عامان على سقوط بغداد بيد القوات الأمريكية
"العراقيون لم يجنوا شيئا ولم يجنوا خيرا من الاحتلال. هناك احتلال وهذا الاحتلال له علاقة بالارهاب"، بهذه الكلمات خاطب الشيخ عبدالهادي الدراجي، مساعد الزعيم الشيعي مقتضى الصدر، جموع المتظاهرين التي تجمعت أمس في ساحة الفردوس في وسط بغداد للاحتفال بالشيء ونقيضه: سقوط بغداد على أيدي القوات الامريكية كمقدمة لاحتلال العراق كاملا، وسقوط النظام صدام حسين البعثي على أيدي القوات الامريكية أيضا. فقد لوحظ في المسيرات تركيزها على الاحتلال الامريكي للعراق وضرورة خروج قوات التحالف من أراضي الفرات باسرع وقت ممكن اكثر بكثير من اشارتها الى صدام حسين وماضي نظامه ازاء الطوائف المختلفة في البلاد وعلى رأسها الشيعة والاكراد، وهو ما يمكن تفسيره بأن القوى القائمة على هذه المظاهرات تريد ابقاء الشارع في حالة هيجان عن طريق شحن الجماهير عاطفيا ضد الواقع الحالي الذي يشكل التحدي الحقيقيي لطموحات الشعب العراقي في نيل حريته واستقلاله الحقيقيين حسب رأيهم. ففي هذا السياق دعا الامام الشيعي مقتدى الصدر في خطبة تلاها الشيخ ناصر الساعدي امام حشد غفير الى "قطع رقاب" المحتلين "كما يقطعون رقاب المؤمنين". وفي اشارة الى نداء الائمة السنة والشيعة الى المشاركة في هذه التظاهرة قال الصدر "اعلموا بانكم بوقفتكم هذه اثبتم للعالم اجمع بان الشعب العراقي رافض للاحتلال ورافض لكل الدكتاتوريات واحدة تلو الاخرى لا يفرق بين واحدة منها مهما اختلفت العناوين". واضاف "لا امن ولا امان الا بخروج المحتل فليخرج المحتل من بلدي وليمن الله علينا بالامن والامان".
9 أبريل/نيسان يوم التحرير أم السقوط؟
كتب على أحد اللافتات في مسيرات الامس: "9 – 4 يوم للاحتلال وليس يوما وطنيا"، بينما قالت لافتة اخرى:"العراق للعراقيين وللمحتلين الرحيل". ويبدو في هذه العبارات اشارة الى أول قرار لمجلس الحكم بعد تأسيسه في يوليو/ تموز عام 2003 وهو اعتبار يوم التاسع من ابريل/ نيسان "اليوم الوطني للعراق" لانه اليوم الذي تم فيه اسقاط تمثال الرئيس السابق صدام حسين بأيدي القوات الامريكية، وهو ما أثار ردود فعل كبيرة بين اوساط المجتمع العراقي التي رأت في هذا اليوم يوما للاحتلال اكثر منه يوما للتحرير. واظهر ملصق يحمله عدد اخر من المتظاهرين صورة لجندي امريكي وهو يصوب بندقيته على راس عراقي كان يجلس تحت قدميه وقال الملصق: "ما اشبه اليوم بالبارحة." واعتبر أكبر الاحزاب السنية في العراق " الحزب الاسلامي العراقي" أن تاريخ التاسع من ابريل/ نيسان "سيبقى يوما اسودا في تاريخ العراق وان على العراقيين ان يقيموا مآتمهم في هذا اليوم من كل عام." وقال بيان للحزب تسلمت رويترز نسخة منه ان "يوم 9 - 4 الذي سقط فيه طاغوت ليحل محله طاغوت محتل سيبقى يوما اسودا في تاريخ العراق البلد المسلم الامن. وقال الحزب الاسلامي العراقي وهو من الاحزاب السنية التي لم تشترك في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد اواخر يناير/ كانون الثاني الماضي "لقد وعد الشعب العرقي بالامن والازدهار بعد سقوط الصنم وتم اقناعه ان لا سبيل لاسقاطه الا بالاحتلال." وتجدر الاشارة هنا الى أن الحزب الاسلامي العراقي شارك في مجلس الحكم الذي شكل بعد سقوط النظام، الا انه انسحب منه بسبب اعطاء حكومة اياد علاوي الضوء الاخضر للهجوم على الفلوجة.
