ألمانيا والمغرب: تاريخ طويل من التعاون والتبادل التجاري
٨ مارس ٢٠٠٦في إطار التعاون المستمر بين ألمانيا والمغرب، التقى رئيس الوزراء المغربي ادريس جطو مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس في برلين، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبمرور 500 عام على بدء العلاقات التجارية الثنائية بينهما. وأثنت ميركل على الدور النشط الذي يلعبه المغرب بين دول جنوب البحر المتوسط في عملية برشلونة للتعاون الأورومتوسطي، كما قالت المستشارة الألمانية أن تعاون المغرب مع جيرانه يمكن أن يكون مثالاً لغيره من الدول. وتسعى كل من ألمانيا والمغرب إلى التوصل إلى تسوية في أزمة الشرق الأوسط وإيران وأفغانستان. وقد قال ادريس جطو في حديث مع إذاعة دويتشه فيله حول المبادرة المغربية الأخيرة لحل أزمة الصحراء الغربية: "إن المغرب يسعى إلى تطوير أفضل العلاقات مع جيرانه، خصوصاً مع الجزائر ويتمسك بإقامة المغرب الكبير لاعتقاده أن العديد من المشاكل يمكن أن يعالج في إطاره". هذا الانفتاح والتعاون يعد ذا أهمية كبرى في رأي ميركل، فقد شددت على ضرورة التبادل السياسي والثقافي مع المغرب، مؤكدة أن الانفتاح على الثقافات الأخرى والنمو الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر، وأضافت انجيلا ميركل: "تعتبر المغرب من أهم الدول التي تتلقى مساعدات أوروبية، ويمكن لها أن تحصل على مساعدات أكبر إذا تطورت المشاريع التي تنفذ".
الرسوم الكاريكاتورية تلقي بظلالها على الحديث الثنائي
وبالرغم من أنه كان من المقرر أن يدور الموضوع الرئيسي للمحادثات حول العلاقات الثنائية والاقتصادية بين البلدين، فإن الخلاف بشأن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام تصدر قائمة الأولويات. وقالت ميركل: "في هذا السياق ناقشنا قضية الحوار بين الثقافات والأديان، وأنا أعتقد أن المغرب على نحو خاص يمكن أن يكون شريكاً جيداً جداً لكي يتفهم الغرب مشاعر المسلمين بصورة أفضل، وفي الوقت نفسه في تقبل مبادئ حرية الدين وحق التعبير، لأن هذه أيضاً هي مبادئ الحكومة المغربية". وأعرب جطو عن اتفاقه مع ميركل في الرأي في سياق تعليقه على حرية التعبير في بلده، وأضاف: "فيما يتعلق بالانفتاح، فإن الحكومة المغربية تكفل لمواطنيها حرية الرأي وحرية الصحافة والاتصال ووسائل الإعلام. وتدرس المغرب طلبات عديدة لتأسيس محطات إذاعية وتلفزيونية وطنية ودولية، وأعلم أن هناك كثيراً من المطالبات بمزيد من الانفتاح في هذا القطاع".
