النازحون على الحدود الليبية التونسية: "الوضع كارثي وأفلتنا من موت مؤكد"
٢٤ فبراير ٢٠١١تباينت الآراء وتضاربت تصريحات اللاجئين إلى الأراضي التونسية في مدينة رأس جدير الحدودية مع ليبيا. لكن الخوف والهروب من بطش ما يحصل في بعض المدن الليبية من مجازر وقتل وترهيب كان العنصر الجامع بين آلاف اللاجئين القادمين إلى الحدود الليبية التونسية، والذين لم يتم حصر عددهم رسمياً بعد. وبينما يصرح التونسيون والمصريون والأوروبيون بالأقوال نفسها واصفين الوضع في ليبيا بالكارثي، فإن اللاجئين الليبيين ما زال تعتريهم حالة من التردد في الحديث عن أي خروقات يرتكبها نظام معمر القذافي في حربه المعلنة على المحتجين. الفرق شاسع بين من يصرح به أمام وسائل الإعلام وبين ما يقوله الليبيون في أحاديثهم الجانبية بعيداً عن الكاميرات.
وضع مأساوي وخوف مسيطر
الوافدون على المعبر الحدودي بين ليبيا وتونس يجمعون على أن طريقهم لم تكن بالسهلة، فقد تعمد رجال الأمن الليبي التنكيل بهم ومصادرة كل ما يمتلكونه من أمتعة. كما انتزعت منهم هواتفهم النقالة مخافة أن تكون محملة بصور عن ما يحصل في تلك الأراضي من انتهاكات للمواطنين وقصف للدن.
العامل المصري محمد أحمد بن محمد أمضى ثلاثة أيام دون أكل أو شرب ليصل إلى الحدود التونسية الليبية في رأس جدير. وتعتريه سعادة لأنه أفلت من الموت على الرغم من أنه لم يتمكن من الخروج بأي شيء مما جمعه من أموال طيلة سنوات عمله هناك. فقد صادر الأمن الليبي منه كل شيء. وعن ذلك يقول أحمد بن محمد في حوار مع دويتشه فيله: "منذ أيام لم نتمكن من النوم، الرصاص والقصف كانا يحيطان بنا من كل جانب. ولم يتسن لنا مغادرة البيوت لمشاهدة ما خلفه ذلك القصف المروع من دمار وقتلى، لكن الأكيد أن أعداد الأموات بلغ المئات، فلم يكن الرصاص يهدأ فوق رؤوسنا طوال الليل".
ويضيف بن محمد بالقول: "كان المواطنون الليبيون طيبين معنا، فرغم خوفهم وألمهم فقد ساعدونا على الوصول إلى الحدود التونسية الليبية، فقد خبؤونا عن أعين رجال الأمن الذين رأوا فينا مرتزقة وسببا فيما يحصل في ليبيا من أحداث دامية بحكم كوننا أصحاب ثورات أسقطت الدكتاتورية في مصر و تونس".
أما المواطن التونسي خليفة صالح، الذي كان يعمل حداداً في مدينة مسراطة الليبية، فيقول: "ميليشيات القذافي عاثت فساداً في مدينة مسراطة لقد أحرقوا كل شيء المدارس والمؤسسات وحوالي 4000 سيارة مستوردة من الصين. لم تمس الميليشيات بيوت المواطنين لكن الأوضاع رديئة جداً وقابلة للانفجار مجدداً في أي لحظة".
وعن آراء الليبيين في الأحداث التي يشهدها بلدهم خصوصاً بعد خطاب القذافي الأخير، قال صالح: "ما نراه من انقسام في آراء الليبيين لا يخص إلا العاصمة طرابلس، لكن في داخل المدن الليبية الأخرى الناس كلها ضد نظام القائد معمر القذافي وضد ما ارتكبه في حق الليبيين. هناك آراء ومواقف موالية للقذافي في الظاهر لكن في الخفاء تعتري المواطنين حالة من عدم الرضا، فقد جندت السلطات الليبية مرتزقة أفارقة للتنكيل بالمحتجين، وهؤلاء يقتحمون البيوت ويستولون على كل شيء تحت التهديد".
نقص حاد في الأدوية
في النقطة الحدودية بين طرابلس وتونس التقت دويتشه فيله مواطناً ليبياً، رفض في البدء التصريح بأي شيء. لكنه بعد أن اشترط الانزواء في مكان بعيد عن الأنظار وعدم تصويره أو التصريح باسمه تحدث عن أوضاع مأساوية في المدن الليبية قائلاً: "ما يحصل في ليبيا مروع وخطير ودامي، أنا مواطن ليبي من طرابلس والآن هناك قصف في طرابلس. هناك نقص في الأدوية وهناك مئات القتلى. نحن نطلب تدخلاً دولياً لوضع حد للمجازر الحاصلة في ليبيا. الشعب الليبي كله يرفض القذافي في شرق ليبيا وغربها، هذا الدكتاتور لم يتبق له الكثير. سيكون يوم الجمعة هو يوم الغضب وسيخرج كل الليبيين لوضع حد لهذا الطاغية وأتباعه".
وأضاف المواطن الليبي: "هناك شرذمة قليلة ممن لطخت أياديها بدماء الأبرياء وهم حماة الثورة مثل ما يطلق عليهم هناك، هؤلاء منهم من عاد إلى صوابه وانضم إلى عامة الشعب. الآن أصبح الشعب الليبي يتنفس الحرية ونظام القذافي انتهى فعلياً، المسألة مسألة أيام معدودة فقط".
