الخبرات الألمانية في خدمة التنمية المغربية
تعد تعبئة المقاولات المغربية إلى غاية 2012 من بين أولويات البرامج التنموية الأوروبية في هذا البلد. ويأتي هذا الاهتمام المكثف في إطار جهود الإتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات التي قد تواجها المقاولات المغربية عند دخول الاتفاقية الأورومتوسطية حيز التنفيذ، والتي ستعرف نشأة سوق متوسطية حرة ضمن اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي. ونظراً تلك التغيرات التي ستطرأ على القواعد الاقتصادية وسير المعاملات التجارية المغربية تحتاج المقاولات الصغرى والمتوسطة، على وجه الخصوص، مزيدا من الدعم التقني والمالي كي تستطيع هذه الأخيرة الصمود أمام منافسة الشركات الدولية التي احترفت المنافسة والتعاملات المالية على الساحة العالمية. ولهذا الغرض تضمن اتفاق الشراكة الأورومتوسطية تعهد الإتحاد تمويل برامج تنموية في كل الدول العربية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط. وتشمل تلك المشاريع تأهيل مؤسساتي وتحديث الهياكل الاقتصادية واستحداث استراتيجيات جديدة لتسويق البضائع بما يتلاءم مع القوانين الأوروبية المحددة للجودة والإنتاج الصناعي الذي يراعي احترام البيئة. ويذكر أن الاتحاد الأوروبي سيسمح للمنتجين المغاربة المشاركة في سوقه الداخلي. وتحاول دول الإتحاد عبر المشاريع التنموية النهوض بمستوى أداء الفعاليات الاقتصادية والإدارية في المملكة وتزويدها بالخبرات اللازمة لتقوية قدرتها التنافسية أمام تحديات النظام الاقتصادي المعولم.
تأهيل المؤسسات وتنظيم عقلاني للمساعدات
تقوم وكالة التعاون الفني الألمانيGTZ التي تعد الجهة الألمانية المتخصصة في إنجاز المشاريع التنموية بتوظيف خبراتها ميدانيا لدعم وتأهيل الكثير من القطاعات الحيوية في المملكة. وتمول غالبية تلك المشاريع عن طريق بنك الاستثمار الأوروبي أو مباشرة من الحكومات الأوروبية التي تخصص أغطية مالية لذلك. وتحتاج إعادة هيكلة الاقتصاد المغربي إلى تحديث الآليات الاقتصادية لتحسين قدرتها التنافسية في حلبة الاقتصاد العالمي. ويعد تحرير هذا القطاع ودفعه باتجاه اقتصاد السوق من بين أهم المشاريع التنموية في المجال الاقتصادي. ويهدف هذا الدعم بالدرجة الأولى إلى التحرير التدريجي لتبادل السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال. ولعل أهم النقاط التي يهدف الإصلاح الإداري في المغرب إلى إنجازها هى الحد من النفقات الهائلة للتسيير الإداري الملقى على عاتق الدولة إضافة إلى خفض عدد الموظفين في الإدارات الحكومية وتحسين أداء العاملين فيها عن طريق دورات تدريبية لرفع كفاءاتهم الوظيفية. ويحتاج تحديث العمل الإداري في المغرب واعتماد نظام تقنية المعلومات في الوزارات والمصالح، إلى جانب الدعم المالي، إلى اقتناء المعدات اللازمة و الخبرات الأوروبية في مجال التسيير الحديث لقطاعات الدولة. ويتجلى الدعم الألماني في هذا النطاق في التمويل والإشراف على الدورات التدريبية التي تهدف إلى تحسين الإطارات المؤسسية والقانونية بالإضافة إلى المساهمة في تطوير آليات حديثة في مجال التخطيط والتمويل.
التكوين المهني
يبقى إقرار أنواع جديدة لنظام التعليم المهني على النموذج الألماني أهم الإنجازات التي سيستفيد منها كل من أرباب العمل المغاربة والاقتصاد المغربي على حد السواء. ويهب هذا التكوين الشباب المغاربة إمكانية اكتساب المهارات الجيدة والمؤهلات التي يحتاجها الاقتصاد. كما يعمد المسئولون عن هذا البرنامج توجيه الراغبين في الاستفادة من تلك الدورات التعليمية وفقاً لاحتياجات سوق العمل بغرض تسهيل حصول الشباب على عمل بما يتوافق مع مهاراتهم الجديدة من جهة، ولسد حاجيات بعض القطاعات لليد العاملة المختصة. ويشير الكثير من المختصين الألمان إلى أن التجارب الألمانية الطويلة في هذا الحقل أثبتت أن الأيدي العاملة ذات الكفاءات المهنية العالية تقف بالدرجة الأولى وراء جودة المنتجات مما يسهل مبيعاتها في الأسواق الأوروبية. ويتم بالفعل في المملكة المغربية تطبيق " نظام التعليم الألماني المزدوج" الذي يتلقى على أساسه المتدربون التعليم في مراكز التدريب وفي أماكن العمل. وهذا ما يُخول لهم الإطلاع على الجانب النظري والتطبيقي خلال مدة إعدادهم للعمل. ورغم بساطة هذا النموذج إلا أنه قد يكون مفتاحاً للنمو الاقتصادي في المغرب، خاصة إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن الفضل في جودة المنتجات الألمانية ونجاح ألمانيا الاقتصادي بشكل عام يعود أساسا إلى ذلك النظام.
مخاوف مغربية
يعتبر بعض المراقبين للتطورات الاقتصادية في المغرب أن التحول الاقتصادي لتهيئة المؤسسات المغربية وآلياتها لتطبيق مبادئ التجارة الحرة يُعد مشروعا طموحا، ولكنه لا يخلو من مخاطر ومجازفات قد تحدق بكثير من المقاولات الوطنية ويُمكنها أن تقود الصناعة المحلية باتجاه الإفلاس. وتأتي تلك الشكوك في ظل غياب التكافؤ في المنافسة الاقتصادية وعدم وضوح مدى فاعلية القوانين والمؤسسات الحكومية المعنية بمراقبة التعاملات الاقتصادية على أرض الواقع. ولا يزال التأهيل الاقتصادي أيضاً يتطلب مزيدا من الاستثمار، كما يحتاج تحديث الهياكل الاقتصاد إلى المزيد من الوقت قبل أن يحقق الأهداف المنوط بها وتصبح مؤهلة للاندماج في نسق العولمة ومسايرة ركبها. وفي السياق ذاته يرى أخصائيون آخرون أن بدأ العمل باتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، الذي وقع في عام 2004 سيعتبر أهم امتحان للاقتصاد المغربي وفرصة مهمة للجانب الأوروبي لتقييم نجاعة جهوده التنموية في المملكة.
طارق أنكاي