صدام حسين بعد عامين . . . الغائب الحاضر
ربما يصعب على المرء أن يجد آراء متباينة ازاء شخص أو حدث ما كما هو الحال في العراق هذه الايام. ويرتبط هذا الرأي أو ذاك بالمنطقة الجغرافية لصاحبه، فصدام حسين بالنسبة للاكراد في الشمال "دكتاتور وفاشي ذبح شعبه"، على حد وصف الزعيم الكردي والرئيس العراقي الحالي جلال طالباني، وفي الجنوب حيث الاغلبية الشيعية لا يذكر اسم صدام بخير، بل أن الغالبية تتجنب تسميته بالاسم وتفضل استخدام وصف "الطاغية"، الا ان هذه الاغلبية لا تكن أيضا مشاعر الولاء والشكر للقوات الامريكية، بل تعتبرها "طاغوتا حلّ مكان طاغوت آخر". أما في المناطق ذي الغالبية السنية، فما زال صدام حسين رمزا للغالبية العظمى منهم، الامر الذي يفسر انتشار ما يعرف للبعض "بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال ورجالاته" وللبعض الآخر "بعصابات الارهاب والقتل". فارس الجبوري (50 عاما) يبدأ بالبكاء حين يذكر كيف تسلق جندي اميركي على تمثال صدام وسط بغداد وبدأ بثبت علمااميركيا حوله قبل ان يتم ربط التمثال بحبل ثبت على عربة اميركية مدرعة ليتم اسقاطه. ويوجه سامر الدوري (35 عاما) له الكلام بالقول "اصمت،لا تفتح جراحي". ويجلس الرجلان بين اصدقائهم على مقاعد خشبية متهالكة في مقهى شعبي في منطقة تسكنها غالبية من السنة على طول نهر دجلة. ويقول هؤلاء ان صدام كان زعيما عظيما الا انهم يشككون في حكمته في اتخاذ قرارات مثل شن حرب على ايران او غزو الكويت. وقال ابو بلال (40 عاما) "نعم لقد كان لصدام نزعة دكتاتورية، الا اننا نفضل الاف صدام ولا جندي اميركي واحد على ارض العراق الطاهرة". تناقض في المصالح وفي الاوصاف وفي المواقف والآمال والتطلعات، وهذا ما يجعل مهمة اية حكومة قادمة غاية في التعقيد.
فريق يدعو الى خروج القوات الامريكية فورا ويشكك بصحة الانتخابات ويصف الاعمال المسلحة في العراق "بالمقاومة" ويعتبر الـ 9 من ابريل/نيسان يوم سقوط بغداد، وفريق مدعوم من الجهات الرسمية الحكومية يدعو الى التريث الى حين بناء القوات العراقية بشكل يمكنها من التصدي للتحديات الامنية الصعبة ويحتفل بـ 9 من أبريل كيوم استعادة الشعب العراقي حريته. وبغض النظر عن صواب منطق أي من الفريقين ازاء هذه القضية أو تلك، لا يبقى أمام العراقيين الا النظر الى المستقبل بعيدا عن الطائفية والعرقية، وهو الامر الذي تكرس للاسف في توزيع المناصب الحكومية والرئاسية. الطائفية هي أكبر عدو للديمقراطية الحقيقية، ولن يصلح امر شعب يكون اساس اختياره لممثيله قائما على حسبٍ أو نسبٍ وليس على مبدأ الكفاءة والامانة والاخلاص لمبادئ الحرية والديمقراطية ومصالح الشعب.