الإدارة الأمريكية بين نشر الديموقراطية بالقوة ودعم التحول السلمي
يبدو أن تجربة أمريكا في العراق والتحولات السياسية "السلمية" نحو مزيد من الديموقراطية كالثورات الشعبية التي شهدتها وتشهدها بعض مناطق العالم كدول الاتحاد السوفييتي السابقة والحراك السياسي في المنطقة العربية كما في مصر ولبنان قد أضعف إلى حد كبير من حجة اللجوء إلى القوة العسكرية كوسيلة وحيدة لفرض الديموقراطية لصالح إشراك وسائل أخرى. ولكنها تظل على الأقل حتى الآن وسائل مكملة و مساعدة وليست بديلة للخيار العسكري.
"التدخل السريع" لدعم الديموقراطيات
فالفراغ الذي أحدثه سقوط نظام صدام حسين و الصعوبات التي واجهتها و تواجهها الولايات المتحدة نتيجة عدم وجود البديل الجاهز لسد الفراغ في حينه قد أجبر إدارة الرئيس بوش أن تراجع حساباتها في ظل الانتقادات الداخلية والخارجية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى الاستفادة من تجاربها السابقة فيما يتعلق بسياستها الخارجية. ففي خطابه الأخير في المعهد الديموقراطي الدولي اعترف الرئيس بوش بأن إعادة اعمار العراق لم تسر بالشكل المطلوب، معللا ذلك بان القوات العسكرية وان كانت قد أثبتت قدرتها على التحرك السريع في أي مكان في العالم فهي لم تلقَ مساندةً لائقة من الجانب الدبلوماسي والمدني.
في ظل سعيها لتلافي الأخطاء السابقة التي رافقت الاحتلال "العسكري" للعراق وما صاحبه من عدم وجود خطة جاهزة لمرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين التي اتسمت بالفوضى والعنف، تسعى إدارة بوش إلى تشكيل جهاز خاص لدعم الديموقراطيات الوليدة سواء تلك التي تأتي بالقوة العسكرية أو الثورات الشعبية. مهمة هذا الجهاز هي"التدخل السريع" للمساعدة في لإعادة الاعمار وفي تحقيق الاستقرار أثناء الفترات الانتقالية. وسيكون بـإمكان الذين يسعون إلى تحقيق حريتهم أن يجدوا لهم في الولايات المتحدة الأمريكية حلفاء حقيقيين، وفقا لتعبير بوش. ولتحقيق هذا الغرض يسعى بوش إلى اعتماد ميزانية خاصة لـهذا الجهاز ضمن ميزانية العام 2009 بمبلغ 124 مليون دولار وسوف يتم تشكيله من الدبلوماسيين والموظفين الرسميين.
إعادة ترتيب الاولويات
شجعت الانتفاضات الشعبية و" الثورات البيضاء" في دول الاتحاد السوفيتي السابق المدعومة أمريكيا، شجعت الإدارة الأمريكية على أن تفضل إتباع سياسة الدعم السياسي لتلك التغيرات الديموقراطية وتتبناها لصالح سياستها الداعية إلى نشر الديموقراطية في العالم دون اللجوء كل مرة إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية أو استخدامها فعلا. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فان الدعوة الأمريكية إلى الإصلاح والديموقراطية التي كانت مقرونة بالتهديد بفرضها بالقوة، فتعتقد الإدارة الأمريكية بعد تجربة العراق أن الدعم السياسي للتغيير يظل هو الخيار الأول للوصول إلى الهدف بأقل الخسائر الممكنة. فالحرب كوسيلة لفرض "الديموقراطية الأمريكية" ـ كما في حالة العراق ـ لم تأت بالنتائج التي كانت تتوخاها الإدارة الأمريكية. إذ أن تبعات الحرب كانت كبيرة بكل المقاييس كم أنها قد تسببت لها بالنقد على المستويين الداخلي والخارجي وزادت من موجة العداء للولايات المتحدة في العالميين العربي والإسلامي. كل هذا حتم على الولايات المتحدة إعادة ترتيب اولويات سياستها الخارجية لجهة الخيار الدبلوماسي على حساب الخيار العسكري.
عبده جميل المخلافي