دور أوروبا في الشرق الأوسط: تحجيم ذاتي لعملاق اقتصادي واعد
١ أغسطس ٢٠٠٦ما يزال الرئيس الاميركي جورج بوش يحجم عن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في لبنان، رغم مذبحة قرية قانا المروعة والضغوط الدولية التي ازدادت بشكل واضح بعد وقوعها بهدف وقف هزلية وعدمية هذه الحرب، فبالرغم من إبدائه "تعاطفا مع الضحايا"، أكد بوش مجددا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحمل حزب الله مسؤولية النزاع الراهن. كما أكد بوش أن الولايات المتحدة تعمل "بشكل عاجل" من اجل سلام "دائم وقابل للحياة"، في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن للبحث في سبل وقف العمليات العسكرية على الجبهة العسكرية اللبنانية.
وعلاوة على ذلك استمر بوش بالتصدي للضغوطات التي يمارسها حلفاؤه، لاسيما العرب منهم، ما يجعل إدارته أكثر فأكثر متهمة بالتباطؤ من اجل إلحاق اكبر ضرر ممكن بحزب الله وتدمير البنية التحتية اللبنانية غير آبهة بالضحايا المدنيين. وقبيل مغادرتها إسرائيل، أعربت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، التي فشلت في لعب دور مقنع وحكيم يليق بمسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه هذا المنطقة المهمة إستراتيجيا، "عن انزعاجها بسبب المأساة في قانا"، وعن قناعتها بأنه من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار والى حل للازمة اللبنانية، خلال هذا الأسبوع.
في هذه الأثناء يتساءل المراقبون و المحللون، ومعهم كل من الشارع العربي وقطاعات كبيرة من الرأي العام الأوروبي، عن ماهية وفاعلية تعاطي النخبة السياسية الأوروبية مع التصعيد الأخير في الشرق الأوسط.
سلبية ميركل وضبابية شتاينماير
وفيما يتعلق بألمانيا، فالمستشارة ميركل، التي يبدو أنها تعاني من نقص الخبرة السياسية، اكتفت بتبني غير نقدي للموقف الأمريكي دون مراعاة خصوصية العلاقات الأوروبية العربية، واكتفت بالتركيز على عدم "التفريق بين السبب والنتيجة، لأن حزب الله وراء هذا التصعيد.(..) على حزب الله إطلاق سراح الجنديين أولا". أما وزير الخارجية شتاينماير، الذي يعاني من خلو شخصيته من الكاريزما والهالة الإعلامية التى ميزت سلفه يوشكا فيشر، فيتبنى من حيث المبدأ نفس الموقف، مع تركيزه على أن الدبلوماسية الألمانية جزء من السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وتشارك بالتنسيق مع الأمم المتحدة في الجهود المبذولة لكسر دوامة العنف.
غير أن استخدام "إسرائيل المفرط للقوة"، على حد وصف كوفي عنان، وتدميرها للبنية التحتية الكاملة للبنان، دفع أصوات نقدية داخل نخبة صناعة القرار السياسي الألماني إلى المطالبة بدول ألماني فاعل من أجل العمل على نزع فتيل التصعيد العسكري وتقديم المساعدة العاجلة لضحيا الحرب. ففى اجتماع خاص للجنة البرلمانية الخاصة بالسياسة الخارجية عٌقد خلال الأسبوع الماضي عبر ممثلو المعارضة عن استيائهم من أسلوب تعاطي المستشارة ميركل مع هذا المأساة. كما حذروا من عواقب الإدراك التبسيطي لحقائق الظروف العربية وتهميش دور القانون الدولي وهيبة الأمم المتحدة.
...وشرخ في الآراء الأوروبية
وعلى صعيد العمل الأوروبي المشترك تشجب الخارجية الفنلندية، التي ترأس الإتحاد الأوروبي دوريا، استخدام إسرائيل المفرط للقوة وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، بينما تحاول حكومة بلير تبرير السياسة الأمريكية والإسرائيلية. أما فرنسا، المعروفة بوجودها الدبلوماسي القوي في الشرق الأوسط، فقدمت إلى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط. كل هذه المعطيات السياسية تثقل كاهل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي خافيير سولانا، الذي لا يكل ولا يمل من جولاته المكوكية في الشرق الأوسط، دون أن يلعب دورا سياسيا هاما.
