكون الحل في هذه الحالة بتكثيف المراقبة الديوانية على المواد الغذائية المدعمة. كما يمكن على حد قوله أن يقع الاتفاق مع السلطات التونسية على استيراد كميات لحساب ليبيا عن طريق تونس كي لا تُستنزف السوق المحلية من خلال ارتفاع الطلب، ما يسبب في النهاية غلاء المعيشة في تونس.
مبروكة خذير - تونس
مراجعة: عماد غانم