إدماج دمشق في العملية السياسية مفتاح لحل أزمة الشرق الأوسط
٢ أغسطس ٢٠٠٦تتبلور في أروقة الدبلوماسية الأوروبية حاليا فكرة مفادها أن مفتاح حل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط يكمن في تحييد حزب الله كقوة عسكرية، ومساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها على الجنوب لتنهي وضع "دولة داخل الدولة" الذي خلقه وجود حزب الله المسلح. غير أن الدبلوماسية الأوروبية، على خلاف الاستراتيجية الإسرائيلية، ترى أن تحقيق هذا الهدف لن يتم سوى عبر تقديم مقترحات سياسية وتطوير أفكار بناءة تغري حزب الله بالانخراط في العملية السياسية.
في حديثه المطول لصحيفة زود دويتشه تسايتونج Süddeutsche Zeitung أوضح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن حجر الزاوية في المساعي الدبلوماسية الأوروبية يكمن في إدماج سوريا في عملية استعادة الاستقرار في المنطقة، ومحاولة جذبها بعيدا عن محور إيران - حزب الله. فموقع سوريا محوري في الشرق الأوسط ونفوذها كبير على حزب الله، لذلك سيكون الدور الذي يمكن أن تضطلع به مؤثرا وحيويا في المنطقة برمتها.
آفاق التعاون الاقتصادي
وفي معرض تعليقه على وجهة النظر الأمريكية الداعية إلى تهميش الدور السوري يقول شتاينماير: "أستطيع تفهم مدى جاذبية استخدام اللونين الأبيض والأسود في تصوير السياسة الخارجية لبلد ما، لكن التجارب علمتني أن الصور الملونة أكثر غنى." ويعني بذلك أن الأوروبيين لن يخففوا من انتقاداتهم للسياسة الداخلية السورية، لكنهم سيسعون إلى اختبار استعداد سوريا لفك ارتباطها بإيران. والمهمة التي يضعها شتاينماير على عاتقه هي تكثيف اتصالاته الجارية بالجانب السوري لرسم دور لا تكون فيه دمشق حجرة عثرة في طريق الاستقرار والسلام في المنطقة، بل شريكا فاعلا فيه.
ولعل التعاون الاقتصادي هو أحد أهم الجوانب الذي يمكن على ضوءه إرساء علاقة إيجابية بين سوريا والإتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الأساس موجود بالفعل، فقد تم التوصل سابقا إلى اتفاق شراكة بين سوريا والإتحاد أسوة بباقي الدول العربية والمتوسطية، غير أن هذا الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ بسبب عدم مصادقة كل الدول الأوروبية عليه. العقبة التي اعترضت طريق تفعيل هذا الاتفاق كانت الاعتراضات الفرنسية بشأن الدور السوري في لبنان. وعلى ضوء المستجدات الأخيرة يرى شتاينماير أن من الممكن التوصل الى حل من أجل تنفيذ هذا الاتفاق، كما يرى أن الكثير من الدول الأوروبية على استعداد لتحسين وتوسيع علاقاتها مع سوريا على صعيدي التعاون الاقتصادي والتبادل العلمي. خطوة كهذه ستفتح للنظام السوري آفاقا واسعة من أجل تحديث قطاع الاقتصاد، وهو الهدف الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد عند توليه منصبه.
"مرتفعات الجولان لاحقا"
غير أن التعاون الاقتصادي ليس هو الجانب الوحيد، فلسوريا مطالب واقعية تتعلق بأراضيها المحتلة في مرتفعات الجولان. هذه القضية الشائكة بين سوريا وإسرائيل ترغب الدبلوماسية الأوروبية في إرجائها إلى مرحلة تالية. ويعلق شتاينماير قائلا: "لا يمكن للحكومة الألمانية الآن تقديم دعمٍ مرضٍ للجانب السوري فيما يتعلق بهذه القضية". من ناحية أخرى يرى شتاينماير أن سوريا لا تعطي أهمية كبيرة لضم منطقة مزارع شبعا إلى سيطرتها، وعلى ضوء هذا الموقف الإيجابي يمكن للمجتمع الدولي أن يكثف جهوده لحث إسرائيل على إعادة هذه المنطقة المتنازع عليها في إطار حل دولي لمسألة الحدود اللبنانية. ويقول شتاينماير: "هذه خطوة تستحق بذل الجهد من أجلها، فلقد دأب حزب الله على تبرير استئنافه الهجمات على إسرائيل بحجة استعادة مزارع شبعا الحدودية".
تكمن مشكلة حزب الله من وجهة نظر شتاينماير في أن الحزب لم يحسم أمره بع لكي يختار بين أمرين: أن يكون قوة سياسية أو مليشيا مسلحة، فحسب رأيه لا يمكن لعب كلا الدورين طوال الوقت. والطبيعة الفسيفسائية للخارطة السكانية في لبنان، الذي يتكون من 28 طائفة ومذهب، تحتم إدماج الجميع في العملية السياسية من أجل الوصول إلى دولة ذات مؤسسات مستقرة. لذلك يفضل شتاينماير الاستناد إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1559 والذي ينادي بنزع أسلحة المليشيات وإدماجها في العملية السياسية.
المطلوب فك الارتباط السوري الإيراني
الملف الإيراني عاد مجددا إلى الأضواء بعد أن أصدر مجلس الأمن قرارا يوم أمس الاثنين (31 يوليو/تموز) يهدد فيه إيران بالوقوع تحت طائلة العقوبات في حالة عدم وقفها تخصيب اليورانيوم كليةً حتى 31 أغسطس/آب الحالي. وكانت ايران قد سبق وحذرت يوم الأحد مجلس الأمن من مغبة أي قرار مماثل، وربطت للمرة الأولى بين الحرب في لبنان وأزمة ملفها النووي قائلة إن النزاع في لبنان قد يكون له انعكاس على رد طهران على عرض الدول الكبرى لتسوية الأزمة، مما قد يشير إلى رغبة إيران في لعب دور في الحرب الدائرة حاليا نظير الوصول إلى تسوية بشأن ملفها النووي، غير أن شتاينماير لا يرى وجود فرصة في الوقت الحالي لإدماج إيران في العملية السياسية مثل سوريا، فطهران لم ترد حتى الآن على العرض "المغري" الذي قدمته لها مجموعة 5+1(الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا). كما أن السياسية التي تتبعها طهران في تصعيد الأزمات أملا في إخراج أزمة ملفها النووي من دائرة الضوء تلقى رفضا من قبل الأوروبيين، على حد قول الوزير الالماني.
في النهاية يلخص شتاينماير رؤيته لسبل حل الأزمة الحالية قائلا: "إن مفتاح الوصول إلى حل في المنطقة دون مشاركة إيرانية يكمن في الموقف السوري. إذ على دمشق أن تختار بين الوقوف بجانب إيران وبالتالي القبول بالعزلة الدولية، أو قبول المشاركة في العملية السياسية. ويتمنى شتاينماير أن يدرك القائمون على الشأن السوري أن مصلحة بلدهم لا ترتبط بإيران.