الإصلاح السياسي سلاح أمريكي أم حاجة عربية؟
جاء خطاب الرئيس الأمريكي بوش في الكلية الحربية التابعة لجامعة الدفاع الوطني متفائلاً فيما يخص إصلاح الشرق الأوسط. ورأى بوش أن براعم الديموقراطية بدأت تتفتح في أفغانستان والعراق والأراضي الفلسطينية، حيث نجحت هذه المناطق في إقامة انتخابات حرة ونزيهة، كذلك استشهد بوش بإقدام السعودية على إجراء انتخابات بلدية للمرة الأولى في تاريخها، وأيضاً اقتراح الرئيس المصري حسني مبارك بتعديل دستوري يفتح المجال لاختيار رئيس الدولة بين أكثر من مرشح في الانتخابات القادمة. وقال بوش في خطابه إن السياسة الأمريكية لم تعد تتجه نحو دعم الحكم الشمولي في منطقة الشرق الأوسط تحت اسم الاستقرار، معتبراً أن انتشار الديموقراطية في المنطقة بات ضرورياً من أجل الانتصار على الإرهاب.
من المعروف أن بوش جعل من قضية النهوض بالحرية في شتى أرجاء العالم موضوعاً رئيسياً على جدول أعمال فترته الرئاسية الثانية، ووعد في خطاب التنصيب جميع المقهورين والمظلومين بوقوف أمريكا الى جانبهم إذا هبوا من أجل حريتهم. ومن المعروف أيضاً أن العالم العربي يمتلئ بمثل هؤلاء المقهورين والمظلومين، الذين بح صوتهم منذ عقود لإقناع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بوقف دعمها الكامل للأنظمة العربية الشمولية التي تقمع شعوبها. واليوم نعيش في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، عالم الحرب على الإرهاب، عالم تظهر فيه الديموقراطية والحرية والعدالة كسلاح لا كقيم إنسانية، فالإدارة الأمريكية اكتشفت فجأة أن الإصلاح قد يساعدها في حربها على الإرهاب، فهبت إلى ذلك السلاح وضغطت على الزر. وماذا حدث بعد ذلك؟
المتفائلون
يرى المتفائلون أن المنطقة العربية بحاجة إلى الضغط الأمريكي على أنظمتها لدفعها للسير في طريق الديموقراطية، فالشعوب العربية ليست بمقدورها في الوقت الحالي القيام بتغييرات كبيرة مفاجئة، والصيغة الملائمة للظرف الراهن هي انتشار الديمقراطية بوتيرة متمهلة، تعتمد على تفريغ بطيء وفعلي لسلطة الحكام المطلقة، وليس انتشارا سريعا للديمقراطية عن طريق انقلابات. ويميل المتفائلون إلى التعامل بشكل براغماتي مع الضغط الأمريكي، فهو شر لابد منه ولن تكون هناك قوة دافعة للتغيير بدونه. الأفغان ما كان باستطاعتهم إزاحة حكم طالبان وحدهم، والعراقيون فشلوا في إسقاط صدام حسين اعتماداً على جهودهم الذاتية.
ويرون أنه يجب النظر بشكل إيجابي إلى الخطوات الصغيرة المتعاقبة، فمن كان يظن قبل عشر سنوات أن هناك حاكما عربيا ستقل نسبة فوزه بالانتخابات عن 99 بالمائة؟ لقد حدث هذا اليوم في فلسطين. ومن كان يتصور أن يتشكل برلمان عربي عن طريق انتخابات حرة؟ حدث ذلك في العراق. ومن كان يصدق أن تحدث انتخابات في السعودية؟. إن خروج العراقيين للانتخاب رغم خطر الموت، ورغبة الفلسطينيين في تغيير إدارتهم، وجرأة اللبنانيين في المطالبة بالخروج السوري، كلها إشارات صغيرة تدل على أن شيئاً ما يحدث في العالم العربي، ويجب انتهاز هذه الفرصة لإكساب هذه الخطوات دعماً حقيقياً يمكّنها من إحداث تغيير أوسع. فعلى أي حال تغييرٌ بمقدار سنتيمتر واحد هو أفضل من لاشيء. هكذا يفكر المتفائلون.
المتشائمون
لن يستتب الأمن في العراق ليصبح بلداً ديموقراطياً، فكل يوم تنفجر سيارة مفخخة تودي بحياة العشرات من المواطنين، وكل يوم يختطف عامل أجنبي لمساومة حكومته. ولن يتحقق تقدم في مسيرة العملية السلمية في الشرق الأوسط بسبب الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، وبالتالي ستذهب شجاعة التغيير الفلسطينية أدراج الرياح. وفي لبنان يتم استخدام حجة المطالب الديموقراطية لتضييق الخناق على النظام السوري وإجباره على توقيع معاهدة سلام مجحفة مع إسرائيل. هكذا يفكر المتشائمون.
ويرون أن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم من الخارج بضغطة زر، بل يجب أن يبدأ من الداخل. فالإصلاح من فوق مؤقت وزائل، أما الإصلاح من أسفل فنافذ ودائم. ويتعجبون من تصرف الإدارة الأمريكية كأنها المالكة الشرعية للعلامة التجارية "الحرية والديمقراطية" والمسئولة الوحيدة عن حق توزيعها. وينظر المتشائمون بعين الريبة للكلمات الأمريكية المعسولة حول الشرق الأوسط الكبير وأهمية الحرية والديمقراطية، فهي بالنسبة لهم "كلمة حق يراد بها باطل". فلا أحد يختلف على حاجة المجتمع العربي الماسة إلى الإصلاح السياسي، لكن الإصلاح بمعزل عن مشروع وطني كبير سيبقى مجرد إصلاح ناقص، مجرد اداة في الحرب على الإرهاب.
المواطن العربي يقف بين التفاؤل والتشاؤم، فله مع الإدارة الأمريكية تاريخ طويل من عدم الثقة يجعله يستريب أشد الريبة في نواياها، وله مع حاكمه تاريخ مواز من القمع والقهر يريد أن يضع له حداً بأي شكل. وبدون أجندة خاصة به سيقتصر الأمر على تغيير نظام حكم بنظام حكم شبيه، دون تقدم فعلي.
هيثم الورداني