أوروبا مجرد حلقة في اللعبة الدبلوماسية
ليس خافياً على أحد أنه رغم تحالف الأسرة الأطلسية التي تجمع بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ثمة تمايز واضح بين الموقفين الأوروبي والاميركي من مسألة التسوية السياسية للنزاع العربي الإسرائيلي. واللافت للنظر في هذا السياق أن وضوح التفهم الأوروبي لخصوصية المنطقة العربية، إضافة إلى المصير المشترك الذي يربط منطقة الشرق الأوسط بجيرانها الأوروبيين بحكم املاءات التاريخ والجغرافيا، وتلاقي المصالح المشتركة، يترافق مع دور محدود لهذه العملاق الاقتصادي في الشرق الأوسط يصل إلى درجة التحجيم الذاتي على صعيد العمل السياسي خلال منظومة العلاقات الدولية.
ورغم الانقسامات الداخلية سيسعى الاتحاد الأوروبي في الأيام القادمة إلى تحديد موقفه في تسوية النزاع في لبنان عبر مطالبته خلال اجتماعه اليوم بوقف لإطلاق النار، حيث يعقد وزراء خارجية دول الاتحاد اليوم في بروكسل اجتماعا بدعوة من الرئاسة الفنلندية للاتحاد من اجل "بحث كل المراحل الضرورية لوضع حد للنزاع وضمنها تسوية سياسية والقوات الدولية التي من المتوقع انتشارها لدعم وقف دائم لإطلاق النار" وفقا لبيان للاتحاد. غير أنه لا يتوقع أن يسفر اجتماع الثلاثاء عن قرارات رسمية واعتبر أن الغاية منه إثبات أن الاتحاد الأوروبي "ما يزال ناشطا" في هذا الملف والتأكيد على أن الدول الأعضاء، "متفقة ومنسجمة" فيما بينها. وأضاف المصدر "من الواضح الآن انه يجب الإسراع وما يستطيع أن يضيفه الاتحاد الأوروبي بمعايير سياسية هو ممارسة الضغوط على الأجندة الزمنية (...) والشعور بأمر عاجل (..) ومن المهم للاتحاد الأوروبي أن يكون هناك تنسيق حيال الخطوات المقبلة".
ومع أن الاتحاد الأوروبي لا يشكل سوى حلقة في اللعبة الدبلوماسية الجارية في ظل تكثيف المفاوضات الدولية ضمن إطار الأمم المتحدة حول إمكانية صدور قرار خلال الأسبوع الحالي، ورغم قدرته المحدودة على التأثير في مجريات الامور، لأن أوروبا نتحرك في أطار المجتمع الدولي ولا تملك أرضية مشتركة لسياستها الخارجية، إلا أن "القارة العجوز" يمكن أن تلعب دورا هاما في صوغ آلية عمل دولية تتعاطى بشكل بناء مع وجهات النظر والمصالح العربية. فعلى سبيل المثال عبر وزير خارجية ايطاليا ماسيمو داليما في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل ثلاثة أيام عن أحد النقاط الشائكة داخل الأسرة الأوروبية حين طالب بان يعمل الاتحاد الأوروبي على "إشراك سوريا وإيران بطريقة فاعلة وايجابية في البحث عن حل للنزاع" في لبنان. أما بالنسبة لتشكيل قوة دولية لإرسالها إلى لبنان، فسوف يوفر اجتماع اليوم فرصة لبعض الدول للإعلان عن عزمها المشاركة فيها، لكن من دون تعهدات واضحة طالما أن مهام هذه القوة لم تتبلور بعد.
ووفقا لقراءة موريل أسيبورغ، الباحثة في مؤسسة العلم والسياسة SWP البرلينية، التي تعد أهم مركز أبحاث للعلوم السياسية والإستراتيجية في ألمانيا، فإن تباين رؤية المفوضية الأوروبية، وآراء ومصالح وأجندة الدول الأوروبية القومية يحول دون صياغة موقف أوروبي مشترك يترجم ثقل هذا القارة إلى وزن سياسي يمكنه يوما ما أن يعادل نظيره الأمريكي. أما فيما يتعلق بالقوة الدولية متعددة الجنسيات، فتشير الباحثة الألمانية المختصة بدراسة تطور علاقات الإتحاد الأوروبي مع منطقة حوض البحر المتوسط وجيرانه العرب، في تحليل سياسي جديد لمغزى وفرص نجاح هذه القوة في لبنان نُشر على موقع المؤسسة الإلكترونية قبيل عدة أيام، إلى "ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل لكل النزاعات الشرق أوسطية، إذا أراد المجتمع الدولي إنجاح هذه المهمة والمساهمة في دعم استقرار شرق أوسطي دائم".