تنديد بالصمت الدولي
المواطن الليبي، الذي التقته دويتشه فيله ورفض الكشف عن أسمه، أشار إلى أن ما يحدث في ليبيا إبادة جماعية بمعنى الكلمة، "فهناك أحاديث عن نية النظام استعمال غازات سامة لقمع المحتجين". وطالب "المجتمع الدولي بالتحرك لوقف ممارسات النظام، فليبيا ليست مصالح اقتصادية فحسب، وإنما شعب يتعرض لإبادة جماعية ويفترض على المجتمع الدولي التدخل حتى في الأمور الإنسانية. لجميع الدول الأوروبية مصالح اقتصادية مع ليبيا، وإذا أرادت الحفاظ عليها مستقبلاً، فيجب عليها النظر إلى مستقبل الشعب الليبي". وأضاف بالقول: "يتحدث الأمريكيون بكل أسف عن أربعة مواطنين أمريكيين قتلوا، لكن نحن الليبيون نُقتل بالمئات في مدينة بنغازي وبقية المدن الثائرة. ماذا ينتظر المجتمع الدولي للتدخل ضد هذا الطاغية ؟".
أطراف خارجية؟
في وسط مدينة بن قردان التونسية التي تبعد 35 كم عن المعبر الحدودي مع ليبيا، تقف سيارة إسعاف ليبية يحاول سائقها تصريف العملة. توجهنا إليه بالسؤال عن سبب وجوده في تونس، فبدا متشنجاً وطفق يخاطبنا قائلاً: "إذا كنت من قناة الجزيرة (الحقيرة) أو قناة العربية (السيئة الذكر) فإني ارفض الحديث معك. هؤلاء يريدون بث الفتنة بين الليبيين، ويقدمون للعالم مغالطات عما يحصل في ليبيا. ليبيا الآن هادئة ونحن أحسن حالاً من ذي قبل. يريدون تعكير صفو حياتنا. معمر القذافي هذا قائدنا وفخرنا ونحن معه حتى النهاية. المسالة وما فيها أنني أتيت إلى هنا بمواطن ليبي كان قد خضع لعملية في تونس وتدهورت حالته الصحية، فأتينا به لطبيبه الخاص. ليس لدينا مصابين أو جرحى وليس لدينا أي أحداث دموية مثل ما يقوله الناس".
وجهنا سؤالا لسائق سيارة الإسعاف الليبية مستفسرين عن الصور التي تبثها وسائل الإعلام العالمية للمجازر المرتكبة في ليبيا، فأضاف قائلاً: "كل ما ترونه هراء هذه صور مركبة وغير صحيحة وفيها ما يعود لسنوات سابقة، لا تصدقوا ما يقال، هذه أطراف خارجية لا تريد الخير لقائدنا وشعبنا الليبي".
قوافل مساندة
وفي الوقت الذي أعلنت فيه مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين أنها تعمل عن كثب مع السلطات التونسية لإقامة مخيم مؤقت لإيواء نازحين محتملين من ليبيا على الحدود المشتركة مع تونس، بدت كل الفنادق في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا تزخر بالمواطنين الليبيين، الذين فروا إلى تونس مخافة القتل والتنكيل. كما يتوقع أعوان الديوانة التونسية تزايد النازحين إلى الجنوب التونسي من الليبيين الذين تعودوا على الوفود بشكل مكثف إلى تونس .
المواطنون التونسيون أقاموا من جانبهم الخيام في المعبر الحدودي في مدينة رأس جدير، كما جهز الهلال الأحمر التونسي بالتعاون مع وزارة الصحة التونسية والجيش الوطني التونسي والحماية المدنية ومنظمات حقوقية أخرى ومؤسسات المجتمع المدني مخيمات مجهزة بالأدوية والأطعمة والكوادر الطبية والحماية المدنية لاستقبال اللاجئين من ليبيا، ممن كانوا يقيمون هناك أو من المواطنين الليبيين الذين قد يحتاجون إلى الإغاثة و العناية الطبية.
لكن رغم كل هذه المساعي يجد المصابون والجرحى من الليبيين عناءً كبيراً في الوصول إلى الحدود التونسية الليبية. عن ذلك يقول مبروك المعياري، وهو ممرض في المستشفى الجهوي بمدينة بن قردان: "نحن هنا لإغاثة كل الوافدين من كل الجنسيات وقد وردت علينا حالات تعاني من خوف ورعب وهلع مما رأوه ومن كل ما يحصل من أحداث دامية هناك. لكن للأسف يعجز المصابون الليبيون عن الوصول إلى هنا، لأن السلطات تمنعهم من مغادرة ليبيا، رغم توجيهنا نداء لكل هؤلاء بأننا على أتم الاستعداد لتقديم العون والمساعدة".
وبالتوازي مع ذلك صرح اللاجئون من الأراضي الليبية إن المستشفيات في ليبيا محاصرة من قبل الجيش الليبي وأنها تمنع دخول المصابين والجرحى إلى داخلها لتلقي العلاج، وهذا ما يزيد المأساة الليبية تعقيداً ودموية.
مبروكة خذير - المعبر الحدودي بين تونس وليبيا في رأس جدير
مراجعة: عماد م. غانم