هل فشل حلف الأطلسي في مهمته في ليبيا؟
١١ أغسطس ٢٠١١منذ ستة أشهر والصراع ما زال مستمراً في ليبيا. فمن جهة تقاتل القوات التابعة للعقيد الليبي معمر القذافي ضد قوات الثوار التي استطاعت أن توسع نفوذها في أغلب المناطق الغربية للبلاد. ومن جهة أخرى تقوم قوات حلف شمال الأطلسي وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا بعمليات عسكرية ضد المنشآت الاستراتيجية التي ما تزال تحت سيطرة القذافي وأتباعه. عمليات حلف الأطلسي هذه لم تكن لتتم دون التفويض الخاص، الذي منحه إياه مجلس الأمن الدولي.
هجوم دون سند قانونية
لكن هذه العمليات استهدفت وبشكل متزايد في الفترة الأخيرة أهدافاً غير عسكرية ما أدى إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين. كان آخرها الهجوم على مبنى الإذاعة والتلفزيون الليبي ما أثار انتقادات عديدة داخل المجتمع الدولي، وكانت روسيا والهند في مقدمة الدول التي انتقدت هذا الهجوم. ومثل هذه الهجمات لا تدخل في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي، التي تنحصر في تطبيق قرار الأمم المتحدة القاضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا. وحتى البيان الثاني لمجلس الأمن والذي ينص على اتخاذ كل الإجراءات لحماية المدنيين، يتعارض مع مثل هذه الهجمات، وإن كان يفتح الباب واسعاً أمام تفسيرات قانونية وسياسية عدة، كما يرى المراقبون.
ورغم نفي المسؤولين في حلف الناتو وجود معلومات موثقة عن سقوط ضحايا إثر هذا الهجوم، إلا أن بعض الخبراء يرى في مثل هذه العمليات تعبيراً عن المأزق الذي وصلت إليه قوات الحلف. وفي هذا السياق يرى الدكتور حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول الوطن العربي والمتوسط في جنيف، أن الحلف وصل الآن "إلى طريق مسدود لأن فاتورة الحرب في ارتفاع مستمر بشكل غير منتظر. فقد كان يتوقع أن تتم عملية إسقاط القذافي في غضون أسابيع قليلة من بدء العمليات العسكرية." ويعتبر عبيدي أن من غير المبرر قانونياً شن هجوم على مبنى للإذاعة والتلفزيون رغم الشرعية الدولية للعمليات العسكرية التي تعطيها قرارات مجلس الأمن، ويضيف بأن: "وسائل الإعلام محمية من قرارات أخرى صادرة عن الأمم المتحدة وتخص حماية الصحفيين".
"إسكات وسائل الإعلام لن يكون الحل"
أما الصحفي السويسري جيوم شونوفيير، رئيس اتحاد الإذاعات الدولي، فيذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أنه وبالرغم من الحملات التحريضية التي يقوم بها الإعلام الرسمي الليبي، فإنه لا يرى في "محاولة إسكات مصادر المعلومات الحل المناسب لذلك. فالمعلومة الفاسدة يجب محاربتها بالمعلومة الجيدة، كما يجب الاستثمار في إمكانيات إعلامية جديدة لتوضيح ما يحدث هناك".
لكن من المؤكد أن الهجمات التي يشنها الحلف الأطلسي سبقتها "دراسة لكل الأهداف التي تم ضربها بعناية"، كما يقول عبيدي. فقوات الحلف "تعي جيداً ردود الفعل التي يمكن أن تنجم عن هذه الضربات. وبالتالي يمكن القول أن حلف الأطلسي وصل إلى نقطة اللاعودة. ولا يمكنه الآن أن يتخلى عن مهامه العسكرية لأن ذلك سيعتبر فشلاً ذريعاً قد يكون الأول من نوعه منذ إنشاء الحلف".
إعادة التفكير في الخيارات العسكرية؟
إن تراجع الولايات المتحدة عن المشاركة في القيام بعمليات عسكرية في ليبيا زاد من حدة مأزق حلف شمال الأطلسي في ليبيا، وهدف إسقاط نظام القذافي مازال بعيد المنال. وكما يرى عبيدي يبقى من الصعب القضاء على نظام القذافي من خلال العمليات العسكرية فقط. ففي ليبيا لا توجد "دولة أو مؤسسات حتى يمكن القول بأن شل حركة المؤسسات أو النظام السياسي يعني شل البلاد. وإنما النظام السياسي في ليبيا هو مبني ويدور في فلك شخص واحد وهو القذافي والحلف الأطلسي بترسانته العسكرية لا يمكنه أن يتتبع شخصاً واحداً."
ويرى الخبراء أن مأزق قوات الحلف بقيادة فرنسا وبريطانيا وتباطؤ وتيرة الوصول إلى تحقيق الأهداف المتوخاة سيكون لها تأثير سلبي على التفكير الاستراتيجي داخل مجلس الأمن. وفي هذا السياق يشير عبيدي إلى أن دول الحلف المشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا "ستضطر إلى التفكير بدقة قبل لجوئها إلى الخيار العسكري والتدخل في حالات مشابهة لليبيا، كما هو مطروح حالياً للنقاش فيما يتعلق بالملف السوري".
وعلى الرغم من إعلان سفير روسيا لدى الناتو عن وجود مخططات عسكرية للحلف لضرب أهداف استرتيجية في سوريا، إلا أن عبيدي يستبعد الخيار العسكري للأسباب المذكورة أعلاه. إضافة إلى ذلك تختلف الوسائل الدفاعية في سوريا حالياً عما كانت عليه الوسائل الدفاعية الليبية لحظة بدء العمليات العسكرية قبل ستة أشهر. كما "أن سوريا تملك قوة عسكرية متماسكة جداً ولديها قوة نظامية" ولا توجد لحد الآن أي آثار للانشقاقات داخل الجيش السوري. كما أن الملف السوري لا يزال بعيداً عن اختيار الأسلوب العسكري لحله، وذلك لعدم وجود قاعدة توافقية داخل مجلس الأمن، كما كان عليه الحال في ليبيا، حسب قول عبيدي.
خالد الكوطيط
مراجعة: عماد غانم