التجارة وبداية العلاقات الألمانية المغربية
يرجع بعض المؤرخين بداية العلاقات المغربية الألمانية إلى عام 1506، حيث أنشئت فروع تجارية ألمانية في ميناء صافي بالمغرب. ومنذ عام 1781 بدأت المحادثات بين المغرب ومدينة بريمن الألمانية من أجل عقد اتفاقية تجارية. أما التوقيع على أول اتفاقية بين المغرب ومدينة هامبورج لتنظيم سير السفن في الموانئ المغربية فكان في عام 1802، تبعه بعدها بعدة أعوام إبرام اتفاقية مشابهة مع مدينة لوبك. وكانت التجارة أول الطريق الذي جذب الأكاديميون بعد ذلك لاستكشاف المنطقة، فبدأت الرحلات الاستكشافية والسياحية الغربية تتجه إلى مدن المغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر. كان لتلك الرحلات دوراً كبيراً في التعريف بالثقافة المغربية بين الألمان عبر ما نشره العائدون من البعثات. من بين هذه الرحلات، بعثة معهد "يوستوس بيرتس فون جوتا" عام 1854 ورحلة الأطباء التي شارك فيها جرهارد ورلفز، ونشر في عام 1873 كتابه "رحلتي الأولى إلى المغرب". اتسع الاهتمام الأكاديمي بالمغرب ليجذب معه الاهتمام السياسي والاقتصادي بالمنطقة، فقد أدركت ألمانيا ضرورة إرسال ممثل دبلوماسي لها بالمغرب. وبادر المستشار الألماني بسمارك باتخاذ قرار بفتح القنصلية الألمانية بطنجة. لكن قرار تعيين فون جوليش بمهمة تمثيل ألمانيا لدى البلاط الملكي المغربي، صادفه وفاة السلطان المولى محمد بن عبد الرحمن، فتأجل إرسال قنصلها في انتظار تنصيب السلطان الحسن الأول. عندها عرض كوليش على السلطان مساعدة ألمانيا لتكوين جيش مغربي عصري وتزويده بالعتاد الحربي والقيام بإصلاحات أخرى تهم خطوط السكك الحديدية والتلغراف، بيد أنه تغير وجاء بدلاً منه "تيودور ويبر" الذي يجيد اللغة العربية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، ووجه اهتمامه الأكبر إلى تنظيم القنصلية الألمانية في طنجة وتزويدها بأطر جديدة وكتاب ومساعدين.
التبادل الدبلوماسي والثقافي وتطور العلاقات بين البلدين
ولتقوية العلاقات مع ألمانيا، قرر السلطان حسن إنشاء قنصلية مغربية بألمانيا في مايو/آيار 1878، وبدأت تتزايد المصالح الألمانية بالمغرب، وبدأ المغرب بدوره يحتاج إلى بعض المواد المصنعة والأسلحة اللازمة لتحديث جيشه، وكانت أسلحة "كروب" الألمانية أشهر المدفعيات في ذلك الوقت، فانتقلت القنصلية إلى مدينة بريمن، حيث يوجد مصنع "كروب". وسعت القنصلية المغربية إلى إبرام معاهدات تجارية مع ألمانيا وإرسال بعثة عسكرية، ولبى المبعوث التجاري الألماني احتياجات المغرب. ورداً على هذا الاهتمام المغربي أرسل الإمبراطور فيلهلم الثاني السفير تاتنباخ، صاحب الدور البارز في إعطاء بعد جديد للعلاقات الألمانية المغربية، عبر اتفاقية فاس- أول اتفاقية تجارية ألمانية مغربية- التي أبرمها في عام 1890. وبعد انتهاء مهمة تاتنباخ سنة 1896 تبعه شنك ثم فون مانتزينجن. وتوجت العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الحقبة بزيارة الإمبراطور الألماني "فيلهلم الثاني" لطنجة في 31 ماي 1905، إبان الجولة التي كان يعتزم القيام بها في البحر الأبيض المتوسط بهدف التعبير عن انشغال ألمانيا بالقضية المغربية وتوصيل تلك الرسالة للقوى الاستعمارية خاصة مع تزايد الأطماع الفرنسية و البريطانية حول المغرب. لكن هذا لم يمنع احتلال فرنسا للمغرب الذي استمر حتى عام 1956.
وبعد حصول المغرب على استقلاله، سرعان ما عادت العلاقات الثنائية بين ألمانيا والمغرب، وتوسعت لتخرج عن النطاق التجاري وتشمل التعاون السياسي والدبلوماسي. يتمثل التعاون اليوم في جوانب كثيرة من بينها التعاون الثقافي، كما يتمثل أيضاً في الجالية المغربية الكبيرة التي تحيا في ألمانيا وتسعى إلى تعزيز هذا التعاون.